الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زمن الدبرسة الخبيثة

مزمل الباقر

2013 / 4 / 28
الادب والفن





- ( صباح النكد ... !!)
- ( صباح الزهج.. !!)

انطلق عمر بعد أن حى صديقه سعيد بالتحية المعتادة، تاركاً باب منزله يحي باب منزل سعيد

- ( صباح النكد ... !!)
- ( صباح الزهج.. !!)

شارع الشنقيطي مزدحم - كعادته – بالسابلة والعربات والركشات، عم صديق الحمَاري يصر على ان يمتطي صهوة حماره في قارعة الشارع مترنماً بإحدى مدائح حاج الماحي.

عم حسبو – كالعادة – يدخن الشيشة والضيق، أمام طاحونته التي لا يغشاها الزبائن إلا لمماً. ناريمان تحل الكلمات المتقاطعة خلف فاترينه الزجاج، ريثما تأتي وفود الزبائن الكرام. بينما تلفونات المحل ذات الأقراص والأزرار تزفر في ضيق وملل واليافطة بكلماتها الباهتة ( مركز ناريمان للاتصالات ) تستجدي المارة بألوانها.

صبي تلقي به الازقة بين الفينة والاخرى يبيع الماء للسابلة وسائقي الحافلات، وآخر يحمل ما خف حمله ورخص ثمنه ليعرضه على النسوان في برندات السوق الكبير. وصبي عاشر يحمل صندوق اورنيش على كاهله ويحملق في احذية المارة، تسبقه ايقاعاته المتميزة التي تسبق نداءه، يمني نفسه بتلميع حذاء احدهم مقابل مبلغ من المال زهيد :
كشك .. كشك.. كشك .. ورنش
كشك .. كشك .. كشك .. ورنش

- ( يا بت العربية .. آ .. الركشة!!!)

نجت الطفلة – بالكاد – من الاصطدام بالركشة، وتنفس عمر الصعداء قبل أن تتنفسها الطفلة المذهولة.

- ( جرايد .. ياود يا .. جرايد!!)
- ( عايز شنو يا .. فردة؟!)
- ( بالله أديني الرأي الآخر!)
- ( ما صدرت!)
- ( لييي؟!!)
- ( موقوفة.. زي العادة!!)
- ( ياخي .. يقيف حالك!)
- ( شنو؟!! ... وقفتها أنا؟!)
- ( معليش، يا أخو .. ما قاصدك انت!)

مضى عنه الصبي غضباناً، يسلك شارع العدني، تلفت عمر حوله في ضيق وغمغم:

- ( وبعدين ... وبعدين؟؟!)

كانت البلاهة ترتسم على الوجوه والعربات والركشات والحيطان التي اضحت بقدرة قادر إدبخانات لقضاء الحاجة على مرأى ومسمع كل من سلك ذلك الطريق. وبائع الموز يدفع عربة الموز التي تحمل على دكتها سبائط الموز والميزان وتوابعه وبداخل درجها الوحيد تستقر أكياس ورقية. أيدفع بائع الموز عربته أم هي التي تجره؟!!.

- ( لا بأس من السياحة في أزقة السوق الكبير وبرنداته. ولكن من أين ابدأ؟ .. من أين؟ من أين؟) حادث عمر نفسه واستقر رأيه أخيراً .. اللغط .. الضجيج الرائحة التي تزكم الأنفاس .. أصوات الطيور الداجنة .. زفارة الأسماك والأرانب والبط والدجاج المذبوح .. هذه كانت حصيلته من سوق الجداد و ..

- ( تعال يا .. ظريف .. آأي انت يا .. وجيه .. تعال بالله شوف القطعة دي!!)
- ( الله .. يقطع مصارينك يا خي .. بلا سمك .. بلا سجم!)

هكذا حادث عمر نفسه، وهو ينظر لبائع السمك بكل ضيق أمة محمد، قبل أن يمضي.

فور خروج عمر من زنقة سوق الجداد، سحب اكسجيناً من الجو، فأمتلات رئتاه هواءاً حتى سعل بشده ودمعت عيناه، لقد حملت الريح إليه ذرات من مسحوق الشطة.

- ( آآت..شووم .. الحمد لله .. آه وبعدين .. نف نف . آ .. أحم أحم .. من سوق الجداد لي سوق التشاشة، ومن الزفارة لي الشطة .. يا .. قلبي لا تحزن!.. أحسن حاجة أنا اشرب لي برتكان مركز قبال ما العطسة دي تبقى نزله!!)
مضى نحو أقرب كافتريا بعد أن فرغ من حديثه المعتاد مع صديقته الوحيدة ( نفسه ). عمر دائماً ما يحادث نفسه ويسر إليها بحديثه.

قرأت عيناه ( كافتريا الشهداء) ودفع لعامل الكاشير بالنقود فناوله الأخير الماركة في آليه مفرطة.
- ( برتكان!).
لم يكن بحاجة إلى أن يقول ذلك، فألوان الماركات تختلف بإختلاف نوع العصير، احتسى عمر كوب البرتقال بلذة طاغية وكأنه يتذوقه للمرة الأولى في حياته، ثم عاد ليتناول ما تبقى لديه من نقود.
- ( دا شنو دا؟!!)
- ( الباقي يا .. شيخنا!)
- ( الباقي .. خمسمية؟!!)
- ( أيوه .. ما .. كباية البرتقال بي خمسمية، وانت اديتني ألف جنيه .. آ.. أقصد ألف دينار!!!)

صباح بارد الأنفاس، ظهيرة خانقة، أمسية حزينة مملة محملة بالغبار، ليل ماطر .. صباح بارد كيوم أمس، ظهيرة خانقة كيوم أمس الأول، أمسية حزينة مملة ومحملة بالغبار كمثل هذا اليوم من الأسبوع الماضي، ليل ماطر مثل أول يوم في خريف العام الماضي.

- ( صباح النكد ... !!)
- ( صباح الزهج.. !!)


مزمل الباقر
أمدرمان في 23 يناير 2000م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نصير شمة في بيت العود العربي


.. مفاجاة صارخة عرفنا بيها إن نصير شمة فنان تشكيلي ??? مش موسيق




.. مش هتصدق عينيك لما تشوف الموسيقار نصير شمة وهو بيعزف على الع


.. الموسيقار نصير شمة وقع في غرام الحان سيد درويش.. شوفوا عمل إ




.. بعيدا عن الفن والموسيقى.. كلام من القلب للموسيقار نصير شمة ع