الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بكرا اعتقلوني..!!

شوقية عروق منصور

2013 / 4 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


بكرا اعتقلوني..!!
شوقية عروق منصور

"انظر حولك في غضب".. قالها أحد الفلاسفة في كلام عابر، لكن حين نفرش الغضب على فضاء التساؤل الفلسطيني فلا بد أن تكون الاجابة سريعة ورد الفعل واضحا.
سلسلة المعاناة الفلسطينية لا تنتهي. بالعكس حلقاتها تضيق يومياً حتى يحسب المرء أن الشقاء قد كُتب على الفلسطيني وأن التاريخ يستهز ويستخف ويلاحق بأنيابه الحادة الجسد المنهك والمثخن بجراح التشتت واللجوء والفقر، والتنقل من مخيم الى مخيم حتى سئمت المخيمات قماشها المتلون حسب الظروف والطقس والمساعدات والدول المانحة التي تدفع فواتير الاحتلال الاسرائيلي. مع العلم ان جميع المخيمات في العالم قد اختفت الا المخيمات الفلسطينية ما زالت العناوين النائمة على الظلم التاريخي.
"بكرا اعتقلوني".. صرخة توسل لفتى فلسطيني يقف أمام جندي اسرائيلي يحاول اعتقاله، لكن الفتى يطلب منه ان يعتقله في اليوم التالي بعد أن يجري الامتحان المقرر له من قبل مدرسته. لأول مرة في التاريخ - حسب رأيي - يقف صبي بهذا العمر الغض طالباً من الرجل القادم كي يعتقله بأن يؤجل اعتقاله للغد. انها شجاعة وموقف ومسؤولية تظهر الروح والنفس التي كبرت في ظل الاحتلال، والطفولة التي اختفت ولم يعرفها او يذقها الطفل الفلسطيني.
نغطس بالضحك حين نجد الذهول على وجوه الاسرائيليين، ويستفزك حين يتصرفون من منطلق الدهشة وسكب دموع التماسيح، كأنهم لا يعلمون كيف يتصرف ابناؤهم الجنود، خاصة حين يتعلق الأمر بمعاناة الأطفال والنساء الفلسطينيين، مع انهم يسمعون الجنود والقادة والسياسيين الذين يحرضون ليل نهار ضد الفلسطينيين. بل وصل سباق التصريحات بينهم الى جعل الفلسطيني مادة دسمة لحشد الكره والعداء للوصول الى النجاح، حتى اصبحت القاعدة الانتخابية الاسرائيلية "حاصر الفلسطيني تنجح" و"اقتل، اسجن، اهدم، ضع الحواجز، صادر الارض، اقم المستوطنات.. تنجح" ..الخ.
بث التلفزيون الاسرائيلي مؤخراً تقريراً عن حملات الاعتقالات التي ينفذها الجيش الاسرائيلي ليلا ضد القاصرين في محافظات الضفة الغربية بتهمة القاء الحجارة. فتية لا تتجاوز اعمارهم الرابعة عشرة وعملية تقييد ايديهم وتعصيب اعينهم والتفتيش والمداهمات من بيت لبيت والامهات يتوسلن للجنود كي يتركوا اولادهن. وقد تصدرت صورة الصبي أحمد، الذي كان يدرس كي يقدم في الغد الامتحان، لكن الاحتلال يداهم بيته ويجره. وأثناء جره قال عبارته "بكرا اعتقلوني..!". بعض المعلقين الاسرائيليين سلطوا ضوء الرفض على هذه الصورة القاتمة، التي تزيد من الازمات الاخلاقية التي يغرق فيها الجيش.
وزارة الاسرى الفلسطينية أعلنت بأن حوالي 800 الف فلسطيني اعتقلوا منذ عام 67، معظمهم قاصرون. وحسب اتفاقية جنيف لا يجب اقحام القاصرين في أي نزاع، لكن اسرائيل لا تلتفت الى المواثيق الدولية، لانها تشعر أنها فوق القانون الدولي ويحق لها الدلع والغنج، ولا يتم محاسبتها والاهتمام بملاحقتها والاصرار على كشف تجاوزاتها.
وبعيداً عن وزارة الاسرى الفلسطينية، التي أصبح تخصصها نشر الكلام والشعارات والتصريحات وإقامة بعض المظاهرات هنا وهناك، نسأل السلطة الفلسطينية عن قضية اعتقال القاصرين، وكيف يمكن مواجهة هذه القضية بحزم دون التراخي والتأتأة وإدارة الظهور للمشاهد المؤثرة والصبية المقيدين بخيوط البلاستيك، التي تعتبر لوحدها جريمة بحق جسد الصبي وجلده الطري. لماذا لا يتم دفع هذه الصور الى جميع وسائل الاعلام في العالم؟!! ثم نسأل عن السفراء الفلسطينيين المتواجدين في دول العالم، وكذلك عن موظفيهم الذين يعدون بالآلاف، ماذا يفعلون لمواجهة الصور والمشاهد المؤثرة للاحتلال؟ لماذا لا يقومون باستغلال صور القاصرين وارقام المعتقلين ونشرها في الدول التي يقيمون بها، واثارة الموضوع بجرأة، لأن المس بحياة الاطفال هو قمة الجرائم في الغرب؟ من المعيب أن يقف الصبي أحمد ويطلب تأجيل اعتقاله للغد ويقول للجندي "تعال بكرا وبروح معاك"، ونحن لا نقول لهؤلاء: قفوا..! ولا نثير الرأي العالمي مع الصور المخزية والمحزنة. ان اسرائيل تستغل صور اطفالها حين يصابون بالذعر والخوف اثناء سقوط الصواريخ، وتصنع من صراخهم وخوفهم الزوابع وتثيرها في العالم، وتبيع ذعرهم الى ضمائر العالم الذي يرفض مقاضاة الاطفال بالجنون السياسي، وتنسى هذه الضمائر الاحتلال والجدار والمستوطنات وباقي منظومة القبة الاحتلالية.. المهم عندها عدم مس الطفولة والأطفال..!
قائد الكتيبة التي قامت باعتقال الفتى أحمد صرح بأسلوب الحديد الصلب الذي يزداد عنادا: "انا غير متفائل بان هذه الاعتقالات سوف تنتهي.. ابي كان يقوم بنفس العمل وآخي وأنا الان، وقد يكون ابني غداً"..! فما رأي رئيس السلطة الفلسطينية السيد ابو مازن بذلك؟! وما رأي رجال الأمن أو رجال الشرطة الفلسطينيين، الذين يقدر عددهم بحوالي 70 الف مسلح ومدرب، ونراهم منتشرين في شوارع ومدن الضفة الغربية؟؟! واذا كانت الاتفاقيات الفلسطينية الاسرائيلية تقيدهم، فلماذا نراهم في حالة الصمت حين تنقض اسرائيل هذه الاتفاقيات؟! وهناك من يتساءل: اين يكون هؤلاء حين يتم ملاحقة الصبية واعتقالهم من داخل بيوتهم؟!
منظمة اليونسيف الدولية لحماية الاطفال أعلنت ان عدد الاطفال والفتية الفلسطينيين الذين اعتقلوا في السجون الاسرائيلية بلغ نحو 7 آلاف، خلال السنوات العشر الاخيرة، وان الاطفال يتعرضون لعمليات تنكيل وتعذيب تتنافى وميثاق حقوق الانسان وميثاق حقوق الطفل الدوليين. وأكدت منظمة "بتسيلم" الاسرائيلية الفاعلة في مجال حقوق الانسان على صحة المعلومات، مشيرة الى ان هناك 219 طفلا يقبعون في السجون الاسرائيلية حاليا، بينهم 95 محكوما و116 معتقلا حتى موعد المحاكمة و8 معتقلين رهن التحقيق، وفي سنة 2102 بلغ عدد المعتقلين الاطفال 881 طفلاً. وفي المقابل نشرت منظمة "انقاذ الطفل" العالمية في تقرير لها ان الغالبية العظمى بين مئات الاطفال الفلسطينيين، الذين يودعون في سجون اسرائيل سنويا، يعانون من الكوابيس والتبول اللا ارادي والقلق بعد الافراج عنهم..!
ونحن نسأل: هل هؤلاء الصبية والاطفال يتلقون الرعاية النفسية والاجتماعية بعد اعتقالهم، ام يتم تجاهلهم كما تجاهلوا طفولتهم؟! وكيف نتوقع أن تخرج الاجيال الصالحة من تحت بساطير الجنود والقيود؟! قد يقول البعض أن عبارة ("بكرا اعتقلوني"، التي قالها الصبي للجندي، الدليل القاطع على حب الفلسطيني للتعلم. المهم عنده النجاح في الامتحان..!! العبارة لها عدة وجوه، لكن الوجه البارز هو سحق الطفولة الفلسطينية مع سبق الاصرار والترصد، كيف لا وان هناك مخططات لتحطيم وكسر المعنويات وسحب كل مقومات المقاومة.
وقد ذكّرني موقف الصبي الفلسطيني أحمد بأحدى رباعيات شاعر العامية المصرية صلاح جاهين:
****انا شاب ولكن عمري ولا الف عام
وحيد ولكن بين ضلوعي زحام
خايف ولكن خوفي مني أن أخرس
وقلبي مليان كلام..!!********








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا والصين.. تحالف لإقامة -عدالة عالمية- والتصدي لهيمنة ال


.. مجلس النواب الأمريكي يصوت بالأغلبية على مشروع قانون يمنع تجم




.. وصول جندي إسرائيلي مصاب إلى أحد مستشفيات حيفا شمال إسرائيل


.. ماذا تعرف عن صاروخ -إس 5- الروسي الذي أطلقه حزب الله تجاه مس




.. إسرائيل تخطط لإرسال مزيد من الجنود إلى رفح