الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشاعر ذياب كَزار أبو سرحان

قاسم حسن

2013 / 4 / 29
الادب والفن




الشاعر الغنائي أبو سرحان
رائد الاغنية العراقية الحديثة


أبا سرحان صائغ الكلمات ومهذبها
المُحَدِث الأول في الأغنية العراقية
كلماته حِكَم وصوره الشعريه تتلمسها واقعا
أبا سرحان الحاضر أبدا

في مثل هذه الايام من صيف العام 1982 غادر بسيارة من المفترض انها تسير بطريق آمن كي تصل بالشاعر الى بر الآمان .. غادر بيروت الغربية المحاصرة متجها الى دمشق مرورا بشرق بيروت التي كان الجزء الاكبر منها محتلا .. والتي لاطريق للخلاص سواه ولضمان حياته كونه يعاني من امراض وكان جسمه النحيل .. لايحتمل اكثر مما هو عليه من منفى وفراق عن بلده وأهله وزوجته وطفله الوحيد (طيف) كان خروجه من العراق مكرها بل هاربا من جحيم آخر كانت كوابيسه تنخر بذاكرته ...كل يوم وليلة لا بل كل ساعة ...ايامه في بيروت في ذلك الوقت لم تكن نزهة او سياحة بل كانت ساحة معركة لايعرف مصيره فيها ... كسائر المبدعين العراقيين من امثاله الذيت اختاروا العيور من تلك الساحة الفوضى علهم يقولون كلمتهم من خلالها للعالم أن عراقا انتهك فيه الانسان ... وأضطهد فيه المبدع الشاعر والكاتب والصحافي والفنان وكثرت فيه السجون والمعتقلات وازداد فيه المعتقلين..والأكثرمن هذا طاردونا الى هنا الى بيروت حيث الاغتيالات على قدم وساق.. ودعناه في وقت هدأت فيه اصوات المدافع وقصف الطيران في هدنة ساعات لاغير لاخلاء الجرحى والشهداء من ساحة المعركة ... وهذا اتفاق المتحاربين وليس لشاعرنا فيها لاناقة ولاجمل
اودعناه في سيارة ضمن قافلة من السيارات الخاصة والعامة ... حاملا دفترين لاثالث لهما ... جواز سفر ..وديوان شعر لم يكتمل بعد ..

ولد الشاعر ذياب كَزار (أبو سرحان) في مدينة البصرةعام 1946 وفي شبابه إلتزم الخط الوطني حيث كان في مقدمة المناضلين بالدفاع والوقوف الى جانب المظلومين والمضطدين من ابناء شعبه من العمال والفلاحين والناس الكادحين معززرا ذلك بأنتماءه والتزامه بخط الحزب الشيوعي العراقي ، إثر ذلك النضال بين الجماهيرتم اعنقاله وهو لازال شابا دون الثامنة عشر من عمره، دخل السجن (نكَرة السلمان) عام 1963 وكان أصغر المعتقلين سنا كما ذُكر ذلك في وثائق وسجلات الأمم المتحدة .
أتقن اللغة العربية وقواعدها في السجن بوجودمجموعة من المثقفين والسياسيين المناضلين.. ومنهم الادباء والشعراء أيضا كالنحامي والشاعر الفريد سمعان، والشاعر الكبير والمعروف مظفر النواب ، وهاشم الطعان وغيرهم ...
وبعد اطلاق سراحه واصل ( ابو سرحان) نضاله من خلال كتاباته المستمرة في النشريات
ومن خلال عمله في الصحف والمجلات العراقية وكذلك في الأذاعة والتلفزيون أيضا مع نخبة من الكتاب والشعراء والصحافيين في جريدة طريق الشعب التي تصدر في بغداد في اوائل السبعينات.. الى جانب مجموعة من خيرة الكتاب والصحافيين في ذلك الوقت منهم الكاتب والصحافي شمران الياسري ( أبو كَاطع )ورشدي العامل والفريد سمعان وسعدي يوسف وغيرهم ..
أصدر الشاعر ذياب كَزارالذي عُرف بأبي سرحان ديوانه الأول والوحيد (حِلم وٌتراب) في أوائل السبعينيات ، ساهم في المجموعة الشعرية المهمة والغنية بمضامينها ومن شارك فيها ديوان (أغاني للوطن والناس) والتي صدرت عام 1974 بمناسبة العيد الأربعين للشيوعي العراقي مع شعراء تلك المرحلة عريان سيد خلف ، شاكر السماوي ، فالح حسون الدراجي ، كامل الركابي ، كاظم غيلان ، ورياض النعماني ، رحيم الغالبي ، فاضل السعيدي وكامل الركابي وأسماعيل محمد أضافة الى الى الراحلين فالح الطائي ، كاظم الرويعي، وغيرهم.

يُعد الشاعر من رواد شعراء الأغنية العراقية الحديثة في مرحلة إنتعشت الاغنية العراقية وعرفت برصانتها وجماليتها ، ولازال العراقيون يتناولون تلك المرحلة ويطلقون عليها ، (أغاني الزمن الجميل) كان عاشقا للوطن ، تواقا للحرية والحب والكلمة الشعبية والجميلة المنتقاة من الواقع ، وهو الشاعر الذي بقي في قلوب واذهان وضمائر الناس فقد إتخذ لنفسه طريقة جديدة في كتابة الاغنية ، ويعتبر ظاهرة جديدة حيث أبتكر أدواته التعبيرية ومفرداته التي أستنبطها من الموروث الشعبي، وكانت أغانيه تعبرعن المعاناة اليومية للريف العراقي بصورة كاملة لطبيعة هذا الريف.
ان الاغاني التي كتب كلماتهاالشاعر(ابو سرحان) لازالت راسخة في اذهان الناس يتذكرها العراقيون يوميا لما فيها من مساس بأحاسيسهم سواء في غربتهم او في وطنهم ومفرداته المميزة .. حيث النخله، وطيبة أهله وبيوت الطين، والجنوب والاهوار والمكَذلات، وكَصايب البنات، وزفة العروس، وحديث الامهات وجلسات عتبات البيوت، وشاي أبو الهيل والشناشيل ودجلة والفرات والنذور وتسيير الشموع في النهر ( شموع الخضر) ليلا، والريل والديرة، وشدات الورد ،وحمرةالخدود، والليل والكَمره ... الخ من تلك المفردات التي تلامس أحاسيس الناس .

مره مرني الطيف نسمة على جنح
وبلل عيوني بدمعتين الصبح
سولف بهيده على روحي الغافية
سوالف عرس
ڇانت الگذله ذهب
ڇانت الدنيا كرستال وشمس

مره مرني الطيف وبثوبي الجديد
خضر بروحي گمر وهلال عيد
وآنه وصيته ووعدني وگال
نرجعلڇ سوه
ڇانت الدنيا ذهب
ڇانت الدنيا كرستال وضوه
***
مره مرني الطيف مهرة مزلفه
وذب رجفته البارده گليبي وغفه
ڇانت الگذله ذهب
ڇانت الدنيا كرستال وقزح

كما أشتهرت كلمات أغانيه بالرمزية والوطنية العالية والسياسية الناقدة والتي عرفت في مرحلة السبعينات، العصر الذهبي للاغنية العراقية، تلك الفترة التي أثار فيها غضب النظام البائد.. الذي كان ومن أبشع قراراته بعدم تداول ونشر النص الشعبي والعامي في الصحف والكتابات والاصدارات ومنع تلك الاغاني من الاذاعة والتلفزيون وهي المؤسسة الوحيده و المتنفس الوحيد للعراقيين لسماعها لكن هذه الاغاني بقيت في أذهان الناس وضمارهم والذين تداولوها بطرقهم الخاصة والمبتكرة ويرددونها في كل المناسبات ..
( أبنادم . الگنطرة بعيدة . وشوگ الحمام) وغيرها ...

حدر التراڇي برد والگنطرة أبعيدة
أمشي وأگول وصلت والگنطرة أبعيدة
حلمانه برد الصبح رجفت خلاخلها
يادفو... ڇمل دفو ياگمر ضويلهه
ياذهب خيط الشمس والدغش ماريده
أمشي وأگول أوصلت والگنطرة أبعيده

لا.... لا.... يبرد الصبح ماتحمل أڇفوفهه

أزغيره وڇواهه العشگ واتوسد ازلوفهه
هيمه وجحيل الوكت مالمني نفنوفهه
لوذي اعله باجي العمر ياروحي حدر ايده
أمشي وأگول أوصلت والگنطرة بعيدة


كما ان للشاعرمؤلفات في مجال الآوبريت والمسرح الغنائي في العراق بدأه منذ ان كان في البصرة ومنها ( بيادر خير ، والمطرقة)..





أبا سرحان صائغ الكلمات ومهذبها .

العراقيو يتلمسون ويتحسسون تلك الكلمات التي لازالت تردد على مسامعهم ويستمعون اليها باختيارهم في هذا الزمن الذي تتسع فيه دائرة الاختيار نظرا للتطور الهائل في وسائل الاتصالات والشبكة العنكبوتية وبأصوات مطربين عراقيين كبار لازال العراقيون يكنون لهم كل الاحترام والتقدير لما لهم من فضل كبير على الاغنية العراقية وانتشارها بكلماتها الرصينة وألحانها .. التي تركت بصماتها في اذهان الناس وضمائرهم .. ان هذه الاصوات كالمطرب فاضل عواد وسعدون جابر وفؤاد سالم ومائدة نزهت وسيتا هاكوبيان وحسين نعمة وياس خضر وحميد منصور ... وغيرهم من غنوا كلمات الشاعر ( ابو سرحان) وغيره تثير عند العراقيين الروح الوطنية والشوق والشجن ... والحنين للوطن والحبة والأصدقاء ..
أغنية ( شوكَ الحمام) وهي من ألحان المبدع كوكب حمزه وغناها المطرب فاضل عواد . ومنها هذا المقطع ...

خليني حدر الزلف
ترڇيه
أرد أغفه
حسنڇ گمر... لوشمس
لو فرحه لو زفه
يلماي وين النبع؟
مدفون بالشفه
وشوگ الحمام أبهيد ....
وألوانه ترفه

كلمات مصاغة بامتياز قل نظيره ... فيها الشوق واللوعة والحنين ...

ذبلن وعود العشكَ بشفافك
وماتن
وطيور حبنه أرحلن
وي طيفك وتاهن
وكل المهاجر أجه . وگلبك بعد ماحن
وشوگ الحمام أبهيد
وألوانه ترفه
يلرمشه بستة فرح ...
وعيونه تجليبه
يلطوله نايل عشگ
والشعر مدري به
مڇتول من صيد أمس
من كثر تعذيبه!

من هنايؤكد الشاعر إرتباطه الوثيق والكبير بالفلكلور والتراث الشعبي وهذا يبدو من خلال أغلب أشعاره الغنائية ومفرداته الغنية والمنتقاة بعناية وخبرة ودراية عالية.

غاد إبعد خليني أحصد
وإسمع رنات احجولي
اشرايد يحٌبيب ِتنِشد
طولك ماوالم طولي
مخوصِر وعكَالك مرعز
وإحزامك فضه مرصٌع


يذكر الشاعر والكاتب العراقي سعدي السماوي في مقال نشر عام 1974 في مجلة التراث الشعبي ( أن أبو سرحان هو الشاعر الوحيد الذي لم يخرج من معطف مظفر النواب) .
ومن يقرأ شعره الغنائي يرى نمطه الخاص ، وقصائده ذات قيمة فنية عالية ، ورغم أقتراب شعره من لغة ومناخات أشعار مظفر النواب ، لكنه
أصر أن يكون هو ... هو... ، ترى الموسيقى واللفظ والأيقاع في أغلب الأغاني ومنها هذه الأغنية:
( لول لوه ... خي يو ... وي هو .. لولو ولو)
لو لوه ... خلخالك طاح ودوى
وهذا الأيقاع :
لولوه ولو.... شوف ابحالي اشسوه ... الحب مو بالگوه
وكذالك نلاحظ في أغنية : خي يو ... وي هو
خي يو بنت الديره
خي يو حلوه ازغيره
خي يو يامشيته
خي يو مثل الطيره
خي يو عده أگصيبه
خي يو شگره أطويله
خي يو ليره وتلهث
خي يو حدر الشيله
ومنها أيضا:
خي يو ياضحكته
خي يو فـيّ وجوري
خي يو يارگبته
خي يو ڇلفرفوري
خي يو ورگات الخس
خي يو ڇفوف الترفه
خي يو دورة محبس
خي يو رسم الشفه

أن هذه الكلمات الموسيقية ذات الأيقاع البطيئ أستخدمها الشاعر مستفيدا من مخزونه الفولكلوري المنتشر في جنوب العراق ، فهو يصور حركات الفلاحات ومشاعرهن وأحاسيسيهن التي ترافق العمل اليومي لحياة الريف...
خبره يبعد اروحيتي
عن روح ناشف مايها
لولي وسولف حالتي
حال الگطايه التايها
لا لا لول لوه
خلخالي طاح اودوه
لا لا لا لول ليه
ترڇيتي اتضوي عليه
خذني اعله جفك سمسمه
ماهي ذجيله ياسمه
وذبني ابحلاتي مديرمه
يم ولفي وانسه الغيبه
يلراكب مهره ازغيره
ويشايل خنجر عربي
هي آنه ابدربك ليره
نزلني ابگوشر ربي
وبعيدا عن أجواء الفلكلور نجد أنه يعطينا ايقاعات خاصة به في هذه الصورة.
وين يلمحبوب ... وين گلبي يلوب
تتحمل اذنوب
وين رايح وين...وألمن أدير العين
شلك عليه ... خايب خطية
ونجد ايضا في أغنية ( ام الزلوف) هذه الصورة الغنية ذات الدلالة العميقة وهذا الجو الخاص
حبس بالبيت حبسوني
هلي بلا صوج ... هيبله
وصحت وابجيت ارحموني
انه المگروده .. هيبله
بعيد بعيد بالدنيا
تعال وياي .. هيبله
انگط الروح حنيه
واشربك ماي .. هيبله
امشنه ابگاع مابيها
ظليمة وخوف .. هيبله
واعيش واياك واگضيها
ابطرگ نفنوف .. هيبله
ويقول الشاعر الشاعر الكبير فالح حسون الدراجي في مقال له بعنوان ( أبو سرحان والخروج المبكر من النص ) لقد سحق( أبوسرحان) لغة ومفاهيم ونظم النص الغنائي المهترئه ، قال لي أبو سرحان مرة : ( أسمع يافالح ، الأغنية مثل الحكومات ، لها جيش وأمن وسلطة، وفيها أشخاص منتفعون يدافعون عن منافعهم حتى الرمق الأخير ولكي تخلق أغنية راقية ، يجب ان تكون شجاعا باسلا فتقتحم مواقعهم العتيدة أولا ، ولكي تستطيع بعدها فرض شروطك الفنية فتصنع لك أغنية حديثة متطورة ، تتماشى وحركة التاريخ ، وبخاصة وان الأغنية اليوم سمة من سمات المجتمعات الحية ، تصور ، كم سيكون الأمر مفجعا ، لو بقيت الأغنية على حالها دون تغيير – والى الأبد – بحيث نظل نغني بعد ألف سنه(ولفي الغدار .. يطلبني بثار .. أمخليلي شوية نار أباب الدار .. رايد بيها يحرك گلبي أوف أوف ياربي) .
ويضيف الشاعر فالح حسون.. لقد حمل(ابو سرحان) معٌول الهَدم ، فأطاح بهيكلية الأغنية والحياة والجمال بناء فنيا ثرا..
سيبقى الشاعر ( ابو سرحان) ذياب كَزار ابا طيف معلما للحب والعشق والوفاء لوطنه وشعبه ..الذي تعلمنا منه الروح الوطنية ..والتشبث بالحرية وروح الصمود في مقارعة الأنظمة المستبدة والفاسدة .. من خلال إرثه الابداعي وكلماته التي اصبحت حِكما يتداولها الناس ..وستظل صرخاته مدوية تفيض حنينا وعشقا للانسان ...

قاسم حسن
فنان واعلامي –هولندا


المصادر وبتصرف:
1- مقالة الكاتب رحيم الحلي ( الشاعر الغائب الحاضر
2- مقالة الشاعر فالح حسون الدراجي ( ابو سرحان والخروج المبكر عن النص
3- مقالة الكاتب عباس الطائي في جريدة حمورابي الصادرة في هولندا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا