الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قطارات

جلال نعيم

2005 / 4 / 18
الادب والفن


" كانت جميلة الى حد جعلني أحلم .. ! "
فنسنت بطل مسلسل "الحسناء والوحش"

هي تحب القطارات :
" أحلم بها دائماً ، وكثيراً ما أهرع اليها خاصة اذا ما ضايقني شيء ما ، أجرّ حقيبتي و أستقل قطاراً .. الى أين ؟ لا أدري .. الا ان قطاراتي تدري .. تعرف الى أين تذهب وفي أي اتجاه تسير .. ما أبحث عنه هو المحطة ، في اي المحطات سأنزل ومن اي المحطات سأعود .. "
تخطو في الممر لتستقر في زاوية من البار ، تطلب بيرة مثلجة مع فلقة ليمون مملّحة :
" لا أهتم كثيراً بما يلوّح في الخارج ، من نافذة القطار ، الداخل هو ما يثيرني دائماً .."
تحتسي قليلاً من قنينتها ، تلعق شيئاً من ألليمون :
" المشاهدة فعل محدود ، مجرّد منظر جميل ما عاد يعني لي شيئاً ، المشاهدة فعل استنزاف ، فقدان دائم لما ليس لنا به صلة ..بينما التلاحم تجربة حقيقة ، الملامسة اكتشاف يقشعر له جلد القلب يضخ فيه لوعة عابرة ، متدفقة ، سرعان ما تحيا بعد ان نظن بانها واستنفدت حدود اقامتها .. تجربة مكتملة غير قابلة للمحو او الاحتراق .. ألرجل الجالس الى جانبي أتراه يوافقني ؟ ربما تلقّف نظرتي .. إصطاد تساؤلي ..
_ هاي .. هل أنتِ من لوس أنجلس ؟
_ .. أنا من سان دييغو ..
يمد لي يده ، يخبرني بأن اسمه "مايك" من أريزونا ، كاتب سينمائي حلمه القادم في الكتابة عن مدينة أكملت ألمائة وخمسون عاما ، يسمونها "سان فرانسيسكو" ويسميها مدينة الشعر المحلّقة بلا أجنحة .. كيف سيكون مذاقك في غرفة مسدلة الستائر يا "مايك" ؟ لست بحاجة للتغزل قي عينيّ .. فقط اضغط على باطن كفي بسبّابتك وسأخبرك أي لون للسماء سيكون في صباحاتي القادمة .. لا تنظر لأصابعي فهي عارية منذ أن غادرت صديقي في الليلة الفائتة كي ألتحق بواحد من قطاراتي .. قطاراتي الحبلى بما لا أدريه ..
لا بأس .. تحدث عن أي شيء .. صف لي عذوبة ابتسامتي .. دع صوتك يخترقني مثل دخان أزرق .. أحب الغرباء وأهوى أحاديثهم .. يظهرون أجمل ما عندهم والأكثر مدعاة للبهجة والتأمل :
_ تعرف بماذا أحلم ..؟
ها أنت تبتسم بغموض وكأنك تحير بحثاً عن جواب ..
_ أحلم برجل يغويني .. يخبرني عن جمال ابتسامتي .. يتغزّل بي بينما أنظر في عينيه متخيلة طعم اصابعه على رقبتي وبين نهدي ..
_ تقبلين دعوتي على العشاء ؟
_ رجل أتألق بين ذراعيه مثل برق خاطف ..
_ ماذا عن الجنس .. ؟ تحبين أن تكوني فوق ، تحت ، تنكفئين على وجهك ؟ أتحبين ذلك على السرير ؟ على الأريكة ؟ كيف سيكون أنينكِ .. هل تضجين بالصراخ ؟ أم تتأوهين بهدوء ؟ بلوعة صامتة ؟ باحتراق داخلي متصل ..؟ كلما قابلت امرأة جميلة أسأل ذلك .. أتخيله .. دون ان تمنحني احداهن جواب ..؟
_ الجو مفعم بموسيقى كمان .. كمان ما في مكان ما .. ترقص ؟
_ لم لا .. "
يرقصان ..
" اغمضي عينيكِ .. ماذا ترين ؟
_ رجل يحتضنني مثل حمامة .. تلهب أنفاسه أسفل اذني .. ينضو عن جسدي ما ارتديه دون ان يكف عن الالتصاق بي .. يمتص شفتي وكأنه يريد ان نتوحد بالانفاس ، بالأشواق ، بالأصابع التي تشدني من اخمص روحي الى ضفتيه ..
_ وماذا أيضاً ..
_ شفتاي تسبحان على صدره مثل قارب ، يهبط دون ان يعرف اين سيرسو ، وفي أي بحر يتيه ..
هل أنا عاهر .. ؟!
هذا ما لا افكر به حتى وأنا أنحني بينما يخترقني " مايك " لا أعرفه .. أقصد لا أعرف ان كان متزوجا ام لا .. مؤمنا أم ملحدا .. طيباً أم مصاباً بحمّى القتل المتواصل .. ؟ كل ما اعرفه انه يحتضنني .. يمسّد ظهري بأنامله .. أدخله كمحطة ويخترقني كقطار .. يخترق ربّات الانوثة فيّ ..أصل معه حدّ إضمحلال الاسئلة .. ما جدوى الأسئلة ما دمنا نمتص عبير اجاباتها ؟! ما جدوى ان نهندس لحظاتنا مثل غباء متصل يغرقنا بالبلادة أكثر كلما بحثنا عن مبررات لأكتماله .. ؟
وألآن .. "مايك".. إغمض عينيك واخبرني .. ماالذي تراه ؟
_ جمال يُغرق في سحره .. ذوبان مطلق في نفحة من ستينيات القرت الماضي .. كم تأخرنا عنه .. كم ابتعدنا او أبعدنا .. ربما هو الحلم عندما يهندسه الواقع .. يقننه ..الواقع الذي نحيا أدنى منه بكثير .. يحيل الأنوثة عهراً والقوة عضلات فارغة وأرصدة معبأة باللاجدوى .. كم أحنّ الى ثورة الأخلاق تلك .. من القسوة أن نحيا بعيداً هكذا .. بأخلاق لا تحتمل معنى الثورة .. هكذا .. وكأنها إمرأة تحترف الجنس بعد أن تفقد أنوثتها ..
_ وماذا أيضاً يا مايك ؟
_ أرى أنثى تسبح في دمي .. طيف يتسلّق مكامن رجولتي .. أراكِ وأحلم بالكتابة عن مدينة وصلت حدود شيخوختها بعد مائة وخمسين عاماً فقط .. مدينة تلقي بأنوثتها من الشرفات كل ليلة بينما يختنق البحر غير بعيد عن فراشها ..
_ تحبها كثيراً ؟!
_ أحببتها مرّة وكرهتها ملايين المرات .. وما زالت الكفة للمرة الوحيدة التي احببتها فيها .. سحقا للمعادلات ..!
_ تبقى معادلة ال 1 + 1 هي ألأصعب ..
_ أو ألأجمل .. "
يتوقف القطار ..
" _ انها محطتي ..
_ لكنك قلت بانكِ بلا محطات ..؟
_ ربما كنت أحلم .. هل قلت بأن لا مسافات لي أيضاً ؟! ذاك ما تمناه انا الأخرى .. "
تسحب حقيبتها ..
"_ مستحيل .. وكأنك حلم يترجّل في أول محطة ؟!
_ لستُ أكثر من اللاشيء الذي يعوي في مكان ما فيّ ..
أجرجر حقيبتي كالمنوّمة ..بينما يضجّ فيّ حلم القطارات التي تصهل في اللامكان .. "
يتعالى صفير قطارات أخرى بينما أطفيء سيكارتي ، أغلق التلفزيون متذكّراً موعدي في دائرة الهجرة في الصباح الباكر ، ثم ّعليّ الالتحاق بعملي الشاق حتى منتصف الليل .. أدخل غرفة النوم ، غداً سأتذكر ذلك سيبدو لي ايضا مثل حلم ، مثل طيف آخر .. أخلع ملابسي بهدوء ، أبدّد همّ اليوم القادم بمعانقة دفء زوجتي الحالم .. أتقلّب في الفراش عدة مرّات عازماً على تحقيق حلمي بالكتابة عن مدن قد تصل حدود شيخوختها سريعاً ولكنها ترفض ان تموت خاصة وان كانت مثل "سان فرانسيسكو " مدينة الشعر المحلّقة ، مثلي ، بلا أجنحة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المغرب.. إصدارات باللغة الأمازيغية في معرض الكتاب الدولي بال


.. وفاة المنتج والمخرج العالمي روجر كورمان عن عمر 98 عاما




.. صوته قلب السوشيال ميديا .. عنده 20 حنجرة لفنانين الزمن الجم


.. كواليس العمل مع -يحيى الفخراني- لأول مرة.. الفنانة جمانة مرا




.. -لقطة من فيلمه-.. مهرجان كان السينمائي يكرم المخرج أكيرا كور