الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من الغزو اللغوي إلى الغزو الثقافي

منعم زيدان صويص

2013 / 4 / 30
الادب والفن


ظاهرة عجيبة تتسع باضطراد في الإعلام والمجتمع، وأعني بها خلط اللغة العربية مع اللغة الإنجليزية في الحديث على جميع المستويات، فبعض الكتاب والمثقفين، والمتحدثون عموما، يُدخلون التعابير الإنجليزية في كتاباتهم كما هي وبعضهم يأخذ على عاتقه ترجمتها، ولا يكون موفقا في كثير من الأحيان، ومع ذلك تنتشر هذه التعابير إنتشار النار في الهشيم مدمرة في طريقها المعنى الأصلي بدون أن تفيد اللغة العربية. ولا شك أن اللغة الإنجليزية من اللغات العالمية الديناميكية المرنة، ولغتنا العربية تحتاج لبعض المرونة. فاللغة الإنجليزية تستعير كلمات من جميع اللغات بدون إية مشاكل، وتأخذ هذه الكلمات معنى معينا، ولا يمضي على إستعمالها بضع سنوات حتى تد خل القواميس الإنجليزية ويبدأ إستعمالها بطريقة صحيحة، ومنها كلمة "إنتفاضة" على سبيل المثال. وبما أننا لا نستعمل القواميس إلا نادرا فكل شخص يستعمل التعابير الجديدة على هواه، وهكذا تفقد معناها الأصلي و تتخذ معاني مختلفة بدون دلالات مهمة. فالقواميس وتحديثها ضرورة ماسة، وهذه مسؤولية مجامعنا اللغوية.

لا يوجد أمة في العالم تفتخر بلغتها، وبحماس، كما تفتخرالأمة العربية، وتعتبرها مقدسة ومن أهم اللغات. التعبيرات العربيه توجد بكثرة في معظم اللغات المهمة، من الشرق الأقصى الى المغرب العربي، الذي كان يسمى المغرب الأقصي، ومن أفريقيا الوسطى إلي جنوب أوروبا، فالكلمات ذات الأصول، أو الجذور، العربية لا تُحصى. وقد شُبّه تأثير اللغة العربية في الشرق بتأثيراللغة اللاتينية في الغرب ولذلك سميت "لاتينية الشرق." ولكن الشعوب التي تتحدث بها لا تحميها من الضعف والشوائب ولا تنمّيها أو تطورها، ربما لأن الفرق بين اللغة العامية واللغة الفصحى فرقٌ شاسع، بالمقارنة مع غيرها من اللغات. ولحسن الحظ أن وسائل الإعلام والإتصال في العصر الحديث ضيّقت هذا البرزخ، وأصبحت ْ لغة التحدّث أقرب للغة المكتوبة،أو ما يسمى الفصحى، وأصبح العرب في الخليج ودول المغرب العربي يفهمون على بعضهم تماما، لأن المحادثة بين الناس، على الأقل المتعلمين منهم، في العالم العربي، تميل تدريجيا إلى الفصحى، وهذا يبشر بالخير ولكنه يتطلب قواميس سهلة الإستعمال، فكثير من الناس، حتى المثقفون والكتاب، لا يستعملون القواميس إللا نادرا، معتمدين على تفسيراتهم الخاصة للمعاني وعلى السياق وموقع الكلمات في الجمل، وهذا أحيانا يؤدي إلى البلبلة. القواميس الإنجليزية، والكتب الكثيرة حول طرق إستعمال الكلمات تتجدد باستمرار، ولكننا لا نجد هذا التجديد في المعاجم العربية، مع أن التعبيرات الجديدة تغزو اللغة العربية باستمرار وتنتظرلغويين وقواميس لتمتصها وتعطيها معانيها الخاصة. ويجب أن نعترف أن استعمال القاموس العربي ليس سهلا. وينتج من هذه الفوضى في التعبير صعوبة في الفهم الصحيح وفي ترجمة بعض النصوص العربية، وخاصة لغة الساسة والرسميين، إلى لغات إخرى. ونحن نعرف أن ما يترجم من الكتب العربية إلى اللغات الأجنبية قليل نسبيا.

معظم سياسيينا في هذه الأيام يستعملون التعابير الإنجليزية في تصريحاتهم. بعضهم يتقن اللغة الإنجليزية، وهذا مفيد جدا، لهم ولمستمعيهم من الأجانب، فمعرفتهم بهذه اللغة تمكنهم من شرح أفكارهم بطريقة صحيحة وتوصيلها بشكل سليم للمراسلين ووكالات الأنباء. ولكن بعضهم لا يتقنون هذه اللغة، وبدل أن يعتمدوا على مترجم ماهر يوصل هذه الأفكار، يأخذون على عاتقهم تحويل أفكارهم العربية إلى الإنجايزيه كيفما اتفق وبطريقة مكسرة، وأحيانا خاطئة، لا تعطي المعنى المقصود ولا تخلق الإحترام لهم في أعين الأجانب بل تشوه سياسات بلدانهم. غير أن معرفة اللغة الإنجليزية ضرورية جدا وخاصة في بلد سياحى كبلدنا، ولكن علينا أن نخاطب بها الزوار الأجانب وليس الموطنين.

وبالمقارنة فالأوروبيون عموما لا يتقنون اللغة الإنجليزية، وباستطاعة المرء أن يتحقق من هذا عندما يزور دولة كفرنسا أوالمانيا أوإطاليا، فيجد صعوبة كبيرة في التفاهم مع الناس، وهم لا يرون في هذا شيئا مخجلا. أما السياسيون منهم فلا يتكلمون الإنجليرية إذا لم يتقنوها، وإنما يخاطبون العالم بلغاته ومن خلال مترجمين. وهم في ذلك يختلفون عن سياسيينا وبعض قادتنا، فبعضهم يصر على التحدث للإعلام الغربي باللغة الإنجليزية مع أن مستواه اللغوي ركيك للغاية ويشوه صورة القضية التي يدافع عنها، ويقابل بالإستهزاء. وأذكر، من الناحية المقابلة، أن أندريه غروميكو، وزير الخارجية السوفييتي الأسبق لمدة 28 عاما، ولاحقا رئيس مجلس السوفييت الأعلى، كان يرفض رفضا قاطعا التحدث باللغة الإنجليزية رغم إتقانه لها، وكثيرا ما كان يقاطع المترجم، خلال مؤتمراته الصحفية، ليصلح ترجمته، قائلا له: "أنا قلت كذا ولم أقل كذا." من الأفضل لأي زعيم العربي أن يتحدث للإعلام الأجنبي بالعربية، من خلال مترجم، بدل أن يستعمل، كما كان يفعل القذافي، تعابير تفسر خطأ أو ينظر إليها الاجانب باستهجان. ومن ناحية أخرى ليس من الضروري، في معطم الأحيان، أن يتكلم الزعماء العرب بالإنجليزية، فالإهتمام باللغة العربية هذه الأيام كبير جدا حتى أن العديد من الدبلوماسيين والسياسيين في روسيا وبريطانيا والولايات المتحدة والصين وغيرها يتكلمون العربية بطلاقة. وهناك مترجمون محترفون، من وإلى العربية، في الغرب وأوروبا وفي كل المنابر والمنظمات الدولية.

في السنوات الأخيره إزداد استعمال الكلمات الإنجليزية في برامج الفضائيات العربية، وخاصة في لبنان والاردن، وفي كثير من الأحيان يستعمل المتحدث كلمه إنجليزية بسيطه واضحة ويتبعها بمعناها العربي. حتى برامج الطبخ على الفضائيات مليئة بالكلمات الإنجليزية غير الضرورية لأن البديل العربي واضح وسهل، فمقدموا البرامج وضيوفهم يبهّرون حديثهم بكلمات إنغليزية، وبدل أن يقاطع مقدم البرنامج محدثيه ليشرح هذه التعابيرللمشاهد، الذي لا يُعيبه عدم معرفتها، يستعمل هو الآخر كلمات إنجليزية.

لا شك أن المرء يفتخر بلغته الأم وبتعابيرها، وخاصه الكلمات التي تعطي مدلولات فريدة لا نجد لها معاني مشابهه في اللغات الأخري. اليابانيون والصينيون والكوريون يفتخرون بلغاتهم الصعبة ويصرون على استعمالها في كل المناسبات وفي جميع المجالات، وحري بنا أن نكون أشد حرصا على لغتنا من حرصهم على لغاتهم، فاللغة هي المادة الخام للثقافة وهي الهوية، ويجب أن نحرص على التكلّم بها دائما ونطورها وننميها. وإذا كنا حريصين على التصدي لما نسميه غزوا ثقافيا فجدير بنا أن نتصدى أولا للغزو اللغوي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي