الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الساكت عن النقد...

مصطفى مجدي الجمال

2013 / 4 / 30
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


لا مفر من البدء هنا بما هو شخصي.

التقيت مؤخرًا بزميل عزيز بادرني بأن قال لي: "هل أنت في هذه السن تحتاج إلى المزيد من وجع الدماغ؟ أليس من الأفضل أن تؤثر السلامة وتترك الآخرين- كبارًا وشبابًا- يخوضون تجاربهم الخاصة ويتحملون مسئولية ما يختارون؟"..
وأوضح الرجل كلامه أكثر.. إنك لم تكف عن خوض المعارك السياسية العامة، وأيضًا المعارك الفكرية مع الرفاق والحلفاء.. فمعاركك مع الستالينيين والحلقيين ألحقت الأذى الشخصي المباشر بك، ثم كان نقدك للبريسترويكا في وقتها أمرًا شاذًا، واعتراضك على تصفية الحزب الثوري في داخل التجمع معروف.. والجديد أنني أجد لك خصومًا وسط القوميين بعدما هاجمت تحالفهم مع الإخوان في الانتخابات البرلمانية، ووسط ما يسمى اليسار الديمقراطي والمراكز الأهلية الدفاعية بسبب اعتراضك الحاد على التمويل الأجنبي، والتماهي مع الليبراليين وتغليب المنطق الحقوقي الضيق على منطق النضال السياسي الشامل من أجل الاستقلال والتنمية والديمقراطية والاشتراكية.. وأخيرًا صوتك المرتفع ضد من تحالفوا مع الإخوان ومطاريدهم والسلفيين أو صنفوهم تصنيفًا خاطئًا.. فمتى تهدأ وتنصرف إلى التثقيف النظري المحلق فوق الواقع المباشر فتُفيد وتَسلم..".

هالني ما سمعت.. وقلت له: "إنني لن أتخلى يومًا عن واجبي. وأظن أن أن الثائر الحق هو الذي لا يكف عن نقد الواقع، ونقد التعاملات على الأرض معه، بما في هذا وفي مقدمته نقد الذات".

أخذت فيما بعد اللقاء أفكر أكثر في تداعيات ما أثاره في نفسي. وتعجبت لمن ينزعج من النقد لمجرد النقد ذاته، ولا يتعامل معه- أيضًا- بعقلية نقدية وليس تبريرية أو عقلية أن "آفة حارتنا النسيان!!" و"لنطلق الرصاص على ماضينا أولاً بأول!!". بينما أنا أفترض أن النقد تحدٍ مطروح عليك، وربما تكون نتيجة التفاعل معه أن تزداد تمسكًا بصحة أفكارك ومواقفك، فيكون النقد هنا بمثابة "المضاد الحيوي" الذي يثير طاقاتك الكامنة، خاصة إذا كان النقد مصوغًا بلغة رفاقية ويقدم البديل لما هو منقود.

الثورة ليست حقل تجارب، وإن كانت تتطلب في الوقت نفسه روح المبادرة والإبداع، خاصة من جانب الشباب الذي يحمل خبرات جديدة يستقيها من تفاعله المباشر مع الواقع الذي يتماس معه أكثر من أي جيل آخر. وأهمية القول بأن الثورة ليست حقل تجارب تنبع من حقيقة أنها تتعلق بمصائر شعوب وطبقات وأحزاب وحركات، وأن الفرص التي تتيحها اللحظات والحالات الثورية لا تتكرر بسهولة في التاريخ قبل مرور وقت طويل. ومن هنا أيضًا كانت مسئولية النقد والنقد الذاتي.

النقد الرفاقي الثوري لا يستهدف تصفية المختلف معهم أو التشهير بهم، وإنما يريد إعادتهم إلى ما يُتصور أنه الطريق الأسلم لتعبئة الطاقات الشعبية والقيادات العضوية المخلصة، وتقليل الخسائر قدر الإمكان. فلا داعي مثلاً لخسائر "مجانية" في الأرواح تجعل الكثيرين يجزعون من الاستمرار في الفعل الثوري.. ولا تبرير لرهانات خاسرة على تحالفات غير سليمة تكون محصلتها تجارب محبطة للجمهور فلا يسيرون وراء الثوار بذات الحماس في مواجهات تالية..الخ.

بعض القوى الثورية قد تعود إلى الطريق السليم، لكنها في الوقت نفسه لا تحب أن يذكرها أحد بماضيها أو يطالبها بنقد ما كان منها. وهو تصرف نرجسي لا يمكن أن يثقف ويربى "القواعد" الشابة التربية السليمة.

البعض الآخر يتعامل مع النقد الموجه لخطه السياسي أو التنظيمي أو الجماهيري على أنه يفسد الصورة العامة للثوار في المجتمع، وكأننا نريد أن نخدع أنفسنا قبل الجمهور، بينما الخيارات الخاطئة مشهرة وقد تثير إعجاب الجمهور أو نفوره في لحظة تاريخية محددة. والغريب أن من يريدون إعفاءهم من النقد "العلني" قد لا يكفون هم أنفسهم عن توجيه النقد المقذع أحيانًا لمخالفيهم، والأغرب أنهم قد يستشهدون بكتابات ماركس ولينين وتروتسكي وماو التي تحفل بهذه الروح النقدية العارمة.

غير أن الظاهرة الأكثر إزعاجًا اليوم أنه بينما كان النقد المتبادل في الماضي يدور حول "اتهامات" باليمينية واليسارية..الخ، فإننا نجده اليوم مشوبًا بإشارات "جيلية" سخيفة. فالبعض من جيلي يستهتر للأسف بقدرات الجدد النظرية والتنظيمية، بينما البعض من الجدد يريدون التخلص من كل ما هو قديم باعتباره "فاشلاً" بالمطلق. أضف إلى هذا عدم الفصل بين الصراع مع الفكرة وبين التشهير بشخص صاحبها

لن ينجح اليسار في أن يكون له دور فاعل في الثورة، ناهيك عن تطويرها، ما لم يتغلب على أمراض البرجوازية الصغيرة، وفي مقدمتها التقلب والتردد والعفوية والإعجاب بالنفس، وما لم ينسج علاقات رفاقية سليمة بين أجنحته و"أجياله"، بما يسمح في الوقت نفسه بإشاعة الروح النقدية الموضوعية، وعزل الأفكار والمواقف الخاطئة..

وبعد هذا كله.. ليس اليسار في رفاهية تتيح له الاستغناء عن أي إمكانية بشرية أو فكرية فيه.. وفي صلب هذه الإمكانيات تكمن نزعة وملَكة النقد والنقد الذاتي..

أخيرًا في الماضي.. كان الحصان إذا هرم أو مرض مرضًا عضالاً يذهبون به إلى "الشفاخانة".. فإذا يئسوا من علاجه كانت تطلق عليه رصاصة الرحمة.. وهذا لا ينطبق على الاجتهادات البشرية والأفكار لأن السليمة والثورية منها لا تنحصر بالضرورة في جماعة أو في سن معينة..

بديهيات ؟ نعم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة في إسرائيل: خطاب غا


.. حركات يسارية وطلابية ألمانية تنظم مسيرة في برلين ضد حرب إسرا




.. الحضارة والبربرية - د. موفق محادين.


.. جغرافيا مخيم جباليا تساعد الفصائل الفلسطينية على مهاجمة القو




.. Read the Socialist issue 1275 #socialist #socialism #gaza