الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حين تعشينا سمكا، بفضل القوات الإيرانية

محمد جلو

2013 / 4 / 30
سيرة ذاتية


الصورة في صيف عام ١٩٨١
http://farm9.staticflickr.com/8122/8693378279_7456f19597_c.jpg
===========================================

إنتهت إجازتي الدورية، و إلتحقتُ مرة أخرى بوحدتي العسكرية، وحدة الميدان الطبية ٣١
كانت تعسكر قرب مدينة البسيتين الإيرانية
على بعد أمتار، من هور الحويزة
----

وصلت بعد الظهر
و كالعادة، إستجوبت زملائي سائلا إن كان قد فاتني أي شيء مهم، خلال أسبوع إجازتي
أخبروني كيف تعرضت الوحدة لقصف يومي
و لكن، ليس بواسطة قنابل الهاون، كما تعودنا سابقا
بل بطائرة
قاذفة قنابل، إيرانية
----

كانت الطائرة تأتي، بإرتفاع عال جدا
تزورنا وقت العصر، دائما
لترمي قنبلة واحدة، هائلة الحجم
ثم تعود بعدها إلى إيران
----

و لكن
كانت قنابلها تخطيء وحدتنا، في كل مرة
و الخسائر إلى حد الآن
صفر
----

فتذكرت مقولة أبي
كان يقول لنا، أنه لو عرف المكان الذي سيستهدفه الطيارون الإيرانيون، لفضل النوم في وسط ذلك الهدف
لأنك ستراهم يصيبون كل مكان، عدا الهدف
----

حل عصر ذاك اليوم
و فعلا، ظهرت تلك الطائرة مرة أخرى
كانت نقطة سوداء، عالية جدا
تصورت أنها قد تكون متوجهة اليوم، نحو هدف آخر
----

و فجأة
لاحظت حصول ظاهرة غريبة، في وحدتنا
إبتدأ بعض الجنود بالركض، خارجين من بوابة الوحدة، كأنهم أصيبوا بمس من الجنون
----

إستغربت لعملهم ذاك
فضحكت مع نفسي، و أنا واقف أتأمل الطائرة
بكل شجاعة، طبعا
----

و أثناء ما كنت مشغولا، بالتهكم بقلة فطنة الجنود، و تهنئة نفسي على شجاعتي الفائقة و رباطة جأشي العجيبة
حدث شيء آخر
----

سمعت شيئا، أدخل الرعب في قلبي
و حولني، من ذلك الأسد الهصور، إلى شيء أصغر من الأسد، بكثير
سمعت صوت أنين عال، يشق الأذن
صفير قنبلة هائل
كان الصوت يعلو بإستمرار
كأن القنبلة في طريقها نحوي
----

أول شيء خطر على بالي
الإلتجاء إلى أقرب موضع، فورا
أقرب ملجأ لي، كان ما يسمى ببهو الضباط
على بعد ١٠ أمتار
----

و لكن، و خلال جزء من أعشار الثانية
حسبت و خمنت أنني لن أستطيع بلوغ الملجأ، قبل إنفجار القنبلة
هذا سيعني أن القنبلة ستمزق أشلائي، أثناء الركض
----

فقررت إلقاء نفسي أرضا، في مكاني
كنت الوحيد الذي قرر الإنبطاح على الأرض المستوية، في مكانه
بينما هرع الآخرون جميعا، نحو الملاجيء
حتى إن كانت بعيدة
----

رميت بنفسي نحو الأرض، للإنبطاح
لا زلت أذكر، حينما كنت معلقا في الهواء
كنت في طريقي للسقوط، نحو الأرض
بدا وقت السقوط لي، دهرا كاملا
و أحسست ببعض الغضب، مع شيء من التقزز، لذلك التعطل الفجائي، في الجاذبية الأرضية
الجاذبية، تلك القوة اللئيمة، التي رافقتني كل حياتي، بدون مشاكل
تراها الآن تتآمر عليّ، فتُبطِل أي جذب على جسمي
فيبقى معلقا في الهواء
بينما تسلط كل قواها، نحو القنبلة
لتسحبها نحوي
----

بعد فترة بدت لي ساعات
وصلت إلى الأرض، أخيرا
الأرض الحبيبة
----

و لأني لم أكن مرتديا لخوذة
لففت ذراعاي حول رأسي، لحمايته
و فتحت فمي عن آخره، كما نصحونا يوما
كيلا تتمزق طبلة الإذن، من تأثير الإنفجار
----

بعدها، سخرت من تفاهة قلقي على أذني
فلقد بدا لي أن يومي قد أتى، لا شك في ذلك
و أن هذه القنبلة ستمزق أشلائي، حتما
فما فائدة طبلة سليمة، في جثة ممزقة؟
----

إستمر صوت الصفير العالي، و هو يعلو أكثر و أكثر، لفترة طويلة
أنَّبت نفسي، على عدم الركض نحو الملجأ، كما فعل الأخرون
لو فعلتها معهم، لكنت في أمان الموضع الآن
----

سيأتيني عصف القنبلة
و يفتتني، لا محالة
و سأرى النهاية
و ينتهي العالم
و ينطفيء، كل شيء
----

تسائلت مع نفسي
كيف ستكون النهاية؟
هل ستظلم الدنيا فجأة؟
هل سأرى الآخرة؟
هل هذا يعني أنني على وشك إكتشاف أي من ألوف الأديان تلك، و عشرات الألوف من المذاهب، هي دين الله الصحيح، و مذهبه الصحيح؟
----

طبعا، سيعتبرني أهلي شهيدا، بالتأكيد
أنا لا أشك في ذلك
و لكن، هل سيعتبرني الله شهيدا؟
----

كنت أفكر في ذلك، و فمي لا زال مفتوحا، عن آخره
و الصفير الرهيب مستمر، و هو يعلو، أكثر و أكثر
----

ثم
جاء الدوي
و إنتظرت الإحساس بِرَجّة العصف في جسمي
أو حتى الشظايا
ثم ينطفيء كل شيء
و أموت، طبعا
و لكن
لم يحدث أي من ذلك
----

ترى، هل أنا لا زلت على قيد الحياة؟
تفحصت نفسي
فوجدتني لا أزال قطعة واحدة
----

نهضت ببطئ
شعرت ببعض الإطمئنان
و بعد الأمان على نفسي، حولت إهتمامي نحو الآخرين
إلتفت حولي مفتشا عن تلك الحفرة الهائلة، التي تركتها القنبلة
فلم أجد شيئا
----

تذكرت الجنود الذين خرجوا من الوحدة قبل لحظات، راكضون
ترى، أين كانوا مختبئين؟
عزمت على السؤال، عن هؤلاء
و التأكد إن كانوا بخير
و محاولة تطييب خاطرهم
----

بعد دقائق، عاد أولئك الجنود
مهللون فرحون جميعا
و بيدهم أشياء غريبة، لا أستطيع تمييزها من بعيد
----

فهمت السبب بعدها
لقد تعودت الوحدة على قدوم تلك الطيارة العالية، عصر كل يوم
في كل مرة، تلقي قنبلة واحدة، هائلة الحجم
و في كل مرة، تُسقِطها في الهور
----

أما أسباب الركض، قبل سقوط القنبلة
فلم يكن الهزيمة، أو جنون الجنود، كما تصورت
بل التسابق، لإلتقاط السمك الذي ستقتله القنبلة
فيطوف في الهور، قبل أن يغطس إلى القعر
----

يظهر أن الجنود كانوا متأكدون من الذي سيحصل
يعرفون أن القنبلة ستسقط في الهور
عَوَدهم الطيار الإيراني، على ذلك
و في ذلك اليوم أيضا، لم يخيب الطيار، أملهم
----

و هكذا، و في تلك الليلة
تعشى الجميع، سمكا
==================








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صحة وقمر - قمر الطائي تبدع في تجهيز أكلة مقلقل اللحم السعودي


.. حفل زفاف لمؤثرة عراقية في القصر العباسي يثير الجدل بين العرا




.. نتنياهو و-الفخ الأميركي- في صفقة الهدنة..


.. نووي إيران إلى الواجهة.. فهل اقتربت من امتلاك القنبلة النووي




.. أسامة حمدان: الكرة الآن في ملعب نتنياهو أركان حكومته المتطرف