الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عيد الجلاء في سوريا قبل نصف قرن

نقولا الزهر

2005 / 4 / 18
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


في صباح هذا اليوم، الأحد، كعادتي من كل أسبوع، أخذت سيارة أجرة وقلت للسائق: من فضلك شارع العابد.
انطلق السائق وبعد فترة وجيزة قال لي: غريب، يوم الأحد ولا يوجد أي ازدحام وحتى الشوارع شبه خالية من الناس .
قلت له: اليوم عيد الجلاء وهو يوم عطلة. فلم يعلق السائق بشيء. بطبيعة الحال لم استغرب عدم اكتراث السائق بكلامي، فهو لا يزال شاباً في مقتبل العمر، ويصغرني على الأقل بثلاثة عقود.
طلبت منه أن ينزلَني أمام مقهى الروضة بالقرب من بناء البرلمان. اشتريت جريدة الحياة ودخلت المقهى فوجدت الطاولة التي أجلس إليها فارغة. طلبت فنجان قهوة ورحت أقرأ جريدتي.
دخل (نمرود) وجلس إلى طاولتي، طلب نرجيلةً وكأساً من الشاي وراح يتكلم على مدينة القامشلي كيف كانت تحتفل بعيد الجلاء في الخمسينات وعلى الأغاني والرقص والاجتماعات التي تجري بهذه المناسبة، ثم جاء سليم أبو يوسف الذي قطع السبعين وطلب نرجيلته وقهوته، ثم جاء صديقنا الفنان التشكيلي الحمصي غسان السباعي، وهو أيضاً قد غادر السواد شعره تماماً، فطلب قهوته وشرع في الكلام مباشرة على عيد الجلاء وكيف كانت تحتفل به حمص وراح يروي لنا:
- كانت تجري في حمص مسيرات ليلية حتى الصباح وتنشد الأناشيد والأغاني الوطنية، وكان الحزب( طبعا هنا يقصد الحزب الشيوعي) يعقد اجتماعات بالمناسبة، وكان الحزب في كل عام يستأجر قاعة سينما ويقيم احتفالاً عاماً، وفي أغلب الأحيان في كل عام كانت هنالك قصيدة للشاعر(وصفي القرنفلي) ويلقيها شاعر آخر لأن صوته لا يساعده على الإلقاء، ثم ينهي غسان كلامه فيقول: يا جماعة عيد الجلاء في سوريا كان عيد فرح وبسط وسرور........
لم أستطع إلا أن أتكلم على عيد الجلاء وكيف كنا نعيش هذا اليوم الوطني في سوريا:
- كنت في التاسعة تقريباً حينما اشتركت في احتفالات عيد الجلاء في مدينة دمشق؛ وأتذكر أن الشباب في بلدتنا صيدنايا وكان أخي المرحوم أسعد منهم قد استأجروا حافلةً(بوسطة بلغة تلك الأيام) للذهاب إلى دمشق للفرجة على العرض العسكري واحتفالات الجلاء، ولم يكن لدينا نحن الصغار فرصة لأن نجلس على المقاعد في داخل البوسطة، فتعربشنا على ظهرها وجلسنا وثبتنا أيدينا بشبك الشمسية التي كانت توضع على الظهر المخصصة للأمتعة.
نزلنا أمام المنشية بالقرب من جودت الهاشمي ورحنا نتفرج على العرض العسكري وعلى الدبابات ونقرأ أسماء الشهداء المكتوبة عليها ولا يزال عالقاً في ذهني منهم:مارسيل كرامة وطيب شربك وسليم القنواتي.....في ذلك اليوم كان يبدو أن كل أهل دمشق قد تجمعوا في شارع بيروت وأمام جودت الهاشمي وفي جسر فيكتوريا ومحطة الحجاز وشارع النصر.
ولكنني وعيت تماماً على احتفالات عيد جلاء الفرنسيين عن سوريا في الخمسينات. فكان كل أهل دمشق يحتفلون بهذا العيد شباباً وشيوخاً وأطفالا، وفي هذا اليوم مثلما تكلم غسان على حمص، ففي دمشق أيضاً كانت القوى السياسية والأحزاب تقوم بمسيرات ليلية وكانت شوارع 29 أيار وبوابة الصالحية وجسر فيكتورية إلى محطة الحجاز تغص بالمحتفلين والناس على الشرفات، وكانت تهزج الأغاني وتقام حلقات الدبكة، وكان اللاجئون السياسيون من العراق ومن الأردن يشتركون في هذه الاحتفالات. و بعد سقوط الشيشكلي في شباط من عام 1954 كان الحزب الشيوعي السوري يستأجر قاعة (سينما الرشيد الصيفي) ليقيم مهرجاناً بهذه المناسبة وفي أحياناً نادي الأبولون اليوناني في حي القصاع أو حديقة (السلوى) الصيفية في ساحة التحرير وفي إحدى أعياد الجلاء طلع اللاجئون العراقيون بأغنية جميلة يقولون فيها:اليوم اليوم اليوم...عيد الجلاء اليوم
أهل العراق اليوم جايين يغنوا لسوريا بعيدها
كل تقاليد الجلاء الجميلة انبترت دفعة واحدة بعد قيام الوحدة بين سوريا ومصر، وكأن الاحتفال بهذا العيد يؤثر على الوحدة العربية!! وكأن الوطني متناقض مع القومي!!!!!
ولم يبق منذ الثامن من أذار من عيد الجلاء وتقاليده سوى العطلة الرسمية.
هنا قال بركات أبو يوسف الذي كان يجلس معنا في القهوة:
- ياجماعة أنا عمري الآن 48 سنة ولا أعرف شيئاً عن كل الذي كنتم تتكلمون عليه.......








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة بعد الحرب.. قوات عربية أم دولية؟ | المسائية


.. سلطات كاليدونيا الجديدة تقرّ بتحسّن الوضع الأمني.. ولكن؟




.. الجيش الإسرائيلي ماض في حربه.. وموت يومي يدفعه الفلسطينيون ف


.. ما هو الاكسوزوم، وكيف يستعمل في علاج الأمراض ومحاربة الشيخوخ




.. جنوب أفريقيا ترافع أمام محكمة العدل الدولية لوقف الهجوم الإس