الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خطاب الكراهية المنفلتة

حسن الجنابي

2002 / 10 / 25
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


 

 

من المؤسف حقاً أن تنشر صحف المعارضة العراقية مقالات لاتقل بؤساً وتخلفاً وعدوانية عن "نقيضتها" المنشورة في صحافة السلطة. فالمقالات "المعارضة" التي تتناول شخص عدي ابن صدام حسين، على سبيل المثال لا الحصر، تضيف، في أغلب الحالات، صفة "الكسيح" أو "المعوق" بعد ذكر اسمه للحط من قيمته وتجريده من انسانيته. ولم يخجل بعض الكتاب، ممن تؤنسهم الشتائم، من الصاق كلمة "الخصي" تعبيراً عن العجز الجنسي الذي يعتقد أن عدي يعاني منه بعد تعرضه لمحاولة الاغتيال الشهيرة في اواسط التسعينات، وامعانا في الخوض في بحر الكراهية المنفلتة، واللغة المتخلفة، والبذيئة التي يفترض أن يترفع عنها المعارض باعتباره بديلا ارقى لما تمثله السلطة من انحطاط وتوحش وهمجية. وإذ أوافق على فكرة أن الجانب الهمجي في شخصية عدي الاجرامية يغلب على جانبها الانساني، وأتمنى لو أنه قتل في تلك المحاولة وتخلص الناس من شروره، لكن كونه كسيحاً ومعوقاً أو عاجزا جنسيا، لا يدل على انعدام انسانيته، ولا يصح استخدام ذلك للحط من قيمة الخصم او العدو السياسي مهما كان حجم الغضب والسخط ضد ممارساته.
 فالانسان عرضة للعوق الجسدي والاصابة التي قد تخلف هذه العاهة أو تلك، فضلا عن امكانية حدوث ذلك بشكل طبيعي للمواليد الجدد. ولايخلو أي مجتمع من المعوقين، والعاجزين جسدياً، وكبار السن، والمصابين بأمراض مستعصية. أما في المجتمعات المقموعة، كمجتمعنا، فإن نسبة هذه الفئة من السكان كبيرة جداً نتيجة لحروب الدكتاتور، وسياساته الاجرامية القائمة على القمع اللامحدود، وبتر اعضاء الجسد، والصدمات الكهربائية، والتعليق في السقوف، والركل، واللكمات، واستخدام الغازات السامة وغير ذلك مما برعت به السلطة الطاغية وخبّره المعارضون العراقيون بشتى الوانهم وانتمآتهم السياسية. والمعارض الذي يلجأ لاستخدام لغة الكراهية والاستعلاء القبيحة هذه يهزأ، بالنتيجة، بضحايا الحرب والدكتاتورية من المعوقين، والقاصرين، والمشردين، والايتام، والارامل. ويعجز عن بناء مجتمع التكافل الذي يوفر الطمأنينة والامن والمساواة لافراده غير المحظوظين، وخلق الشروط الانسانية للعيش الكريم مما تفرضه القيم الدينية والخلقية والاجتماعية التي جبل عليها المجتمع العراقي الذي عرف قيم التعايش والمحبة والتآزر بين فئاته ومكوناته المختلفة.
لقد الفنا خطاب السلطة العراقية البائس، والمتخلف، والطائفي، المتميز بالاستعمال الكثيف للشتائم، والقذف، والعبارات النابية، والقبيحة، التي تنتقص من قيمة الخصوم، والتشفى بفقرهم، وسبل معيشتهم، والاستهانة بمعتقداتهم، وطقوسهم، وغير ذلك مما يحاسب عليه القانون في الدول الديمقراطية باعتباره اعتداءاً على حقوق الافراد، وتمييزا ضدهم.  ولكي يكون المرء صادقاً في معارضته ومخلصا لقيم العدالة، وبديلا شرعيا للسلطة القائمة، عليه أن يمنع تسرب هذا الخطاب السقيم الى صحف المعارضة، ويتجنب مبادلة الشتائم، ومشاعر البغض والكراهية، ويلتزم بقيم اخلاقية مترفعة عن الصغائر، تعتمد برنامجا انسانيا يستمد مقوماته من تجارب الخير والتسامح والتكافؤ.
إن معوقي الحرب، والضعفاء، والمعوزين، والعاجزين يستحقون كل رعاية واهتمام لمساعدتهم في العيش الكريم في عراق المستقبل، وعلى كتاب الصحافة المعارضة أن ينتبهوا لهذا الجانب الحيوي، عند الكتابة، وعدم الانسياق وراء الضغينة والكلام البذيء الذي اختص به اعلام السلطة.


Dr Hassan Janabi
P.O.Box 4905
North Rocks, NSW 2151
Australia
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المجلس الحربي الإسرائيلي يوافق على الاستمرار نحو عملية رفح


.. هل سيقبل نتنياهو وقف إطلاق النار




.. مكتب نتنياهو: مجلس الحرب قرر بالإجماع استمرار عملية رفح بهدف


.. حماس توافق على الاتفاق.. المقترح يتضمن وقفا لإطلاق النار خلا




.. خليل الحية: الوسطاء قالوا إن الرئيس الأمريكي يلتزم التزاما و