الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سورية في عيدها الوطني التاسع والخمسين : معا من أجل الاستقلال الثاني ودحر الكولونيالية الداخلية وبناء الجمهورية الثالثة !

المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية

2005 / 4 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


قبل تسعة وخمسين عاما خلت ، وفي مثل هذااليوم من العام 1946 ، رفع الرئيس شكري القوتلي ، ومعه عشرات الآلاف من المواطنين ، علم البلاد معلنا نهاية حقبة الكولونيالية الأجنبية التي امتدت لست وعشرين سنة ، وجلاء آخر جندي فرنسي وبريطاني عن أرض الوطن . ورغم أن الجلاء كان تنفيذا لقرار مجلس الأمن الدولي الصادر في 14 شباط / فبراير من العام نفسه ، فإنه كان أولا وأخيرا ثمرة الكفاح البطولي الذي خاضه الشعب السوري والتضحيات التي قدمها على مدى ربع قرن ، ابتداءا من معركة ميسلون الخالدة في الرابع والعشرين من تموز / يوليو 1920 بقيادة وزير الحربية وباني جيش سورية الوطني ، المواطن الكردي يوسف العظمة الذي استشهد في تلك المعركة " الانتحارية " كيلا يسجل التاريخ يوما ما أن المستعمرين دخلوا البلاد دون مقاومة ، كما جاء في وصيته .
وكان نضال الشعب السوري ، بفئاته القومية والاجتماعية المختلفة ، قد سجل انعطافة نوعية في العام 1945 ومطلع العام 1946 ، حيث استطاع إسقاط اتفاقية بيفن ـ بيدو بين بريطانيا وفرنسا ، والتي سعت لإبقاء بعض قوات البلدين في سورية ولبنان بدعوى الحفاظ على الأمن ريثما تتم الأمم المتحدة الاجراءات التي تراها ضرورية لصيانة الأمن في المشرق العربي . فبعد عشرة أيام من الجلسات الماراثونية التي ابتدأت في الرابع من شباط / فبراير ، والتي كرست لمناقشة المذكرة التي قدمها مندوب سورية فارس الخوري ( اللبناني الأصل )باسم سورية ولبنان معا ، والتي دعت إلى جلاء الجيوش الأجنبية عن أراضي البلدين دون قيد أو شرط ، اتخذ مجلس الأمن قراره التاريخي بتبني ما جاء في المذكرة ، وليبدأ جلاء القوات الأجنبية عن أراضي البلدين اعتبارا من آذار / مارس من العام نفسه . وهكذا ارتبط استقلال البلدين ، حتى قبل أن يولد رسميا ، بحبل سري كان الكفاح المشترك لشعبيهما النسغ الوحيد الذي جرى فيه وأمد هذا الاستقلال بأسباب الحياة . إلا أن الفرحة لم تدم طويلا ، أقلّه في سورية . ففي العام 1963 ، وبعد سبعة عشر عاما من الحياة الديمقراطية التي تخللتها فترات متقطعة من تسلط الحكومات العسكرية التي وصلت ذروتها في سنوات الإرهاب الناصري الأسود خلال سنوات الوحدة ( 1958 ـ 1961 ) ، قيض لسورية أن تكون على موعد مع شكل آخر من الكولونيالية جعل من تبقى على قيد الحياة ، من شهود الحقبة الفرنسية ، يترحمون على الكولونيالية الفرنسية وجنرالاتها الدمويين من أمثال غورو وكاترو و " بطل " مجزرة البرلمان في 29 أيار / مايو 1945 ، الجنرال أوليفا ـ روجيه ! ففي ذلك العام ، وتحديدا في الثامن من آذار / مارس ، وللحيلولة دون إجراء الانتخابات الديمقراطية متعددة الأحزاب التي كان مقررا أن تجري بعد عدة أشهر ، انقضت زمرة من الإنكشاريين البعثيين على مقاليد السلطة معلنة انتهاء عهد الجمهورية الثانية وبداية عهد جمهورية الخوف والرعب والدم التي لم تزل مستمرة حتى الآن !
لقد كنا أول من استخدم تعبير " الكولونيالية الداخلية " أو " الاستعمار الداخلي " في سورية للدلالة على طبيعة النظام والسلطة اللذين يسيطران على البلاد منذ العام 1963 ، وبشكل خاص منذ العام 1970 الذي جاء بديكتاتورية حافظ الأسد البونابرتية إلى سدة السلطة . وإذا كان البعض قد راح يستعمل هذا المصطلح فيما بعد على سبيل المجاز أو الاستعارة الأدبية ، فإن استخدامنا هذا المصطلح لم يكن على هذا النحو ، وإنما تأسيسا على دراسة إحصائية مقارنة بالأرقام والوقائع لكل من حقبتي الاستعمارين اللذين مرا على سورية منذ العام 1920 وحتى الآن : الاستعمار الفرنسي الخارجي والاستعمار العسكري الداخلي !
إن ستا وعشرين سنة من الكفاح من أجل الاستقلال الوطني الأول ، الذي نحتفل اليوم بذكراه التاسعة والخمسين ، وكما تؤكد الوثائق التاريخية ، لم يكلف الشعب السوري أكثر من ألفي شهيد ، كان جميعهم تقريبا من المناضلين ـ المجاهدين حملة السلاح ، فيما القلة القليلة الباقية كانت من المدنيين الذين استشهدوا بسلاح المحتل الفرنسي عن طريق الخطأ أو عمدا خلال مشاركتهم بالمظاهرات . ولا تسجل الوثائق التاريخية أي واقعة استشهاد بسبب التعذيب في زنازين وسجون ذلك الاحتلال! وإذا ما تحدثنا عن النهب الذي مارسه الفرنسيون ، فإن الوثائق التاريخية تؤكد أن مجموع ما سرقه هؤلاء ، باستثناء تلك القطع الأثرية التي لا تحتسب قيمتها بالنقد ، لم تتجاوز قيمته 3 مليارات دولار بالأسعار الثابتة ، أي بعد احتساب التضخم النقدي الحاصل على مدى ثمانين عاما . وحتى إن أردنا الحديث عن النظام الإداري والقضائي الذي أرساه الاحتلال الفرنسي ومارسه على مدى ست وعشرين عاما ، لن تكون الصورة كئيبة أو سوداء كما يمكن للبعض أن يتخيل . فقد حرصت سلطات الاحتلال ، حتى في ذروة القمع الذي مارسته ضد المواطنين ، المسلحين منهم والعزل ، على احترام القانون وإن في الحدود الدنيا . ويكفي للدلالة على ذلك أن نذكّر بمحاكمة الزعيم الوطني الكردي ابراهيم هنانو ، أحد أبرز قادة حركة التحرر الوطني . فقد حكمته المحكمة العسكرية الفرنسية في بيروت بالبراءة رغم أن القانون الذي استخدمته المحكمة يمكن ، وبكل بساطة ، أن يحكمه بثلاثة أحكام بالإعدام على الأقل ( حمل السلاح بوجه السلطة ، وقتل مواطنين فرنسيين وتخريب ممتلكات عامة فرنسية ، حسب منطق المدعي العام العسكري الفرنسي !) .
وحين نأتي إلى الاحتلال العسكري الداخلي ، فإن المقارنة لن تكون أبدا في صالح قادة " البعث" الذين اغتصبوا البلاد باسم " الوحدة والحرية والاشتراكية " . بل ربما لا يتمالك المرء نفسه من أن يهتف " عاشت الكولونيالية الخارجية ، وتسقط الكولونيالية الداخلية " ! فكلفة عام واحد من رزوح الشعب السوري تحت نير الاستعمار الداخلي تعادل ما دفعه هذا الشعب على مدى ست وعشرين عاما من الاحتلال الخارجي ، سواء بالمعنى المادي القابل للقياس بالنقد ، أو بالمعنى الروحي المقاس بالمكاسب أو الخسائر الحضارية . وإذا كان من المستحيل أن نسجل هنا مقارنة شاملة ، يكفي أن نشير إلى أن كلفة الاحتلال الداخلي تجاوزت المئة مليار دولار من الأموال العامة المنهوبة خلال ربع القرن الأخير وحده ، وأكثر من سبعة عشر ألف مفقود وآلاف المشوهين وما لايقل عن مئة ألف معتقل سياسي جرى اعتقالهم لمدة عام واحد على الأقل ، أي بإسقاط من تم اعتقاله لعدة أشهر من الحساب ، وحوالي مئة وثلاثين ألف منفي ومشرد ( باحتساب أفراد أسر المنفيين) . هذا ناهيك عن الخراب الاقتصادي الذي أسفر ، بأرقام السلطة الرسمية ، عن وجود 10 بالمئة من السكان تحت خط الفقر الذي يقترب من خط المجاعة ، وعشرين بالمئة من العاطلين عن العمل ، ونزيف عشرات الألوف من الكوادر العلمية التي هربت أو هرّبت بعد أن كلفت البلاد والعباد مبالغ طائلة . أما المقارنة بمعايير المكاسب والخسائر الحضارية ، فتكفي الإشارة إلى أن سورية هو البلد الوحيد في التاريخ الذي يحكم بالقوانين العسكرية ( قوانين الطوارئ ) لأكثر من أربعة عقود متواصلة ، والبلد الوحيد في التاريخ الذي يمكن أن تبلغ فيه كلفة محاضرة واحدة ( كمحاضرة عارف دليلة ) ، أو إبداء رأي واحد معارض للسلطة ، عشر سنوات من الاعتقال في زنزانة انفرادية قد تصل إلى ربع قرن دون محاكمة ( أو بعد محاكمة من قبل قضاة ومحكمة هم أقرب إلى عصابة من القتلة منهم إلى أي شيء آخر ) . بل ويمكن أن يكون الثمن الواجب دفعه هو الحياة بكاملها . ولا داع للتذكير بالشاعر حسن الخير أو الصحفي منير الأحمد . وأمام مقارنة من هذا النوع لا يمكن لأي مواطن عاش تحت هذا النوع من الاحتلال سوى أن يغبط هنانو ومحمد الأشمر وصالح العلي وسلطان الأطرش ورفاقهما على نعيم الكولونيالية الخارجية التي لم يكلفهم الخلاص منها أكثر من ألفي شهيد ، مقابل جحيم الكولونيالية الداخلية التي كلفتنا حتى الآن أكثر من عشرين ألف شهيد وعشرات الألوف من المشوهين والمهجرين دون أن تلوح في الأفق حتى بارقة أمل واحدة جدية بالخلاص منها !!
لقد كان من حق آبائنا وأجدادنا الذين كافحوا من أجل الخلاص من الكولونيالية الخارجية أن يبحثوا عن كافة أشكال المساعدة المادية والسياسية لإنجاز الاستقلال الأول ، بدءا من موسكو وانتهاء بواشنطن ، مرورا حتى بهتلر ( الحاج أبو محمد ) نفسه ! فهل سيكون من العار على الشعب السوري أن يلتمس العون من القوى الخيرة في العالم من أجل إنجاز استقلاله الثاني ، أو يرفض أيدي المساعدة التي تمتد إليه ، بدعوى مجموعة أكاذيب وخرافات وشعارات جوفاء يطلقها حواة و مشعوذو ونصّابو " المصلحة الوطنية " المزعومة التي تتبول عليها دولة المخابرات منذ أكثر من أربعة عقود !؟
لقد قدر التاريخ لنا أن يكون استقلالنا الأول وحريتنا مرتبطين باستقلال لبنان وحريته عبر قرار من مجلس الأمن الدولي . وها هو التاريخ يمنحنا فرصة أخرى ، عبر المنبر نفسه ، لكي نربط استقلالنا الثاني بحرية لبنان واستقلاله الثاني . ومن العار أن نفوت علينا هذه الفرصة التي قد لا تتكرر . ومن هنا فإن المعارضة السورية الحقيقية ، أو ما تبقى منها خارج مستنقع الفساد السياسي ، مدعوة اليوم وأكثر من أي وقت مضى لتكون على قدر المسؤولية والمبادرة إلى قيادة عملية إنجاز استقلالنا الثاني ودحر الكولونيالية الداخلية ، كي لا يأتي هذا الاستقلال ممسوخا ومشوها على أيدي المحتلين أنفسهم ! وهذا لا يمكن أن يتم ، برأينا ، إلا عبر تشكيل ما يشبه " حكومة ظل" تضم كافة الأطياف السياسية ، من أقصى " اليمين " إلى أقصى " اليسار " ، وتتوجه إلى قوى العالم الفاعلة لمساعدتها في إنجاز المهمة التاريخية التي لن يرحمها التاريخ على تلكؤها أو جبنها في التصدي لحملها .
عاشت الذكرى التاسعة والخمسون لدحر الكولونيالية الخارجية واجتراح الاستقلال الأول ، والمجد لشهدائه وصانعيه ؛
عاش النضال من أجل الاستقلال الثاني و دحر الكولونيالية الداخلية وإقامة الجمهورية الثالثة ـ الجمهورية السورية العلمانية الديمقراطية التي يتساوى فيها جميع أبنائها على اختلاف انتماءاتهم الدينية والسياسية والقومية ، والمجد كل المجد لكل من سار ولو خطوة واحدة على طريق هذا النضال !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بها 1500 جزيرة.. جزر غير مشهورة في تايلاند أفضل وأرخص


.. روسيا تضرب خمس مناطق مختلفة من مدينة خيرسون الأوكرانية ملحقة




.. أكثر من 40 قتيلا في غارة استهدفت مدرسة للأونروا في قطاع غزة


.. هبوط مركبة -ستارشيب- بنجاح في المحيط للمرة الأولى بعد عدة رح




.. مستشار ألمانيا يؤيد طرد مرتكبي الجرائم حتى لو كانوا من سوريا