الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصر و العراق..دروس هامة للثورة السورية.

خالد قنوت

2013 / 4 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


تقع سورية بين مشهدين أساسيين من تكوينها السياسي و الاجتماعي و بصورة أقل الاقتصادي و هما المشهد العراقي و المشهد المصري فسورية عبر تاريخها الحديث لم تكن قطباً فاعلاً بذاتها بل رسم المهندسيين سايكس و بيكو لها أن تكون دولة محورية في قطب عراقي أو مصري أو سعودي لاحقاً, بعد أن تم تقسيم بلاد الشام إلى أربع دول محدودة الامكانيات البشرية و الاقتصادية.
توالت السياسة السورية منذ عهد الاستقلال في الانتقال من محور بغداد ثم الجمهورية العربية المتحدة إلى تحالف ثلاثي أيام حافظ الأسد بين مصر السعودية سورية, طبعاً دمشق هي المحور الأضعف لكنه المرجح. قام الأسد الأب بمحاولة تضخيم وزن سورية السياسي فاستغل القضية الفلسطينية و استباح الساحة اللبنانية وعندما قاطع مصر السادات انتقل إلى بغداد متناسياً صراعاً عقائدياً معها, لكن اللافت محاولته الأولى للتحالف مع شاه إيران ثم الانتقال إلى التحالف مع الثورة الخمينية بعد سقوط الشاه إلى أن تجاوز الأسد الإبن التوازنات و ارتمى نهائياً في الحضن الإيراني.
في الربيع العربي, هناك مشهدان أساسيان مأساويان يحيطان بالمشهد السوري الذي تتصاعد فيه الأحداث بشكل دراماتيكي و باتجاه سيناريوهات متعددة و خطيرة حيث المشهد السوري نفسه الأكثر مأساوية لدمويته المفرطة جراء حرب النظام المعلنة على الشعب السوري, هاذين المشهدين هما المشهد المصري و المشهد العراقي.
في المشهد المصري, انتقال ثورة شعبية هامة و كبيرة من طورها التحرري من استبداد أسرة مبارك الموغلة باللصوصية و التفاهة إلى استبداد إخواني استطاع بتحالفات لامبدئية داخلية مع النظام البائد و أجهزته و قيادة الجيش و خارجية بالأخص مع الولايات المتحدة الأمريكية و بممارسة الكذب و النفاق السياسي, استطاع الركوب على تلك الثورة الجميلة التي أحيت المشاعر الوطنية و الأمل بقيام دولة ديمقراطية تستعيد دور مصر التاريخي في محيطها و في العالم. لقد كانت أكبر الخطايا التي قبل بها المصريين الثائرين هو ترك ساحة التحرير فور إعلان تنحي الرئيس حسني مبارك عن السلطة و ما تبع ذلك من نكبات و استغلال للخمول الذي أصاب الثورة. إن أول أشكال الخمول كان قبول المصريين الذهاب للانتخابات البرلمانية ثم الرئاسية دون وضع دستور جديد للبلاد بعد قيام ثورة و هذا ما لا يمكن تفسيره و فهمه, فكيف يمكن أن يتعامل الجميع مع دستور مبارك بعد ثورة قامت لخلعه و نظامه؟ مما أدى إلى وضع الممصريين أمام خيار صعب أشبه بالمؤامرة الكبرى على تضحياته و ثورته. كان المصريون أمام القبول بمرشح النظام الذي أسقطوه أو أمام لصوص الثورة الجدد ألا و هم الإخوان المسلمين, أول من حذر من القيام بالثورة و آخر من شارك بها.
مصر اليوم مصادرة من استبدادها الجديد و ثورتها لم تكتمل و رجوع المصريين ليس من السهل استعادته و أخونة الدولة قائمة و دستورها المسلوق سيديم حكم الإخوان إلى أن تقوم ثورة جديدة بعد أن يحدث الشرخ الاجتماعي بين صفوف المصريين و تتفاقم أزماته الاقتصادية حيث الحكام الجدد هم الأقل خبرة في إيجاد حلول لها, لا بل قد يكونوا المشاركين الأساسيين في تحولها لحالة الاستعصاء.
في المشهد العراقي, لا مجال للشك أن الرئيس صدام حسين قد أخذ العراق إلى نهايات الهاوية بعنجهيته و تهوره منذ أن قضى على خصومه السياسيين بدموية مفرطة و استباح بلده الغني و العريق و أدخله في حربين عبثيتين مدمرتين إلى حصار أمريكي لمدة أكثر من عشر سنوات ثم احتلال لن يخرج العراقيون من تبعاته لعقود و ربما لقرون. برمر, الحاكم الأمريكي تمكن و بمشاركة من قوى طائفية و قومية, إلى شرعنة انقسام العراق الطائفي و الإثني و قسم العراقيين إلى ثلاث مكونات قد يكون من المستحيل استعادة هويتهم الوطنية المشتركة. أضاف التدخل الإيراني المذهبي و بتواطئ أمريكي من تعميق التصدعات الاجتماعية و السياسية بين العرب و الأكراد العراقيين و بين السنة و الشيعة و دعم أمراء الحرب و المال المسروق من خيرات العراق الهائلة. العراق اليوم محكوم من سلطة طائفية مذهبية معظم أعضائها رؤساء ميليشيات دموية و مازالوا يمارسون القتل للعراقيين و أيضاً لصوص بمليارات الدولارات و على عين الشمس, تغطيهم تفاهمات إيرانية أمريكية تستطيع أن تتجاوز أي انتخابات أو اخيارات شعبية تريد أن يمثلها عراقيون شرفاء. أكبر عمليات الفساد و السرقة و المحسوبيات يمكن أن تكون في عراق اليوم على حساب حاضر و مستقبل العراق و العراقيين.
إن أي تحرك شعبي عراقي, يمكن بسهولة تطيفه و تجييش الأطراف الأخرى ضده و كأن العراق و العراقيين قد وأدوا تاريخهم الحضاري العظيم الذي ساهموا به جميعهم. إن من السهولة أن تتحول مطالبات شعبية بالعدالة و الحرية و المساواة إلى حرب طائفية تغذيها إيران و إسرائيل و الولايات المتحدة و تركيا بعد أن مارس المالكي الاقصاء السياسي على أسس طائفية و قومية بحكم أنه يتابع مهمة برمر الأمريكي ليكون برمر الإيراني.

الثورة السورية و في عامها الثالث, و مع هذا الكم و الكيف من العنف و القتل و الإجرام الممارس من قبل نظامه العائلي المستبد و ما ترتب على ذلك من عنف مضاد مرفوض لعبثيته, يمكن لأبناء هذه الثورة التاريخية و لكل أبناء سورية أن يستنبطوا العبر و الدروس من المشهدين السابقين, مشهد ثورة لم تكتمل في مصر و مشهد بلد خرج من احتلال ليقع في اختلال وطني كبير.
من إيجابيات مرور الثورة السورية بمراحلها خطوة بخطوة, و رغم الخسارات الكبيرة, أن تتساقط الأقنعة عن أهداف و توجهات قوى سياسية تحاول جاهدة أن تركب الثورة دون أن تنخرط بها لتقودها إلى اعتلاء السلطة و لو بأي ثمن كان. لا شك أن فشل القوى اليسارية الضعيفة أصلاً في استغلال الفرصة التاريخية التي حلمت بها عقود كان واضحاً و مرافقاً لفشل القوة الاسلامية الأساسية و الأكثر تنظيماً و هي تنظيم الإخوان المسلمين في اكتساب الشارع الحساس لوجودهم بعد أكثر من ثلاثين سنة نفي خارج الوطن. لقد اعتبر الإخوان المسلمون أن الربيع العربي هو ربيع اسلامي لهم وحدهم و لم يقرأوا الواقع السوري الذي صاروا غريبين عنه. من حق أي تنظيم سياسي وطني أن يتطلع للسلطة كهدف استراتيجي لنشاطاته و لكن ليس على حساب ثورة شعبية بالأساس لم تستشر أحد في قيامها و على حساب وطن يتدمر يومياً. من المؤكد, لو أن تنظيم الإخوان المسلمين و القوى السياسية الفاعلة ساهموا بتشكيل قيادة وطنية (سياسية و عسكرية) تجمع غالبية أطياف سورية السياسية لتقود الثورة دون إقصاء و عنجهية يمارسها النظام نفسه, لكانت الأمور افضل بكثير مما عليه الآن من فوضى و تضارب مصالح و انقسامات أفقية و شاقولية في النسيج الوطني و لقصرت من عمر الثورة و عمر النظام معاً و لما وصلنا لمشهد الدمار السوري الكارثي اليوم.
بالتطرق للمشهد العراقي, كانت أجندات نقل الصراع السني الشيعي إلى الثورة السورية واضحة, كأنها نار على علم, و قد تنبه السوريون لذلك منذ البداية و قاوموا كل فكر طائفي أو مذهبي قادم من الشرق أومن النظام نفسه. حتى هذا اليوم لم تتحول الثورة إلى صراع طائفي رغم كل هذه الآلة الإعلامية الضخمة و الخطاب القائم على الأرض و على مواقع التواصل الاجتماعي, لم نسمع بأي تصفيات طائفية سوى بالأفلام المفبركة و المسربة من النظام و بعض الفضائيات الخليجية.
في الثورة السورية علينا جميعاً, أن لا نجرب ما جربه الأشقاء و و قعوا به و لن يقوموا دون قيام ثورات وطنية جديدة و دفع الثمن الغالي و للأسف الدامي الذي دفعناه نحن حتى يومنا هذا. يتجلى ذلك في الأمور التالية:
* إن الانجرار إلى أجندة الحرب الطائفية و محاولة الكثيرين شخصيات و قوى و دول إلى دفعنا لها سيكون أكبر خدمة للنظام الساقط لأنها تعطيه كل المبررات الدولية لاستخدام كل الأسلحة دون حساب و ربما بتفويض, للقضاء على الثورة بحكم أنه سلطة دولة تدافع عن الكيان الوطني و خاصة مع تضخيم مبرمج لتواجد التنظيمات الجهادية المتطرفة و التي أفصحت عن ارتباطاتها في توقيت مشبوه و لكنه كان مفيداً للجميع. من الضروري هنا أن نشير إلى أن إقحام منظمات مذهبية غير سورية في الصراع هو من أهم التحديات الوجودية و الجوهرية للثورة كدخول حزب الله اللبناني و ألوية العباس العراقية و الإيرانية, لكن تعاملنا مع أي تكوين غير سوري كاحتلال و ليس كاقتتال طائفي سيكون مفتاح النصر ليس على تلك التكوينات بل على مشروع حرب طائفية لا ناقة لنا بها و لا جمل.
* إن تحقيق الانتصار العسكري على الأرض مازال غير منظور حتى الآن لغياب القيادة و التنسيق و لفوضى السلاح و المجموعات التي تقاعست بعض منها عن الاستمرار في معركة التحرير لانشغالها بالمكتسبات المالية و تقاسم النفوذ على المناطق المحررة في جهل كبير أن انكسار قطاعات مقاتلة في المقدمة سيعني انكسارهم لاحقاً.
* الثورة السورية مازالت تمتلك عوامل ذاتية لاستمرارها و أهم تلك العوامل هو اصرار القوى الشعبية و المدنية و العسكرية على تحقيق انتصارها و لكن مراحل سقوط النظام و ما تيله ماتزال غامضة و سديمية و لكن على الجميع أن يتفق على أهم خطوة ألا و هي قيام قيادة وطنية تجمع كافة الأطياف الفاعلة على الأرض و من ثم إيجاد حلول واقعية للأزمات الكارثية التي حلت بوطن مدمر و أهله مشردون في العالم وانهياراقتصادي و انعدام الأمان في ظل فوضى السلاح و الاحتقان الطائفي و مبدأ العدالة الانتقالية ثم المصالحة الوطنية, لكن الأهم و قبل أي انتخابات برلمانية أو رئاسية هو كتابة دستور جديد للبلاد يستمد قوته من قوة أهداف الثورة في قيام دولة المواطنة و العدالة و الديمقراطية و تكافئ الفرص للجميع للوصول لسلطة تداولية.

كل التسريبات المشككة بالثورة و بما يحدث على أرض الواقع تضفي سوداوية قاتمة على مستقبل سورية, و لكن هناك واقع آخر على الأرض, ليس بالمطلق ناصع و مشرق و لكنه نسبياً مشرق بعد أكثر من سنتين قاسيتين على الجميع. هناك في سورية مشاكل تستفحل و أخرى تتجدد و أخرى تتشكل و لكن هناك تلاحم وطني و اجتماعي اسطوري في المناطق المحررة و الثائرة و هناك حراك مدني مهم و تأسيسي لسورية بعد سقوط النظام و هناك مزاج شعبي وطني يرفض التطرف و لا يقبل الهيمنة و يقاوم الاستبداد الجديد من مهده و الأكثر إشراقاً هو الإيمان بسورية جديدة متميزة و عظيمة كنواة لمشرق حر و ديمقراطي و فاعل إيجابي في المحيط الإقليمي و العالم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران تشهد انتخابات رئاسية يوم الجمعة 28 يونيو والمرشحون يتق


.. الاعتداء على داعمين لفلسطين اعتصموا بمركز تجاري بالسويد




.. تقرير حالة انعدام الأمن الغذائي: 96% من سكان غزة يواجهون مست


.. مصادر العربية: إطلاق النار في محج قلعة أثناء القبض على من سا




.. -إيرباص- تُعاني بسبب الإمداد.. والرئيس التنفيذي للشركة يتوقع