الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النشرة الثقافية

مسعود محمود حسن

2013 / 4 / 30
الصحافة والاعلام


النشرة الثقافية
في أدبيات الإعلام يأتي تثقيف الجمهور كإحدى أهداف وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمطبوع والإلكتروني. ويثبت الإعلام العربي المطبوع متمثلاً في الصحف والمجلات أنها تتصدّى لهذه الوظيفة على وجه حسن, بعكس الإعلام المرئي والمسموع الذي يتّضح من شاشته وموجاته أنها لا تعطي هذا الهدف ما يستحقه من العناية والتركيز والاهتمام.
بالطبع لا يخلو شاشة تلفزيون عربي ولا إذاعة عربية من برامج ثقافية قد يُعرض بعضها في أوقات ذروة المشاهدة, لكن القصور الثقافي في التلفزيون والإذاعة يكمن بالدرجة الأولى في النشرات الإخبارية التي تُعتبر حجر الزاوية في تشكيل الرأي العام. ويعلم الجمهور العربي أن الأخبار العربية في الفضائيات والإذاعات يتم تقسيمها إلى نشرة سياسية واقتصادية ورياضية ومنوعات, ولا يدري الجمهور العربي لماذا يتم إقصاء النشرة الثقافية من الأخبار؟ هل الأخبار الثقافية هي أقلّ أهمية من الأخبار السياسية والاقتصادية؟ أمّ أنّ العالم العربي يفتقد النشاطات والأحداث الثقافية؟ ولماذا يكون أخبار لاعبو الرياضة ونجمات السينما وعارضات الأزياء أهم من أخبار العلماء والباحثين والمفكرين والكتّاب؟!
يتحدّث الناس اليوم كثيراً في السياسة والاقتصاد والمال والفن, وهذه العناصر الأربعة هي التي تُشكّل في الأغلب حوار المجتمعات العربية المحلية, وفي المقابل يغيب حوار العلم والفكر والعقل. وبالنتيجة فأنّ الخلل الموجود في الخطاب الإعلامي العربي المرئي والمسموع والمتمثّل في تهميش الثقافة ينعكس على الوعي الجماهيري العربي بما أنّ تلك الوسائل هي التي تصنع اهتمامات جمهورها بالدرجة الأولى.
اليوم تُقدّم التلفزات العربية على رأس كل ساعة نشرة أخبار سياسية واقتصادية مفصلة, ونشاهد مواكبة لحظية لأسواق المال والبورصات منذ لحظة الافتتاح وحتى لحظة الإغلاق, مع ما يُصاحبها من تحليلات وتعليقات وآراء ومشاهد. ويضطر الجمهور العربي رغماً عن انفه على تناول تلك الوجبات الإخبارية التي لا شكّ أنها تدخل في ذاكرته وتشغل منها حيّزاً واسعاً. ونحن ندرك أيضاً مدى العلاقة الوثيقة بين أعضاء الحواس والذاكرة والإدراك. فالذاكرة تتكوّن مما تستقبله أعضاء الحواس من مثيرات صورية وسمعية وحسيّة, ثم يأتي الإنسان ليبني إدراكه للعالم استناداً على مخزونه المعلوماتي والمعرفي في الذاكرة. واليوم عندما نجد الإنسان العربي لا يتكلّم إلا في المال والسياسة والفن فعلينا أن نعلم أن مردّ ذلك يعود إلى وسائل الإعلام المرئية والمسموعة التي تكاد تحتل كافة حواس الإنسان العربي, دون أن تُقدم لها طبقاً إعلامياً كاملاً, ومتوازناً يحتوي على كافة العناصر الحياتية.
وإذا انتقلنا من الأخبار في التلفزيونات والإذاعات العربية التي سقط منها سهواً أو عمداً النشرة الثقافية إلى البرامج التي تقدمها هاتين الوسيلتين الإعلاميتين سنجد أيضاً إجحافاً كبيراً بحق الثقافة العربية. فالبرامج الثقافية تحظى بأقل نسبة من مجموع البرامج التي تقدمها الإذاعة والتلفزيون, والبرامج الثقافية الموجودة تدور في الغالب حول الرواية والشعر بينما يحتل الفكر والعلم والدين النسبة الأقل من برامج الثقافة, هذا إذا لم تكن معدومة في الأصل. فالبرامج الدينية مثلاً لا تشغل في الغالب سوى ساعة بثّ واحدة في الأسبوع, أي ساعة من أصل 175 ساعة أسبوعياً. والبرامج العلمية تترك عادة للصدفة, إذا قد تأخذ حلقة من حلقات (لقاء اليوم) أو (مراسلون) أو غيرها من البرامج التي لا تختص في مجال محدد. أمّا البرامج الفكرية فليس لها محلّ من الإعراب في القواعد التلفزيونية والإذاعية, وحجّتهم في ذلك أنّ مواضيع الفكر جامدة, وتفتقد الحيوية والإثارة ويعزف عنها الجمهور العربي!
بالانتقال من الإعلام العربي المرئي والمسموع إلى الإعلام المطبوع, إلى الصحافة العربية حيث تاج الإعلام العربي, سنجد أنفسنا أمام خطاب إعلامي من نوع آخر يسعى لتقديم وجبات إعلامية متوازنة ومتكاملة ومتنوعة إلى الجمهور العربي. وهذا التوازن والتكامل يظهر في الصفحات اليومية الثابتة والملاحق الأسبوعية التي تخصصها الجرائد والصحف العربية لمواضيع الفكر والعلم والدين, بالإضافة إلى المجلات المتخصصة في الثقافة بكل فروعها فهناك المجلات الفكرية والأدبية والعلمية والدينية التي تصدر بشكل أسبوعي أو شهري أو فصلي باذلة كل جهدها للارتقاء بالثقافة العربية وتوعية الجمهور العربي. وتسعى الصحافة الإلكترونية هي الأخرى إلى تنمية الثقافة العربية من خلال المواقع الثقافية والفكرية والعلمية التي تعود لمراكز الدراسات العربية والعلماء والمفكرين والمثقفين وبعض الصحف الالكترونية المتميّزة. وهنا تقدّم الصحافة العربية المطبوعة والإلكترونية نموذجاً يُحتذى به للتلفزيونات والإذاعات العربية من حيث حرصها على الاهتمام بخلق إنسان عربي متوازن في إدراكه, يهتم بالعلم كاهتمامه بالمال, ويتحدّث بالفكر والحضارة بالقدر الذي يتحدّث فيه بالسياسة والاقتصاد, ويستمتع بالشعر والرواية والمسرح كاستمتاعه بالغناء والدراما والسينما.
مسعود محمود حسن
صحفي كردي من سوريا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أنس الشايب يكشف عن أفضل صانع محتوى في الوطن العربي.. وهدية ب


.. أساتذة ينتظرون اعتقالهم.. الشرطة الأميركية تقتحم جامعة كاليف




.. سقوط 28 قتيلاً في قطاع غزة خلال 24 ساعة | #رادار


.. -لن أغير سياستي-.. بايدن يعلق على احتجاجات طلاب الجامعات | #




.. هل يمكن إبرام اتفاق أمني سعودي أميركي بعيدا عن مسار التطبيع