الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البديل المطرقة

رضا كارم
باحث

2013 / 4 / 30
الحركة العمالية والنقابية


و غدا الأول من ماي. اصطحبني "أبي " الى مغازات كثيرة، لأوفر لي أدوات الاحتفال بالعيد الجديد. تبادلنا الحديث قبل تبادل النقد و قبل إعلان الخصام...و عدنا متفرقين إلى بيت واحد من غرفة يتيمة...مازال أبي يبحث عن غنيمة جديدة بعد غزوة أخرى، مازال يسبي نساء الخاسرين و يركبهن دون خجل. و ظللت مصرا على رفض خيانة أمي الراحلة.
ماتزال تلك الحنون أحق بابي ذاك. لكنه في غفلة من وعيه و بأسه، يركب السهل و يركن إليه.
"لا تشتر ورقا أو قماشا لتكتب عليه شعارك الفارس". صحت غاضبا ...لكنه واصل الهروب...
أبي رافضا النظر الى داخله، حاجبا عن عقله الحقيقة ، صادا الضياء عن التسلل إلى ظلمة قلبه و عتمة روحه...لا شيء يجعل هذا الكائن اليائس يفهم. نبت على ضميره تكلس الذات المعلاة حتى التعالي. يستطيع أن يؤسس حماقة الفعل و رداءة السلوك ، أن يناقض كل تصوراته ، و أن يكون هوًا و آخر ، مسلكا و ضديده.
بتنا ليلتنا على تنافر، و أفقنا باكرا كل لدور يؤديه.
مسرح الفرح يرتدي ابتسامة مهرج، يمتطي بعيرا يبول و يمضي لا يلوي على شيء...شعارات الآباء ، شعار أبي ، شغل و حرية و كرامة، تعالت صيحات الجموع. تبادلوا أصناف التعيير ، تكفير مقابل تخوين، و مسرح العرائس التأسيسي يشهد عليهما.
اللحية المهذبة و اللحية المرسلة ، القميص و العلم الأسود، و الأحمر يغرد يرفضه، و يغني إمام ، يرميه على السواد فيزداد اسودادا.
أبي يتسلق شعاره، يعلوه و يطربهم: يا حشاد يا حشاد...يرددون بعنف و إيمان صلاة حشاد.
يتلون أدعية المهمشين، يدورون بالشارع الكبير، يعودون للتخوين، يرجمون مسرح الفرح بحجارة الغضب، و بعض العرق المتناثر...و حمامة زرقاء على علم أبيض ، تتأبط نصوصا تتقاطر كراهية و حقدًا و موتا قادما بعد تكفير ملحّ.
منتصف النهار، و العرق يغزو الجبهة حتى أخمص قدميها، و الملح يعلو محيا جبهة طبع عليها دليل التقوى. منتصف النهار و الصيحات تغطي الصيحات، و المسرح البلدي يكاد ينفجر نشازا، و الممثلون يكررون فقرة السباب ، قبل المغادرة...
الشعب يريد و شعب آخر يريد.و لا أحد استمع الى الشعب. يزورونه خفية يرمونه اكياسا متعددة الاستعمالات، بعضها يصلح لجمع الفضلات، و بعضها يحتوي مقرونة و دقيقا و وعدا انتخابيا...كل الجمعيات التي تدعي الخيرية، تبيع نفس المنتوج الخادع.
و أبي يرفع شعاره أيضا. ينام شعبا يفيق شعبا يسكر شعبا و يصحو شعبا ، و لم يزر الشعب يوما و مازال يصر على الشعب...
موعد الانتخاب،و موعد صناعة موكبه و زينة قافلته و رمي الأكياس على الشعب و إشباعه أدباشا مستعملة و وعودا...
موعد الانتخاب، و موعد في التلفزة. الصرخة تتلو الصرخة، الدواخل مهمشة و حتى السواحل، الفقراء مهمشون و حتى الأغنياء.
الشرطة تقمع المتظاهرين و الشرطة مظلوم أبوها. هذا و ذاك، خليط الأضداد، و نهم على التموقع السلطوي.
و أبي ينتقل كفراشة بريئة بين أزهار مسمومة. يمتص كل الرحيق و يرتوي لينتحر. يمر الانتخاب، و أبي مهزوما و مأزوما، ينتصر المهيؤون للنصر ، و التلفزة من أجل مسرح التراجيديا تستضيف أبي ، فيعزف موسيقى الشعب المفقر، و الشعب المغدور باسم الدين، و الشعب المهمش إعلاميا، و المقصي وجوديا...قبل أن يسحب التلفزيوني ميكروفونا يئن من صراخ أبي، و ينهي الحصة على موعد جديد مع حكايات " أبي و الشعب".
غدا الأول من ماي، موعد جديد تصوره التلفزة، صورة أبي رافعا شعار النصر، متأبطا عشيقته و بعض الشواذ سياسيا، و خلفه لافتات التأريخ لزعامته. الأول من ماي و شيكاغو الكادحة حافية من عيش كريم، تفرض 8ساعات عملا .
و ماينا في يومه الأول، كادحون في بيوتهم و خطابات الآباء حول موعد انتخابهم ، يعود ليملأ الشارع الكبير صخبا و سخرية.
ماي في يومه الأول و المكناسي تدلّ على الطريق، و أبي يشدّ الرحال الى شعاره القديم، و موكبه المتجدد، و موعده السنوي مع خطاب الضرورة.
هل تستطيع المكناسي أن تنتقل الى العاصمة "احتفالا" بعيد العمال، أو حتى إحياء لذكرى شهداء القضية العمالية و الحرب الطبقية؟
هل تعي المكناسي قيمة 1ماي؟
بل أ ليس للمكناسي أيامها و مقاومتها؟
و إلا كيف انسحبت اللعينة فرنسا؟
أو كيف خاف النظام فانقلب على ممثليه التقليديين و عين بعض القردة ليلة 14جانفي؟
لماذا لا يكون 1 ماي مكناسيا؟
أي ثوريا بين الناس، متواصلا مع تاريخه النضالي الكبير، ممتدا جغرافيا بمساحة الإنسان و مساحة المقاومين.
أبي مازال يرفع شعارا جميلا، و الشعب مازال يجوع و يختار الأوضح الذي كان على مر التاريخ أقوى و أغنى. المرتبطون بالاستعمار سيفوزون مرة بعد مرة بانتخابات ينظمونها وفق شروطهم و أجنداتهم. الشعب مازال يصر على الذهاب الى الصناديق،
و التلفزة التي أسسها الرأسمالي لا يمكن أن تحمله على غير الانتخاب.لا مكان للثورة و المقاومة هناك.
الشعب يستحق أن يسمع و يعي. و أبي فاقدا سمعه مغيبا عن الإدراك يعاقر آخر خطاب و يبلّل ثيابه مرة أخرى.
لن نترك الميادين أيها الاستبداديون جميعا. قلة نحن، واحد اثنان خمسون، واحدا نحن جسد التغيير و سلاح الثورة.
لا شيء يجعلنا نتراجع، نعلم عن معركتنا تفاصيل طويلة، و نعلم أننا صامدون اضطرارا و اختيارا. نصمد لنكون المقاومين الذين نريد، و نصمد ليكون الإنسان سيد الوجود. و المعركة مستمرة في قلوبنا و عقولنا و سواعدنا و مياديننا التي سرقتم.
أبي و شعاره سيكونان أول ضحايانا ، و سيسقطان قريبا ، و سنتعب قبل أن نرسّخ البديل بالقوة الكامنة فينا، بالمطرقة و الفأس ، بالحجر و العقل ، بالقلم و الرصاص ، بالورقة و القنبلة.
لن نلين . لن نتوقف .
رضا كارم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إضراب عام للمحامين بجميع المحاكم التونسية


.. توغل صيني في سوق العمل الجزائري




.. واشنطن بوست.. اتحاد طلبة جامعة كاليفورنيا يأذن بالإضراب في أ


.. تونس.. نقابة الصحفيين تتضامن مع الزغيدي وبسيس




.. رئيس الغابون السابق يضرب عن الطعام احتجاجا على -تعذيب أسرته-