الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرية الصحافة العربية

علي شبيب ورد

2005 / 4 / 18
الصحافة والاعلام


منذ غبش الخليقة .. كانت المعلومة وكان البث وكان التلقي . أزمنة متعاقبة من التحولات في آليات تحليل ونقل واستقبال المعلومة . بدءا بالإيماءة ومرورا بالحمام الزّاجل وانتهاء" بالانترنت ، الذي أفشى الأسرار ، وغيّب الخرس ، وأشاع المعرفة . ومن هذا السفر المعلوماتي الإنساني الطويل أخذت الصحافة تتحول شيئا فشيئا إلى واحدة من أهم وسائل الإعلام . والتي لها منظومتها الاتصالية ( السمعية والبصرية والسمعية البصرية ) وفلسفتها وبرامجها للتأثير على المتلقي وفي كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها .. وبعد فهي من الموجهات المعرفية المؤثرة في ثقافة المجتمع عموما ( روحيا وماديا ، شفاهيا وكتابيا ) . باعتبارها وسيلة بث فعالة وخطيرة لإيصال رسالة من أحد طرفي عملية الاتصال ، الباعث ( المرسل ) إلى الطرف الثاني في العملية ، المستلم أو المتلقي ( المرسل إليه ) . ولطبيعة أدائها في التبادل - المعلوماتي والمعرفي- كانت ولا تزال شديدة التأثر والتأثير في المتغيرات العالمية وبالذات العلمية والتقنية وأهمها التطور المتسارع في عالم الانترنت . الذي راح يبعث بتشفيرات تحذيرية إلى المفكرين والساسة كي يعيدوا حساباتهم من جديد . للوصول إلى أفضل قراءة ممكنة لهذا العالم المجبول بالحركة الدائمة التطور .
وعلى أساس هذه القراءة الحذرة والنزوعية للمتغيرات المهمة ، تباينت مواقف الدول حسب تباين اجناسية أنظمتها السياسية . إن النظام العالمي الجديد القائم على مفهوم العولمة . خلق معضلات سياسية وفكرية لأغلب المجتمعات وبالذات المجتمعات القيمية والاعتبارية . ومنها الدول العربية . التي تسود أنظمتها الاجتماعية شبكة من القيم والأعراف المستلة من تقاليد القبيلة . والقائمة على بناء اجتماعي هرمي مركزي وشمولي النفوذ . أبوي وذكوري الهيمنة . نعروي الانتماء . أحادي النظرة . مغيّب للآخر . ومحاور انفعالي متصلب وقامع . مقلد واتكالي وغير ايجابي في صنع القرار . غير أن المتغيرات الجديدة . حرّضت طرفا آخرا في المعادلة الاجتماعية . يدعو إلى حسن قراءة الأزمة . ويدعو إلى التعددية والحوار الايجابي الذي يفضي بالنتيجة إلى التخفيف من وطأة تداعيات الأزمة الفكرية والثقافية في المجتمع العربي . ويقلل من مخاطر حدوث المتغيرات السياسية الكوارثية التي نشبت في عدد من البلدان ومنها أفغانستان والعراق . والتي أسفرت عن تداعيات مدمرة للبنى التحتية والفوقية للمجتمع . وفجرت أنهار دم وضيم وحنق لا تطاق ويطول جريانها . وستخلف آثارا اجتماعية سلبية غير محسوبة ، انشطارية الحركة والتأثير ، غائرة في الأسى والأسف للضمير الإنساني المناطقي والعالمي على حد سواء .
وأزمة الصحافة في العالم العربي اليوم هي في جوهرها أزمة فكرية ، تستدعي موقفا جادا مسؤولا
تضامنيا متحضرا حيال الأزمة . موقفا يدفع بالصحافة إلى استعادة دورها المغيّب ، وذلك من خلال تحسين أدائها في استقبال وتحليل المعلومة بكفاءة معرفية وحيادية مهنية وسرعة تسويق ومساحة انتشار وقدرة إقناع وحسن قبول لدى التلقي . وهذا لن يتم إلاّ بالمواجهة الجادة والمسؤولة من قبل أطراف التأثير المباشر في الأزمة / السلطة / والصحفيين / والمجتمع المدني .
وعلى السلطة تقع المسؤولية الأولوية والحاسمة تجاه الأزمة . وذلك بإعادة التفكير في سياستها الثقافية والإعلامية . على أساس نهج ديمقراطي حقيقي وتدريجي . أقول تدريجي ، كي لا تتحول الديمقراطية إلى ميدان صراع فوضوي بين متاريس الولاءات والانتماءات العرقية والطائفية والقبلية - اللا وطنية - من أجل النفوذ والتسلط . بعكس ما تدّعيه في أدبياتها المتقاربة وحتى المتشابهة ، حول رغبتها في إقامة نظام دستوري يفصل بين السلطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية . كيما تكون الصحافة بمنظومتها الرقابية سلطة رابعة وشاهد عيان على حسن أداء السلطات الثلاث لدورها المطلوب في تطوير البناء الجاد للمجتمع . وفي تقييم أداء الدولة لمهامها تجاه المجتمع المدني . الممثل بمنظماته أحسن تمثيل . على أساس الكفاءة والنزاهة وشفافية الأداء . لإيصال المشاريع التنموية وفي شتي الأصعدة من خط شروعها الحلمي إلى فضاءات التنفيذ . الصحافة إذن تلعب دورا بالغ الأهمية في تقريب وجهات النظر بين السلطة والمجتمع المدني . وتأتي أولوية مسؤولية السلطة من أهمية تخلّيها تدريجيا عن شمولية النظرة والهيمنة على المؤسسات الثقافية والإعلامية ومنها الصحافة . انطلاقا من حرية التفكير والتعبير عن الرأي والمعتقد . القائم على القراءة الصحيحة والمجدية للأزمة . من خلال توفير المناخات الصحية والآمنة التي تنعش الحوار الايجابي البناء دون الإخلال بأحد طرفي معادلته الجدلية - الرأي والرأي الآخر – والتي تضمن تكافؤ فرص نيل حقوق الجميع دون عسف من طرف على آخر ، فردا كان أم جماعة . إن توفير مثل هذه الأجواء والمناخات الديمقراطية تدفع بمؤسسات المجتمع المدني لأن تلعب دورها الحيوي في تفجير طاقات
المجتمع . وانعتاقه من كل المصدات والموانع التي تعرقل سبل نزوحه صوب تحقيق أمانيه وتطلعاته في مستقبل مشرق وحياة آمنة وسعيدة . والعمل على تحقيق استقلالية الصحافة . وممارسة دورها الفاعل في التقليل من مغيّبات حسن العلاقة بين الرأي والرأي الآخر وإشاعة مباديء الحوار المتحضر المفضي إلى تخليص المجتمع من مكبلات العسكرتاريا والتحيّن والتمترس والعنف التي رسّختها عهود الهيمنة المركزية والفكر الشمولي القامع . بكل موجهاته المتطرفة العرقية والطائفية والقومية وغيرها . إن الصحافة بوصفها لسان حال التعددية ، ووقوفها محايدة بين طرفي المواجهة في تبادل الآراء ( السلطة والمجتمع المدني ) توجب على الصحفيين إن يتمتعوا بكفاءات عالية معرفيا ومهنيا ، وبحيادية إنسانية بعيدا عن مرامي الولاءات للجماعات والكتل ، وكل ما يفقدهم حسهم النقدي الإنساني الخالي من النفعية والتكسب . وهذا يتطلب جهدا مضنيا لوضع خطط وبرامج لتحقيق أهداف العمل الصحفي المكفولة دستوريا وقضائيا . جهدا يخلص الصحافة من ضبابية التوجه وعشوائية العمل والبحث عن الفضائحية والتصيد والتمادي على حقوق الآخرين . ويعيد للصحافة وجهها الإنساني المشرق الذي غيبه الطارئون عليها من أرباع المثقفين الباحثين عن الوجاهة والنفع إن العمل والجهد التشاركي والتشاوري البنّاء بين هذه الأطراف الثلاثة كفيل بان يعيد للصحافة ألقها وبريقها الضروريين في تخليصها أو تحريرها من أزمتها التي تعاني منها في البلدان العربية عموما .
وأخيرا الصحافة بحاجة إلى إعادة قراءة لآليات اشتغالها من قبل كل الأطراف المسؤولة عنها ، وبأجندة
تتسم بروح الشفافية وتقبل الآخر دون تصورات عدائية مسبقة . كيما تتحرر طليقة في فضاءاتها الإنسانية الرحبة . فهي كطائر يغرد للحقيقة . طائر كوني .. جناحاه يزفان شفرات تنهل من طبيعة الكون التناقضية .. فرح وحزن . خير وشر . حياة وموت , إشراق وأفول . ضوء وعتمة .
-------------------------------------------------------------------------------

علي شبيب ورد
v مدرس / يقيم حاليا في العراق /ناصرية
v بكالوريوس فنون مسرحية عام 1977
v نشر قصائد عديدة في الصحف والمجلات
v نشر عدة دراسات نقدية في الصحف والمجلات
v مجموعته الأولى ( سماء .. ثـ .. امنة )
v مجموعته الثانية ( محاولات في إيذاء النص )
v عمل رئيسا لأتحاد أدباء ذي قار
v عضو اتحاد الأدباء والكتاب العرب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موريتانيا: ماذا وراء زيارة وزيريْ الدفاع والداخلية إلى الحدو


.. إسرائيل وحسابات ما بعد موافقة حماس على مقترح الهدنة في غزة




.. دبابة السلحفاة الروسية العملاقة تواجه المسيرات الأوكرانية |


.. عالم مغربي يكشف عن اختراع جديد لتغيير مستقبل العرب والبشرية




.. الفرحة تعم قطاع غزة بعد موافقة حماس على وقف الحرب