الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النظام الشمولي الأمريكي - الدكتاتورية المشرعنة-

عماد يوسف

2005 / 4 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


تميز النظام العالمي الجديد، بحرقه مراحل تاريخية كبرى لم تعرفها المجتمعات البشرية سابقاً، هذا من جانب، ومن جانب آخر تميز هذا النظام العالمي الشكل "الأمريكي المضمون والأدوات" بغياب الجانب الفكري( الذي لطالما رافق صعود القوى الكبرى على مر التاريخ ) في محاولته السيطرة على العالم من خلال التحكم المباشر بمقدراته البشرية والإقتصادية والعسكرية ، وقوده في ذلك طموح وجموح لرجالات السياسة الأمريكية من شاكلة المحافظين الجدد، وهذا يعني نظاماً شمولياً عالمياً، بمعنى تحول العالم إلى دولة واحدة تتبع للسلطة السياسية الأمريكية التي تغيب فيها كل أشكال النظام الديمقراطي في تعاطيها مع دول هذا العالم وشؤونها الداخلية والخارجية، فالحرب على العراق شنتها الولايات المتحدة الأمريكية بالرغم من كل الممانعات الدولية آنذاك، وبرغم كل أشكال الرفض التي شهدتها المظاهرات في شوارع دول العالم قاطبة، وذلك حين شكلت تحالفاً من دول ثلاث من أصل 180 دولة في العالم(أمريكا-بريطانيا-إسبانيا) وإتخذت ذالك القرار التاريخي بشن هذه الحرب تحت حجج واهية أثبت الزمن بطلانها وعدم صحتها، وهذا ماورد مؤخراً على ألسنة صقور الإدارة الأمريكية أنفسهم، حين صرح بوش من على منصة البيت الأبيض بأن تقارير الإستخبارات الأمريكية كانت خاطئة فيما يتعلق بأسلحة الدمار الشامل العراقية.هنا أستحضر مقارنة بسيطة مع دكتاتور طاغي كصدام حسين، حين كان يقتل مثلاً الكثير من المعارضين بسبب تقارير أمنية ربما كانت كاذبة في الكثير من الحالات، ولكن كان دائماً يسبق عندهم السيف العزل، والفرق الوحيد بين آليات الدكتاتورية الأمريكية والدكتاتوريات المحلية، بأن الأمريكيين يعترفون في بعض الأحيان بأخطائهم، وهذا ما لا نجده عند أنظمتنا الدكتاتورية الأبيّة النفس والروح .
هنا اللعبة مخابراتية، وفي أمريكااللعبة مخابراتية أيضاً، هنا العقول المخابراتية تخطط وتوجه، وهناك أيضاً العقول المخابراتية تخطط وتوجه، هنا تنطلق المخابرات من قوتها العسكرية والإقتصادية العظمى في مجتمعاتها وسيادتها على الناس من خلال النظام الذي تحميه وتمثله، وهناك أيضاً تستمد المخابرات قوتها من قوة أمريكا العسكرية والإقتصادية على العالم وسيادتها على القرار العالمي في غياب أقطاب أخرى لمراكز القوة العالمية، زعمائنا العظام مطلقي الصلاحيات ، يسخّرون كل هذه الصلاحيات لخدمة مصالحهم الشخصية ومصالح عائلاتهم والفئة القليلة التي تشكل أنظمتهم الديكتاتورية، وفي أمريكا جورج بوش وكونداليزارايس ومن لم شملهم من باقي الصقور الجارحة ، هم أيضاً لديهم صلاحيات مطلقة في حكم العالم وتوجيهه بما يخدم مصالحهم الشخصية وامتيازاتهم الرأسمالية، لدرجة أن كونداليزا رايس وفي مؤتمر صحفي لمدة عشر دقائق مثلاً؛ يمكن أن تضع خطة عمل لكل دول العالم وتوجه رئيس كل منها بما عليه أن يفعل ويتصرف في بلاده ومع بقية بلدان العالم ..
يمكن القول هنا ، بأن هذا النظام لا يحمل أي معاني أو قيم إنسانية سامية، وهذا الخطاب الديماغوجي في نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان قد ظهر بهتانه من خلال الكثير من الأحداث التي ميزت مرحلة فرض إرادة هذا النظام على العالم، فإبتداءً بأبو غريب وفضائحه، وإنتهاءً بجولات ساترفيلد في بيروت لإعطاء التعليمات لبعض قوى المعارضة اللبنانية التي لا ترى، ولا يرى ساترفيلد أيضاً في مكوثه بينها في بيروت وتعليماته أي تعدي على السيادة الوطنية اللبنانية .
عندما جاء الإستعمار الأوروبي إلى البلدان العربية حمل معه في زمنه مفاهيم عصر الحداثة، وكان قد ترافق مع النتاج الفكري الأوروبي المستنير، بمعنى أنه وبرغم وجود حكومات أوروبية تسعى إلى توسيع نظامها الامبراطوري، مثل فرنسا وإنكلترا وإيطاليا وغيرها، إلاً أن هذه الدول كانت تحكمها روادع في مجتمعاتها لم يكن بالإمكان إلاّ أن تأخذها في الحسبان، وهذا طبعاً بمقارنة مع ما يحصل اليوم مع الولايات المتحدة التي تسعى إلى أمركة العالم . إتفاقيات سايكس بيكو خطط لها رجال السياسة في أوروبا، وليس المخابرات ، وكانت أغلبية تلك الإنتدابات هي من نتائج وإرهاصات حرب كونية هي الحرب العالمية الأولى، وفي ذلك الزمن كان هذا الشكل من أنظمة الإنتداب " كما سمّوه" مقبولاً لدى القوى العالمية الأخرى وخاصة المنتصرة في الحرب الكونية بإعتبار أن هذه من النتائج والغنائم الطبيعية للقوى المنتصرة، ولكن في الكثير من حالات الإستقلال العربية، خرج المستعمرون منها بضغوط من شعوبهم، ونعني هنا الشعوب الأوروبية إنطلاقاً من مفهوم حق الشعوب في تقرير مصيرها ومن مفاهيم الديمقراطية ومفهوم الأمة والمواطنة والنظام الجمهوري، والبرلماني والتعددية الحزبية وغيرها، وقد تركوا في كل المجتمعات العربية بذوراً ونواة لأنظمة الحكم الوطنية الليبرالية والتي ’قمعت فيما بعد و’دمرت من أنظمة الحكم الشمولية الدكتاتورية في العالم العربي. وهذا يعني بأن غالبية هذه الدول قد غادرت هذه المستعمرات بسبب ضغط الشارع والقوى المدنية والحكومات الأوربية، وذلك ليس بسبب تعرض هذه الدول الإستعمارية إلى القتل والتدمير في هذه البلدان ، ولكن بسبب ما حملت هذه القوى من مفاهيم وقيم تنتمي في الكثير منها إلى خطاب عصرالتنوير و الحداثة في أوروبا، ما يعني أن هذا الإستعمار قد واكبته تيارات فكرية كانت بشكل أو بآخر أحد ضوابط وكابح مهم لجموح هذا الإستعمار، وذلك بعكس ما حصل مثلاً في فييتنام، عندما خرجت منها أمريكا في عام 1973 بضغط من الشارع بسبب القتل والدمار الفظيعين الذين مني بهما الجيش الأمريكي هناك، حتى أن الغالبية العظمى من هذا الجيش عاد ليدخل إلى المصحات العقلية في أمريكا ووجد الكثير من الصعوبات في التأقلم مع الحياة المدنية الأمريكية.
طبعاً من نافل القول ؛ التمييز بين حالتين استعماريتين أحلاهما مرّ، ولكن بما أن التاريخ يكرر نفسه ويعيد إنتاج ذاته بمفاهيم مختلفة جاءت أسوأ من سابقاتها بكثير، فلينبري من يستطيع لدحض وتفنيد ما تعمل على نشره وتعميمه أمريكا، تغسل فيه عقول الناس ساعية لفتح الأبواب لإستعمار آخر، ولنسمّي الأمور بمسمّياتها؛ الديمقراطية الأمريكية، يعني الإحتلال الأمريكي، حقوق الإنسان الأمريكية، يعني حقوق سيادة الأمريكان على هذا المجتمع أو ذاك، إنتهاء عصر الديكتاتوريات يعني إنهاءها محلياً وإخضاعها للديكتاتورية الأمريكية العالمية، إلغاء المعتقلات السياسية العربية وإستبدالها بأبو غريب وغوانتامو، تدمير بذور الفكر العلماني العربي وإستبداله بالأنظمة السياسية الطائفية ، عزل الدين الإسلامي عن المسيحي وتحويلهما إلى كانتونات طائفية وعرقية وإثنية، ضرب المفهوم القومي العربي بوصفه الضامن الوحيد للهوية العربية، و إستبداله بالإنتماء القطري والإقليمي بعد أن ’يدمغ بخاتم الثقافة الأمريكية واسقاطاتها ..
لم تردد الولايات المتحدة يوماً، أو تعلن احترامها لرغبة الشعوب، أو حقها في تقرير مصيرها، وإختيار مستقبلها ونظامها السياسي الذي يتناسب مع تاريخها وتراثها الفكري والثقافي والحضاري، كانت أمريكا دائماً وصيّة على الشعوب المستضعفة وخاصة في الشرق الأوسط حيث بحر النفط الهائج . لا ينطبق ذلك على كوريا الشمالية لأن نظامها يمتلك السلاح النووي، ولا على كوبا التي لا تملك سوى قصب السكر وأنواع السيجار الفاخر، وهي لا تعني لإسرائيل شيئاً. هنا فقط في الشرق الأوسط منبع الديانات السماوية والحضارة الإنسانية الأولى، وحضور بني إسرائيل، هنا فقط يحب الأمريكيون أن يمارسوا بهلوانياتهم في نشر القيم الديمقراطية المنشودة .
السؤال الذي يطرح نفسه، ألم يكن بالإمكان أن تنجز هذه الشعوب مشروعها الوطني في التحول الديمقراطي؟ وهل تعجز هذه المجتمعات عن إنتاج ذاتها كمجتمعات حرّة تساهم في بناء الحضارة البشرية ويكون لها موقع المشارك الندّي لباقي دول العالم، ولماذا لم تعط أمريكا الفرصة لهذه الشعوب التي كانت قد بدأت فعلاً في النضال لتحقيق هذا التحول ؟! ولماذا لم تحاول أمريكا أن تسقط نظام صدام حسين بالطرق الدبلوماسية والسياسية ؟ وكان هذا ممكناً جداً ! السؤال طبعاً موجه للراغبين في حرق المراحل سريعاً بمد اليد للآخر الذي تنتفي معه كل أشكال العلاقة الندّية المتكافئة ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تشاسيف يار-.. مدينة أوكرانية تدفع فاتورة سياسة الأرض المحرو


.. ناشط كويتي يوثق آثار تدمير الاحتلال الإسرائيلي مستشفى ناصر ب




.. مرسل الجزيرة: فشل المفاوضات بين إدارة معهد ماساتشوستس للتقني


.. الرئيس الكولومبي يعلن قطع بلاده العلاقات الدبلوماسية مع إسرا




.. فيديو: صور جوية تظهر مدى الدمار المرعب في تشاسيف يار بأوكران