الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة جديدة للجذور

جاسم ألصفار
كاتب ومحلل سياسي

(Jassim Al-saffar)

2013 / 5 / 2
الحركة العمالية والنقابية



الاربعاء الماضي، عبرت نسمة عذبة الى ذاكرة ألمثقف ألذي انتمى في فكره او ما زال ينتمي الى اليسار، وهي عيد الاول من ايار (عيد العمال الاحرار)، كما جاء في أحد شعارات المسيرة التي طافت شوارع بغداد في هذه المناسبة، منطلقة من ساحة الفردوس باتجاه ساحة الاندلس. انها الذكرى التي اصبحت عنوان جامع لليسار، لا فرق في ذلك انتماء المشاركين في هذه الاحتفالية الى تنظيم او نقابة او عدم انتمائهم لأي من هذه الاطر. لقد سرني كثيرا ان ارى بين المشاركين شباب في ربيع العمر من الجنسين كانت مشاركاتهم قبل بضع سنوات نادرة وغير محسوسة.
أغلب المشاركين ليسوا من العمال بالمعنى التقليدي المتعارف عليه لتسمية شغيلة العمل اليدوي، ولكن معظمهم ينتمون الى طبقة البروليتاريا المعاصرة او من الذين سينتسبون اليها بعد ان يدخلوا معترك الحياة العملية، أي الطلبة. هذا ليس من ابداعات خيالي بل هي قراءة جديدة لأدبيات الاشتراكية والماركسية منها بالدرجة الاولى والتي كتبت عنها في مقالة سابقة لا بأس في هذه المناسبة أن أعود الى بعض من أفكارها.
ذكرت حينها أن التغيرات ألنوعية ألحاصلة في تركيبة الطبقة ألعاملة وألتي مضت بتسارع كبير منذ ألربع الأخير من القرن العشرين تفرض نفسها ليس فقط على ألدراسات ألجادة في المجالات ألاقتصادية والاجتماعية بل وعلى برامج وأساليب نضال الأحزاب العمالية والاشتراكية ومنظمات ألمجتمع ألمدني. فالتحولات ألحاصلة في نمط الإنتاج ألاجتماعي وتسارع تطوره ألتقني، انعكست بصورة مباشرة على التركيبة ألطبقية للمجتمعات في مناسيبها ألكمية والنوعية. وهذا بدوره يستدعي اعادة دراسة وتوصيف للطبقات ألطليعية وتحالفاتها التاريخية ألتي يستند اليها التغيير ألثوري نحو مجتمع العدالة ألاجتماعية.

نثرت الثورة العلمية والتقنية بذور التغيير في كل مناحي ألحياه ألاجتماعية والاقتصادية وأثرت في نمط الإنتاج ألمعاصر في جميع حقوله، بحيث أصبح يعتمد على شريحة واسعة من شغيلة العمل ألذهني، أي على العمال ألفنيين ألمتخصصين كالمهندسين والإداريين والمحاسبين والمخططين ألاقتصاديين ورجال العلم وغيرهم من ألعاملين ألمؤهلين لا دارة عمليات إنتاج متطورة ومعقدة تقنياً. كما أن قطاعات واسعة من العمال أليدويين، نتيجة لإعادة التأهيل أصبحت تساهم في عمليات الإنتاج ألحديثة ليس فقط بجهدها أليدوي، بل وبجهدها ألذهني وخبرتها ألمستحدثة والمستوعبة لطبيعة عمل آلات الإنتاج ألمتطورة. وقد أصبح هذا الميل لجهة زيادة نسبة شغيلة العمل ألذهني في عمليات الإنتاج صفة ملازمة للتطور ألتقني ألمتواصل لآلات الإنتاج وأدواته. ورافق ذلك انخفاضاً محسوساً في نسبة شغيلة العمل أليدوي في حقول الإنتاج ألمختلفة مما جعل عدد كبير من ألباحثين ألاجتماعيين في الدول ألرأسمالية والدول "ألاشتراكية" ألسابقة يكتبون عن الاضمحلال المطرد لثقل ودور ألبروليتاريا في ألمجتمعات ألحديثة، منطلقين من فهم لا علاقة له بالمضمون الاجتماعي- ألاقتصادي الماركسي لمصطلح "ألبروليتاريا".

وصف ماركس وانجلس في بيانهما الشيوعي طبقة ألبروليتاريا على أنها طبقة الشغيلة ألمعاصرة ألتي " تعيش على ما تتلقاه من اجور مقابل بيعها لقوة عملها". وفي اشارتهما الى شغيلة العمل الذهني ، نص (البيان ألشيوعي) على أن ألبرجوازية " قد جعلت من الاطباء والمحامين والشعراء ورجال العلم وغيرهم عمال مأجورين"، أي انهم وفقاً لتوصيف البيان في الاقتباس السابق، ينتمون الى البروليتاريا، وبصورة أدق فانهم ذلك الجزء من ألبروليتاريا ألذي يساهم في عملية الإنتاج ألاجتماعي بقدراته ألذهنية مقابل أجر يحدده مالك مؤسسات الإنتاج ووسائلها. وقد جاء تعبير بروليتاريا العمل ألذهني بصورة أكثر تحديداً في تحية وجهها انجلز لمؤتمر الطلبة ألاشتراكيين جاء فيها "يجب إدراك حقيقة أن جزء كبير منكم سينخرط في ألمستقبل في صفوف بروليتاريا العمل ألذهني، ألتي تصطف بدورها مع شغيلة العمل أليدوي في سبيل لعب دور فعال في التحركات ألثورية".

هذا التوصيف ألماركسي لطبقة ألبروليتاريا يسقط تماماً أسس تلك الأفكار ألقائلة بالاضمحلال ألتاريخي للبروليتاريا وألتي بنيت أساساً على تصور خاطئ يرى في ألبروليتاريا، شغيلة العمل أليدوي حصراً. وحتى في حالة تجاوز ألنهج ألذي نعتمده في تمييزنا للطبقة ألاجتماعية وفقاً لعلاقتها بوسائل الإنتاج وطريقة حصولها على دخلها، فان معظم البيانات الإحصائية لثقل ودور ألبروليتاريا في الإنتاج ألاجتماعي، على اختلاف معاييرها، تشهد على أنها ألأهم والأكبر في جميع ألمجتمعات ألرأسمالية.

فحسب البيانات ألتي تحصي ألنسب ألعددية للشغيلة في ألمؤسسات ألمصنعة للبضائع والمنتجات ألمادية، دون حساب للقطاعات الخدمية بما فيها تلك ألتي لها علاقة مباشرة بعمليات الإنتاج في جميع ألمجتمعات ألرأسمالية ألمتطورة، تراوحت نسبتهم في حدود 40-50% من العدد الإجمالي للسكان العاملين في شتى ميادين الانتاج ألاجتماعي. ففي بريطانيا، حسب احصاء عام 1981، بلغت نسبتهم 51% . ووفقاً لاستطلاعات عالم الاجتماع أ. كيدنس ألتي أجراها عام 1986 فان 48% من سكان بريطانيا في الأعمار دون سن ألتقاعد يحسبون أنفسهم على ألبروليتاريا. أما في الاتحاد السوفيتي ألسابق فقد بلغت نسبتهم 61.6% وفقاً للإحصاءات ألرسمية عام 1984. وتبعاً لمعطيات ألباحث ألاجتماعي ألروسي زدوروف فان عدد ألمحسوبين على ألبروليتاريا في عام 1990 في المدن ألروسية وحدها قد بلغ 35-40% من العدد الإجمالي للسكان القادرين على العمل. وقد كان هذا في ظروف انهيار الاقتصاد في روسيا وتعطل أغلب مؤسساتها ألصناعية والتسريح ألقسري للعمال.
أما بالنسبة للإحصاءات التي اجريت وفق المعايير الاقتصادية- الاجتماعية الماركسية فان نسبة ألعاملين لقاء أجر ولا يملكون وسائل الإنتاج، أي ألمنتسبين الى ألبروليتاريا ألمعاصرة، تبلغ حسب الباحث ب. سلافن 90% من السكان ألقادرين على العمل في جميع ألمجتمعات ألرأسمالية ألمتطورة.

مما تقدم نستنتج ان التطور ألنوعي في وسائل الانتاج فرض تغيراً نوعياً في تركيبة قوى الإنتاج. ولاشك في أن هذا ألأخير سيكون ألقوه ألمحركة ألرئيسية لديمومة وتواصل ألتطور ألتقني والعلمي لوسائل الإنتاج في شتى ميادينه ومختلف حقوله في اطار المنظومة الاقتصادية – الاجتماعية في الدول الرأسمالية المتطورة.

ختاماً، لابد من الإشارة الى أن ألتطور النوعي في تركيبة الطبقة العاملة والتحامها بشرائح واسعة من الانتليجينسيا تجعلها قادرة دون الحاجة لتدخل من خارجها، على استيعاب وانتاج فكر التغيير صوب مجتمع العدالة والرفاه المادي والروحي والسعي لتحقيق التغيير ألمنشود بانتمائها أو دعمها لأحزاب اشتراكية قوية وناضجة، تستوحي برامجها من ألواقع الحي المعاش مستندة إلى ارث نظري راق وتجارب غنية ونهج علمي أثراه ماركس في نظريته ألاجتماعية السياسية عن الثورة ألدائمة وألتي تناولت أفكارها ألرئيسية في مقالات سابقة.
ومن هنا فان الهرب الى الامام والغور في برامج مستقبلية قد تتحقق بعد أجيال عديدة، رياضة فكرية ممتعة ولكنها غير مجدية في حسابات التغيير السياسي ألاجتماعي الذي يجب ان يستند على برامج تعكس مهام المرحلة التاريخية الراهنة بكل ملابساتها والتعامل الجاد مع مشاكل المواطن الحالية وليست الاتية في بلد غارق في الفوضى.
أما الهدف البعيد الذي يسعى اليه الاشتراكيون مهما اختلفت مسالكهم وتنوعت مناهجهم، فهو بلوغ نظام لعلاقات الانتاج، تتحقق فيه أعلى مستويات الرفاه ألروحي والمادي للمجتمع بأسره. فبدون السعي لتحرير المجتمع برمته من عبودية نظام الاستغلال الرأسمالي يصبح شعار تحرير البروليتاريا محض هراء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسؤول في حماس: سنتعامل بإيجابية مع أي مقترح ينهي الحرب في غز


.. مفاجأة عن موعد صرف مرتبات شهر يونيو للعاملين بالحكومة




.. تقرير الوظائف في سوق العمل الأميركي ينصف بايدن.. ومعضلة واحد


.. استقالة 8 مسئولين أمريكيين احتجاجا على سياسة بايدن بشأن غزة




.. مدير الأمن العام بالسعودية: سنتعامل بكل حزم مع كل من يريد ال