الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- لاعب النرد - و - شفقة -

أحمد فيصل البكل

2013 / 5 / 2
الادب والفن


" لاعب النرد " .. قصة قصيرة

لا أخفيكم سراً أنني لا اتذكّر ، وإن شئتم الدقّة ربما لا أعرف مهد تلك الأسطورة على وجه التحديد . ربما كانت لاتينية . و ربما تكون متداولة هناك إلى اليوم ، و ربما لا . والأسطورة تقول إن ملك الملوك ؛ جبّار البأس الذي اختلف أهل الأرض في تسميته وتوصيفه ؛ حين خلق البشر في أول الأمر ، رفع عنهم كلفة العمل ، وأعفاهم منه . ولأن الحاجة هي أول ما يعرفه الإنسان في هذا العالم ، ولأنها أول ما يدفعه دفعاً نحو العمل ، لم يشعر الإنسان وقتئذ بالعوز والحاجة إلى المأكل والملبس والمسكن . وظلّوا البشر هكذا إلى أن وصل عددهم إلى مائة إنسان ، وكانوا إلى ذلك الوقت لم يشعروا بمأساة المرض ، ولم تكن قد كُدّرت حياتهم بعد بألوان الآلام والويلات .
ولمّا أراد الملك العظيم معرفة الكيفية التي يحيا بها خلقه ، راح يتبيّن أمرهم ، فوجدهم يقاتلون بعضهم بعضا ، وقد انكفأ كل منهم على ذاته دون أدنى اكتراث بأخيه في الإنسانية ، ما أدى إلى الحيلولة دون بلوغهم السعادة الحقّة التي وُجدوا من أجلها ، فقال : " إنما هذا البلاء جاءهم من طريق الفُرقة والتشرذم ، ومن إهتمام الواحد منهم بأمور نفسه فحسب " . وعلى ذلك ما كان منه إلّا أن بدّل مسار حياتهم التي تخلو من أي عمل بتسليط الجوع والبرد عليهم ، فنشأت الحاجة التي أجبرتهم بدورها على نحت المغاور والكهوف للجوء إليها والاحتماء بها من البرد ، وإضطرتهم إلى السعي في جمع الفواكه والثمار والحبوب لمواجهة الطاريء الجديد .. الجوع . وكانت الحكمة العُليا أن العمل سيقوي دونما شك روابط الإتحاد ، ووشائج الصلات ، فقال الملك : " لا يستطيع الرجل بمفرده أن يصنع كل ما يلزمه من الآلات والأدوات ، ولا يمكنه أن ينقل ما يحتاج إليه من الخشب ، ولا أن يبني وحده المساكن التي تقيه العواصف والزوابع ، ولا أن يفلح الأرض فيجمع محصولها ثم يغزل وينسج ويصنع الملابس والثياب لأن كل هذه الأمور تستدعي المعاونة وبذلك يتم لبني الإنسان الائتلاف والإتحاد دون أن يشعروا بالدافع فيتم سرورهم وتكتمل سعادتهم " .
وبعد أن تتابعت الأيام ، وتتالت الأزمان ، أراد الملك أن يطمئن على خلقه مجدداً ، ليرى ما إذا كانوا سعداء في حياتهم الجديدة . فلمّا أتاهم وجدهم في حال أسوأ من ذي قبل . لقد اشتركوا في أعمالهم كما قدّر لهم ، غير أنه كان اشتراكاً منقوصاً لم يبلغ بهم القصد المطلوب . فإنهم كانوا قد انقسموا إلى جماعات تفرّقها الأهواء والغايات ، تحاول أن تستأثر بالعمل ، وتنفرد به ، وتحرص أشد الحرص على عرقلة مساعي الأحزاب الاخرى . فأمسوا يتنافسون ، ويتزاحمون ، ويتباغضون بكل ما لهم من قوة ، فساءت حالتهم ، وإشتد كربهم .
وعمد الملك بعد ذلك إلى إصلاحهم من خلال سبيل آخر ، فقدّر عليهم الموت ، وألّا يعلموا وقت هذا القضاء ، وأشعرهم بذلك قائلاً : " إذا ما عرفوا أن الموت لهم بالمرصاد ، يحافظون على أوقاتهم ، ويضنون بأعمارهم ، فلا يصرفونها إلّا في الأعمال الصالحة الخيّره " . بيد أن ذلك لم يثمر النتيجة المطلوبة ، بل رأى الملك عند إطلاعه على حالهم في حياتهم الجديدة أنه لم يحدث تغيير في شأنهم ، ولا تبديل ، بل بقى سوء الحال ملازماً لهم حيث اغتنم الأقوياء فرصة خضوع الإنسان لقانون الموت في أي وقت وأي حال ، فأخضعوا لإرادتهم الضعفاء بعد أن قتلوا من قاومهم ، وتوعّدوا المتمردين الباقين بالموت والفناء . فأصبح الأقوياء بهذه الوسيلة يجنون ثمرة كد الضعفاء ، فورثوا الاستئثار بجني الضعيف من أجدادهم ، يعيشون على أكتاف الضعفاء دون تعب أو جهد .
ولكن الأقوياء ظلّوا يشكون البطالة ، ويتململون من حياة الكسل ، بينما الضعفاء يتألمون ، ويتذمّرون من اشتغالهم بأكثر مما يطيقون ، ويتضجّرون من زيادة التعب وقلة الراحة ، وإتسعت حلقة الخلاف أثناء ذلك بين الفريقين ، وإشتدّت أسباب العداوة والبغضاء ، وهكذا صارت حياة الناس بعيدة عن غاية السعادة .
و رأى الملك العظيم كل ذلك فعمد إلى إصلاح حالهم ومعالجة شأنهم بوسيلة اخرى ، فسلّط عليهم ضروب الأمراض ، وألوان العلل ، ظنّاً منه أنه متى تعرّض الناس للعلل والأمراض على السواء ، تتحرّك الرحمة في قلوب الأصحاء على المرضى ، فيشفقون عليهم ، ويواسونهم ، ويمدّون إليهم يد المعونة ليقابلهم المرضى بالمثل إذا ما تعرّضوا لسهام المرض .
وبعد زمن طويل عاد الملك إلى اختبار حالتهم الجديدة ، فوجدهم أسوأ وأسوأ ، وأشد كرباً مما كانوا عليه في سالف العهد ، لأن الأمراض التي سلطها عليهم لتكون واسطة لتأليف القلوب كانت سبباً في التفرقة والتباعد ، إذ بقى الأقوياء يستخدمون الضعفاء وقت المرض ولا يهتمون بشأنهم عندما تنتابهم العلل . وهكذا كانوا أولئك الضعفاء والمساكين يعملون لمنفعة غيرهم طوال حياتهم ، ويخدمون سادتهم في حالتي الصحة والمرض بينما هم لا يجدون فرصة لمداواة أمراضهم ، ولا يلقون عطفاً وعناية من أحد .
لقد بُنيت لهم بيوتا خاصة يقيمون فيها أوقات المرض ، لئلا يعكّر منظرهم - وهم يعانون أوجاع المرضى - صفو أولئك الأقوياء وسرورهم . فيتركون في تلك المساكن الخاصة لعناية أناس مأجورين يمرضونهم بلا دافع عطف أو حنان ، وفوق هذا كله حمل خوف العدوى الكثيرين على اجتناب الاختلاط بالمريض ، والابتعاد عن كل من يخالطه . و رأى الملك هذه الحالة فقال : " إذا كانت هذه الوسيلة لم تكف لإفهام الناس أين تكون السعادة ، فليكن الألم في المستقبل مرشداً لهم " . ثم ترك أمور الناس لهم يتصرّفون فيها كيفما شاؤوا .
تلك هي الأسطورة التي لا أذكُر مهدها على وجه الدقّة . ويبدو أن الملك - الغني بذاته - قد ترك مجاله إلى الأبد بعد أن أدرك أن محاولاته في النرد ستفشل باستمرار !


" شفقة " .. قصة قصيرة جدا

بهدوء أعلن عن وصوله ، وبهدوء غرق فوق المقعد تاركاً كل ما في جسده يتخذ وضعه الطبيعي دونما إفراط في شيء ، وشبّك راحتاه وهو يقول في نبرة معتدلة : اليوم نُشر لي أول خبر في قسم الحوادث . توقّفت الأم - مدرّسة الأطفال - عن مضغ ما كان في فيها ، وعلّقت شفتاها للحظات ، قبل أن يندفع الأب - مدير أحد البنوك - قائلاً : قلت إيه؟ قال نُشر له اليوم خبراً في قسم الأخبار . قلت الحوادث ! فأنهى الأب مكالمة كان قد أوقفها أثناء سؤاله .
لا يهم . ما رأيكم في مجموعتي التي أنوي ضم إحدى القصص إليها؟ هي مازالت في المطبعة إلى الآن على أية حال .
- قلت نُشر اليوم؟ إذا نقرأه إذا اشترينا عدد اليوم ؟ أم عدد الغد ؟
- أحدّثكم عن مجموعتي . مجموعتي التي حدّثتكم عنها من قبل .
- قاطعته أمه : نعرف ، نعرف . سيكون بإسمك لابد . ثلاثي أم ثنائي إذا ؟
- أجاب في لهجة متسارعة : ذلك يختلف باختلاف القسم . أضيف للمجموعة قصتي الأخيرة فقط ؟ أم هي وسابقتها ؟
- ما هذا الذي تتحدّث عنه ؟! كان عليك أن تخبرنا منذ أيام مضت . لن أغفر لك تجاهلك ذاك .
- عن القصص ؟ لا عليك . المجموعة لا تزال في المطبعة كما قلت . ويمكن إضافة بعض القصص .
صمت الأب ، و راح يهاتف من يعرفه ، ومن لا يعرفه ، وأخذ هو يحدّثهم ويسائلهم عن قصصه ، وكان ردّهم هو عدم الرد .. بلا انقطاع ، فاختلج في نفسه هاتف : ما أكثرهم من يستحقون الشفقة في هذا العالم !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا