الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غسان كنفاني... شكراً

صبحي حديدي

2005 / 4 / 19
الادب والفن


في حوار مطوّل نشرته المجلة الأسبوعية الملحقة بصحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، نقرأ ما يلي عن رواية «عائد إلى حيفا»، ثاني أشهر أعمال الكاتب والمناضل الفلسطيني الشهيد غسان كنفاني (1936ـ 1972): «القصّة ليست ذات سويّة عالية، والكاتب إميل حبيبي لم يكنّ يحبّها كذلك. قبلت حكم حبيبي، ولعلّه كان نابعاً من حسد الكتّاب لبعضهم، رغم أنّ حبيبي لم يكن معروفاً ككاتب حين صدرت «عائد إلى حيفا». الباحث ساسون سوميخ كتب بدوره نقداً سلبياً عن الرواية آنذاك. أنا لا أحكي قصة كنفاني، ولهذا لم أشعر أنّ عليّ تسجيل أيّ دَيْن له في عنقي، ويكفي أنني أشير إلى الأمر في المقابلات الصحفية»...
قائل هذه الكلمات ليس من عتاة الصهاينة كارهي فلسطين والفلسطينيين، بل العكس هو الصحيح: إنه يعلن على الملأ عدم انضوائه في الصفّ الصهيوني. وهو ليس كارهاً للإبداع الفلسطيني، أو لأدب كنفاني بصفة خاصة، بل العكس هو الصحيح هنا أيضاً. وإذْ يواصل، كما يقول، الحكاية التي بدأها كنفاني في «عائد إلى حيفا»، فلأنه يتماهى على هذا النحو أو ذاك مع الرسالة الجبّارة التي تنقلها الحكاية، لأنه ببساطة مواطن إسرائيلي يهودي من أصل عراقي. هاجر مع أسرته إلى الدولة العبرية سنة 1949، ثمّ درس في جامعة حيفا، وكتب مقالات باللغة العربية في صحافة الحزب الشيوعي الإسرائيلي، قبل أن ينتقل نهائياً إلى اللغة العبرية ويحقق نجاحات كبرى خصوصاً في روايته «فكتوريا»، 1993.
إنني أتحدّث عن سامي ميخائيل، صاحب المواقف الناقدة للمؤسسة الصهيونية، خصوصاً في معاملتها العنصرية والإذلالية ليهود الهولوكوست واليهود الشرقيين؛ وصاحب المواقف المتقدّمة المؤيدة للحقوق الفلسطينية، والتي تبلغ حدّ المطالبة باتحاد فيديرالي بين الفلسطينيين والإسرائيليين. هو أيضاً مَن وقف بشدّة ضدّ الغزو الأمريكي ـ البريطاني للعراق، واعتبر أنّ الاحتلال جلب على بغداد كارثة لا تُقارن إلا بما جلبه عليها المغول. كيف يحدث، إذاً، أنه يلتقط خيط الحكاية في «عائد إلى حيفا»، يواصله أو ينسج على منواله أو يستأنف حلقاته، وهو يحمل ذلك الرأي السلبي عن العمل؟ أيدخل تنازع العواطف هذا في باب حسد الكاتب من الكاتب، كما فسّر ميخائيل رأي حبيبي في رواية كنفاني؟ أم أنّ للأمر أبعاده المختلفة الأعمق؟
في سياق البحث عن خلفيات أخرى غير الحسد، ثمة تفصيل جدير بالتدوين هنا. كان ميخائيل يستعدّ لطباعة روايته الجديدة «حمائم في الطرف الأغرّ» حين علم الناشر بمسألة التماهي مع رواية كنفاني، فقرّر أن يضع في الصفحات الأولى عبارة تفيد أنّ هذا الكتاب «يقيم حواراً مع غسان كنفاني»، بعد أن أصرّ ميخائيل على حذف الإشارة إلى «عائد إلى حيفا» تخصيصاً. وحين سألته محاوِرته داليا كاربيل لماذا أغفل الإشارة إلى كنفاني أساساً، وتحديداً إلى الرواية التي «يواصل» حكايتها، قال ميخائيل الكلام الذي اقتبسناه أعلاه.
كيف حدث أنّ الناشر هو الذي أنصف كنفاني، وكان حرّياً بهذا الإنصاف أن يأتي من الكاتب الزميل نفسه، سيّما حين لا تكون لديه أية عقدة عداء أو بغضاء تجاه صاحب الحقّ؟ وقبل هذا، كيف حدث أنّ قرار الناشر جاء بناء على رسالة وصلته من المحاوِرة كاربيل، كي يأخذ علماً، ولا يُفاجأ، بالعنوان الذي اختارته لحوار ميخائيل: «مع الشكر لغسّان كنفاني»؟ كيف حدث هذا، وميخائيل نفسه لم ينكر «الرابط» بين عمله وعمل كنفاني، كما يقول في رسالة احتجاج إلى «هآرتس» تعقيباً على الحوار، مستذكراً ما كان قد قاله سنة 2003: « أنا في المراحل الأخيرة من استكمال رواية جديدة، هي بمثابة تسلسل لرواية «عائد إلى حيفا» للكاتب الفلسطيني غسان كنفاني»؟
لا أملك، شخصياً، إجابة شافية عن أيّ من الأسئلة السابقة، وإنْ كنت أميل إلى استبعاد دافع الحسد في هذا المثال (كما في مثال إميل حبيبي، يتوجّب أن أقول). لم أقرأ رواية ميخائيل بالطبع، وليس في وسعي استطراداً أن أحكم حول طبيعة «الرابط» الذي يجمعها مع رواية كنفاني، وكلّ ما أملك الإتكاء عليه هو ما يقوله الرجل نفسه، وما تعرضه داليا كاربيل في الحوار المستفيض. يحقّ لي، مع ذلك، أن أقول (وبصوت عالٍ على آخره!) إنّ الحكاية في رواية كنفاني ليست من النوع الذي يمكن أن «يقيم حواراً» مع أية حكاية أخرى، أياً كانت فوارق الحبكة وطرائق الحبك. أيّ «حوار» مع هذه الرواية هو تأثّر بها، صريح واضح مباشر...
وللتذكير، في «عائد إلى حيفا»، 1969، يدخل الفلسطيني في مواجهة أخلاقية وحقوقية مباشرة مع «الآخر» الاسرائيلي. وتبلغ المواجهة درجة قصوى من التوتر العاطفي حين يكتشف الفلسطيني سعيد س. وزوجته صفية أن هذا الآخر الغريب (ممثلاً في أرملة يهودية مات زوجها في حرب 1956) لم يكتف بالإستيلاء على بيت الأسرة في حيفا، بل استولى أيضاً على ابنهما البكر الرضيع الذي اضطرا لتركه عام 1984 وهو في شهره الخامس. والفتى يصنع البرهة الأكثر فرادة وكثافة حين يدخل مشهد المواجهة... مرتدياً البزّة العسكرية الإسرائيلية، أيام حرب 1967!
أيّ ضرر أدبي كان سيلحق بسامي ميخائيل لو أنه أقرّ بنوع ما من «الدَيْن» إزاء عمل فريد، لا تجود به مراراً وتكراراً كوارث الأمم ونكبات الشعوب؟ بل أيّ مغنم أخلاقي كان سيجني لو فعل؟









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل الأدب الشعبي اليمني مهدد بسبب الحرب؟


.. الشباب الإيراني يطالب بمعالجة القضايا الاقتصادية والثقافية و




.. كاظم الساهر يفتتح حفله الغنائي بالقاهرة الجديدة بأغنية عيد ا


.. حفل خطوبة هايا كتكت بنت الفنانة أمل رزق علي أدم العربي في ف




.. فرحة الفنانة أمل رزق بخطوبة ابنتها هايا كتكت وأدم العربي داخ