الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مساماته ميتة الأن

دارين هانسن

2013 / 5 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


الإجراءات والمعاملات الرسمية في بلداننا مهما صغرت تبدو مهمة شبه مستحيلة لكن هل ذلك يعود إلى غباء الموظفين الذين تم تعيين أغلبهم بالواسطات أم إلى رغبتهم المكبوتة المعلن عنها بشراسة تصرفاتهم في قمع المواطن وقتل كل محاولة ابتسام تزين ثغره في محاولة منه لفهم ما يجري!!
في مطار القاهرة ترحيب عارم بالأجنبي يصل تقريبا حد تقبيل الأيادي أما السوريون فعليهم الإنتظار ساعات طويلة والتهمة هي ربما تزوير جواز سفر! ما يقارب الثلاث ساعات كنت في ذاك المطار احتليت تقريباَ غرفة المدخنين الصغيرة في الجانب المقابل لمكتب الضابط على يدك اليسرى. على الأقل في مطاراتنا العربية يسمح لك بتدخين الذل والتنفيس عنه عبر سجائرك التي تشعلها واحدة من الأخرى من دون حاجتك للولاعة.
بعد انتهاء السجائر ونفاذ الصبر خرجت أصرخ في ذاك الضابط الذي ومن دون أي تحقير أو تصغير أعطاني الجواز وتمنى لي إقامة سعيدة في القاهرة! غريب أمرهم حتى الموظفين الصغار يختبرون قدرتك على تحمل الذل. ربما هذا وحده فقط ما فجر الربيع العربي والثورات العربية
عند بوابة الخروج وانتظار القادمين والتي تخلو من أي جنسية سوى السوريين ينتظرون من علق منا تحت تهمة إمكانية تزوير جواز سفر. تسارعوا يسألونني عمن بقي هناك وبلساني السليط شرحت لهم ما حصل ولعنت السلطات وكفرت بصوت لم يتوقف إلا عندما أخبرني الشرطي بأنه يجب أن أنتبه إلى ألفاظي فأنا في مطار القاهرة!
خرجت أجر حقيبتي لا وجهة لي مقتنعة تماماَ بأن صديقي قد غادر بعد ثلاث ساعات من الإنتظار. لكنه كان أكثر صبراَ مني كان مازال ينتظر ومن خلال ابتسامة فهمت منها بأنه يجب أن أغلق فمي أو على الأقل أخفض صوتي كي نضمن مغادرتنا بسلام وجدته هناك وركضت إليه.
في بيته استرجعنا كل تفاصيل الثورة كل أخبار شوارع سورية وساحاتها وجدرانها وأسماء الأبطال والشهداء والمفقودين والقتلى والمجرمين وأسماء الشبيحة الجدد بينما نسحب من سيجارة الحشيش المصري. ليس سيء بكل الأحوال!
وحفاظاَ على المسافة الأمنة بين الذكرى والدموع قررنا أن نشرب نخب لقاؤنا ونخب سوريتنا التي لن تموت بقينا نشرب ونبحث عن رائحة الخبز والزيتون وأمهاتنا في مسامات جلودنا. بعثرت مساماته فتشت كل واحدة فيها عن رائحة وطن عن غصن زيتون عن ورقة غار نساها هنا أو هناك وهو قلب في مسام جلدي عن رائحة أم حبيبة قلعة رائحة عرق وطني وسيجارة وطنية عن عنوان منسي وذكرى ضيعة وثورة أب وتابوت فارغ وكفن يحوي جنين مولود.. وجدنا دموعنا تتلاقى لتفتح مسامات أخرى تحوي جروح أخرى وفقدان أخر! قبلته كما لم أقبل أحداَ من قبل اعتصرته بحثاَ عن خبر عن انكسار عن ثورة عن غضب يضعني في تلك الحالة السيكولوجية التي يعيشها الأن أطفال بلدي...
قلبني فوق سريره ضمني بقوة يبحث عن ذراع أم. غطا صدري بدموعه التي لم تنزفها عيناه وبقي يحاول أن يبتسم حتى خرست كل كلماتنا الحقيقية وصار حديثنا مجرد غبار لا معنى له فقط لكسر حاجز لا نريده أن يوجد بيننا...وغفينا متشابكين نكمل التفتيش في أحلامنا.
بدأت مواسم الفاكهة الصيفية هنا في القاهرة فواكه بلا طعم جافة لا يحتاج البائع لتجفيفها فقط عليه أن يتركها بضع ساعات إضافية فوق الرف ليبيعها فواكه مجففة بعدها .. طبعاَ باستثناء السوبرماركات الضخمة التي تستورد الفواكه الاسترالية الطازجة لمن امتلأت خزائنه وأرضية عربيته بالجنيهات المصرية.
صوت المذياع يصدح في كل مكان في التكسي في الشارع وحتى أثناء عراكاتهم الشخصية.. أيتنظر الشعب مرسوماً رئاسياَ يقضي على الفقر وعمالة الأطفال وتسولهم في الشوارع في ساعات الليل المتأخرة! رغم ذلك يعجبني ذاك البريق المفعم بالأمل في عيونهم رغم يقيني من خلو أوراق ودفاتر حكامنا من أي بند يعطي الفقير بعض الطعام والتأمين الصحي. ليس صعباً على هذا الشعب العظيم أن يعرف سياسة حاكمه الظالم ولكن الأصعب هو ذاك الذل الذي تعيشه حينما تدخل أحد بارات القاهرة أو كازينوهاتها الضخمة لترى أموال الشعب تبذر من قبل مسؤول ما تحت أقدام راقصة صاعدة.
قريب من شارع الدقي التقيت صديقي بعد انتهائه من إكمال بعض الأوراق الرسمية
جلسنا في مقهى ندردش بعض أخبار ثورتنا نبحث عن ملجأ يستطيع أن يعبر عن حالات الموت في بلادي عن مجد يعطى لأطفالها وصرخة تقهر صمت العالم لكن عبثاَ
ليس لنا سوى منزله الصغير في مدينة النصر يستوعب ما في عروقنا وما خفي تحت مساماتنا
لكن كي نستنطق مساماتنا كان لا بد لنا من المرور بمحل اسمه الكيز لنبتاع من هنا ما يوقظ كل المسامات في لحظة تجلي
لا داعي أن تشغل بالك بالحشيش هنا فيمكنك طلبه ديليفري ليأتيك إلى المنزل وبأسعار زهيدة ربما يقولون في المستقبل بأنه منتج إسرائيلي تهدف منه إسرائيل إلى زعزعة وإضعاف شباب البلد لكني أشك بأنه مخدر وطني قد تم إنتاجه تحت إشراف السلطات لإشغال شباب البلد عن المطالبة بحقوقهم كإنسان!
تمددنا فوق سريره يدان تتشابكا معاَ وقبل تتطاير لتستقر أينما تقع واليدان الأخرتان على محرك البحث غوغل. كلانا يبحث عن بقعة لا يموت فيها تعيده بشكل أو بأخر إلى ربوع الشام. انتهى هو على الفيس بوك وأنا انتهيت بإيجاد تيكيت طيارة رخيص جدا ً إلى بيروت. قبل أن أبدأ كلامي بالمفاجأة بدأ هو بالقراءة عالياَ لشيء كتبه صديق مشترك عن القيام بتسيلم السلطات اللبنانية الناشطين السوريين في بيروت إلى الجهات الأمنية الرسمية! صدمت كثيراَ ألم نتعود نحن السوريون أن نقول بأن لبنان بلدنا الثاني! بدأ هو بالشماتة والتعليق ورحت أنا أمحي المعلومات المظلوبة من أجل شراء تيكيت الطيارة لننتهي معاَ كلاَ منا مصدوم بما رأى بطريقته. كان عندي أمل أن أذهب إلى بيروت لأشم رائحة دمشق من هناك. تباَ للعهر السياسي الذي يقتل حتى أحلامنا بلحظة عمياء . استدار إلي وأنا أغلق حاسوبي لينشتلني من جلستي ويبحث في مسامي مجدداً عن رائحة ما. عانقته وبدأت البحث في مسامه لكن ليس عن رائحة هذه المرة. عن أمل يعطيني مد للحياة عن تعريف للعروبة بلحظة عري كل قومياتنا العربية وسقوط كلمة عروبة على أيدي أطفال سورية، عن توضيح للتخاذل القومي العربي تجاه ما يحصل في بلدي الذي استقبل كل عهر العرب. مساماته ميتة لا شرح فيها لا أمل لا جواب.. فتحت ذراعيه وأخفيت رأسي أشم رائحته هو وأغفو على صوت عوده الحزين.. وفي حلمي أعود مجدداَ من دون عناء إلى الدرج القديم في ساحة باب توما!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لى الصديقة الغالية دارو
مكارم ابراهيم ( 2013 / 5 / 3 - 08:56 )
اين انتي عزيزتي ابحث عنك بين سحب الربيع
اعجبتني هذه الجملة حسب رايك بان ربما هذا وحده فقط ما فجر الربيع العربي والثورات العربية
ربما رايك فيه شئ من الصواب
متى نلتقي؟
اشواقي
مكارم

اخر الافلام

.. مصدر أمني: ضربة إسرائيلية أصابت مبنى تديره قوات الأمن السوري


.. طائفة -الحريديم- تغلق طريقًا احتجاجًا على قانون التجنيد قرب




.. في اليوم العالمي لحرية الصحافة.. صحفيون من غزة يتحدثون عن تج


.. جائزة -حرية الصحافة- لجميع الفلسطينيين في غزة




.. الجيش الإسرائيلي.. سلسلة تعيينات جديدة على مستوى القيادة