الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صباح الحب و الالم

جعفر مهدي الشبيبي

2013 / 5 / 3
الادب والفن


في صبيحة يوم ربيعي عراقي دافئ . كما هي عادة الربيع في العراق يمزج بين دفء الشمس و البرد اللطيف في الظل,...افتتح هذا الصباح الربيعي بنقرات مطر خفيفة منعشة تلطف الأجواء و تبعث في الأرض رائحة التراب المثقلة برطوبة الهواء,
و لدقة حبات المطر فقد حملتها الريح أينما شاءت و إلى إي مكان ارتأت و ارتحلت. و رغم هذا التمازج الجميل بين المطر و الرياح فانك تشاهد طيور الحمام الحمراء و البنية تطوف بالسماء على شكل مجاميع تحيي السطوح و المنازل. و تخفق بأجنحتها مبتشرة بالمطر و الانتعاش و توحي لك بأنها اقوى من ثقل المطر و الريح و دون إن يقدرا على إن يثقلا جناحيها اللطيفين, فكان المطر ,مسالما ,جميلا ,لطيفا , إلا على الأرض, حيث غطت الأرض ,برك من المياه, و طبقات من الوحل, و الطين, يبين أكثر عندما يعلو على بناطيل الصغار المتجهين نحو المدرسة, حيث يضطرهم الوحل و الطين, على إن يقفزون كالأرانب يلتمسون أرضا صلبة توفق لكي تحمل أجسادهم الرشيقة ,وهم يضحكون, لقفزاتهم و يلهون لسقوط احدهم في وسط الوحل, و يبتشرون, يتشاركون الفرحة. مع صف أشجار الصفصاف على طرف الطريق, فالشجر و الفجر و الصباح والمطر و الندى و الربيع أحاديث عشق خالد لا تنتهي و لا تفنى و لا تزول,
فكان الجمال في كل أركانه يعلن إن نهارا جميلا سينطلق في حسابات الكون و الحياة و الأرض و السماء!
كان ضوء الشمس خافتا, تشاركت في تغشيته و تغطيته ,مجموعه من الغيوم الرمادية و مجموعه أخرى ذات اللون الرصاصي الفاتح, و قد سمح هذا السحر المهيب للعصافير إن تزقزق, في كل أركان المدينة فتسمع منها صوت من نوع أخر و تحس انه مختلفا عن زقزقة كل يوم!
الناس ملئت الشارع الرئيسي و الذي يحاذي طلتين لي علية الأولى من على شرفه الطابق الثاني و الأخرى من على الحديقة الخارجية المترامية الإطراف بجنب الشارع الترابي و الذي يشكل شارعا رئيسيا للمحلة!
كان الرجال الأكثر سيرا بسرعة و في وسط شرود و حسابات و هواجس دفينة و الكلام مع الذات المعنوية !
كانوا غير عابئين بالمطر و الوحل فكانوا يسيرون كقاطرة لا تعرف إن تقف لأي سبب كان و ما كان ينقصهم في هذا الصباح الجميل إلا إن يثبتوا صافرة القاطرة على تلافيف أدمغتهم و يسيروا يشقون الطريق غير مبالين بشيء جميل و مختلف من نور الدنيا و رونقها ! إذ إن للحياة دوامة من الاضطرابات تجعل من الرجال ينزوون تحت عباءتها باستذلال و ينحنون لصعوبتها كالعباد المطيعين !
كان هم العيش و الفقر و البحث عن الرزق في وسط إكسير حياة لا يفلح الجميع إن يتذوقوا الأجمل و المسكر و الخمر فيه فالأغلب يشربون منه المر و التعاسة و القهر و يرسم على وجههم خطوط التعصب و القنوط!
وفي أسوء حالات الدنيا هي إن تدور كالرحى تطحن الإنسان بينها حجريها و لا يعيقها شيء!و لا يبكيها شيء!
أحسست إن الحياة رغم جمال الدنيا في هذا اليوم إلا إن هناك ممن لا وقت لهم لان يعبئوا بالجمال و الحسن ! إذ كان كل يوم في عاقلتهم كسابقة لا يفترق عنه شبرا و لا يحيد عنه مقدار شعرة أبدا.
و قد تعودوا في البرد و الحر و الربيع و الخريف إن يخرجوا يسعون في معترك الحياة و قسوتها ينخرون جسد البؤس و الفقر باضفارهم المجردة ليعودوا يحملون الطيبات إلى البيت ,كانت الحياة و لم تتغير حتى بعد النفط و الحرية و الديمقراطية كما هي لم يتحسن فيها شيئا إلا اللهم علت بعض البيوت لتناطح العمارات و شيدت من أموال الحرام للسادة المسئولين الشرفاء.وبقى هؤلاء الزاحفين مع كل صباح كما هم لم يدخل لهم شيء و لم يخرج منهم شيء و لم ينظروا للعالم بشيء أخر!
هكذا هي الحياة دوامة تلف في داخلها الملايين من البشر فتؤذي رؤوسهم و تعصر صدورهم و تخنقهم في النهاية و ترسلهم إلى شفير القبر يحملهم أحبتهم وناسهم و يدخلونهم فيه و يهيلون التراب عليهم ليودعوهم و يذهبون بخطاهم نحو الدوامة نفسها التي عصرت احدهم للتو!
كانت هذه الدوامة كالإلهة الفرعونية المصرية طابعها الإله المادي, الذي يضع على رأسه الذهب و يلبس الحرير , و يتقلد بالذهب , و الألماس, و يمسك صولجانا من ذهب خالص و يجلس على كرسي مذهب, و مزدان بأحجار كريمة و يضع عن يمينه الفواكه و الشراب و عن شماله النار و البخور و الدخان الذي يزكم الأنوف و يخنق النفس.
وحوله ينتشر الملا يلبسون افخر الثياب الحريرية المزينة بالأحجار الكريمة و الذهب و الفضة و الألماس و حالقي شعورهم و منمقي أنفسهم لأنهم في حظره الالهه الكبرى التي لابد إن يعبدها الرقيق المنتشرين على طول المملكة يحملون الحجر و يسقون الزرع و يطعمون الحيوانات و يصنعون الحلوى و يصقلون الحديد للالهه الكبرى, المتربعة على عرش الإلوهية الأكبر , فالملا يضيفون تقديسا مصطنعا و عبودية و رهبانية و تواضع أشبة بالاستحمار للالهه , و في الوقت نفسه ينسجون روايات و أساطير تخص الالهه كيف تمنح الحرية و الحب و تعطي بدون سؤال و تتكلم بدون شفاه و تعرف بدون خبر و تسير العالم و الكون و تضع الجبال و تزيلها و تصنع الغمام ليمطر في مدينة ما و ترسل اللهب إلى الصوامع و القرى البعيدة التي لا تؤمن و تنزل العذاب عندما تتغير تعابير وجه الالهه التي يعرفون حقيقتها و انها لا تضر و لا تنفع و لا تشبع و لا تسمن و لا تغني و لا تفقر و ما هي إلا ما نفخ فيه الملا و ادر عليهم ذهبا و فضة و جواري!
كان الملا اشد خطرا من الالهه التي عظموها إذ لم يجد هذا الفرعون من يقول له ارجع إلى أصلك و تيقن انك سوى أحمق ملئوك هواء و أصبحت تطير به و تستعلي على الناس لم يجدوا موسى و إبراهيم و عيسى و محمد ليوقف هذا الإعصار الذي يلف به الملا حتى أسفر عن دوامة تتحرك بمفردها و تدور كما الفت نفسها على الدوران..
هذه هي دوامة الحياة بكل بساطة إذ أنها ليست سوى خرافة ينسجها الملا و ينمقها الجهل و يلونها الحمقى اللذين لا زالوا يحرثون و يمسحون الروث و المخلفات و يبنون لقبورهم فلا يعرفون من الحياة إلى الرحم و القبر و ما بينهما فليس لهم بل كان وقتا مستأجرا للالهه التي استعبدتهم هم و إبائهم الأولون؟
هذا الاستذلال و الغطرسة لم يكن وليد اليوم و الساعة بل كان يشكل تاريخا إنسانيا كاملا منذ اللحظة الأولى التي خرج فيها الإنسان إلى الدنيا و لم يفلح العبيد إن يتخلصوا منه في يوم من الأيام إلى في فترات متباعدة تلمع هنا و هناك و تتوضح في عصر و تهفت في عصر أخر .
و على مدى عمر العبيد لم يعرفوا إن يقفوا في وجه إلهتهم التي صنعوها بأيديهم على مر التاريخ و ركنوا إلى التذلل و التقديس لها على مر الزمن و كأنهم توارثوا إن لا يعيشوا إلا تحت استحقار و استحمار متجدد و دائم,؟
و أصبحوا لا يجدون لذة في الحياة بدونهما للأسف الشديد!
كان التاريخ مظلما دوما في وجه الإنسانية فلم يمنحها النور لكونها لا تقدر إن تطلبه و لا تعرفه و لم تهتدي إلية مع انه موجود في بشكل أولي في دفائن عقولها و نفسها ,و أنها لم تشعر بطعم الحياة يوما لكونها لا تعرف طعما غير المر و الحنظل الذي شل حاسة التذوق فيها! و لم يتوالد منها جيلا يحسنون إن يقفوا و يمنحوا عقولهم النور البسيط لكونهم توارثوا الجهل و التعبد بما ألفوا علية إبائهم عاكفين.
و لم يغيروا سرابيلهم يوما و لم يتزينوا و لم يتعطروا و لم يشعروا وبكل صراحة كانوا أمواتا تسيرهم روح الالهه و سيادة الملا المقدس!
و هل أراد لهم الله إن يكونوا هكذا أم أتى على النبيين دهرا يقولوا نحن أبناء الله أو نحن إلهه من دونه !
إن إبائهم لم يصبروا على فراق موسى فصنعوا العجل !
و أجدادهم لم يسمعوا نوحا و هربوا إلى الجبال و صعد الحمير مكانهم في السفينة!
و جدهم الأعلى لم يقدر على نفسه فقتل اخية و تعلم من الغراب إن يواري سوءته!
و إبائهم اخرج لهم التابوت فيه سكينه و انزل عليهم المن و السلوى فطلبوا الثوم و البصل!
و إبائهم اخرج لهم موسى ينتصر على ربهم الأعلى فتركوه و تاهوا على وجوههم في الصحراء دهرا !
و خلق لهم يحيى يخلصهم فقتلوه و أهدوا راسة إلى بغي من بغايا بني إسرائيل.
و خلق لهم عيسى فصلبوه و عذبوه !
و خلق لهم محمدا فتركوه و هربوا و تخلفوا و اذووا !
و خلق لهم وصيا يحفظ لهم دينهم فبعضهم عبده و الملا استغلوه و صبغوا الالهه باسمه!
و خلق لهم أوصياء فبعضهم سموهم وبعضهم قتلوهم و قطعوا رؤؤسهم و هم يتشبعون لهم و يعيشون في الكوفة إلى ألان!
و يستمر التاريخ و الإنسان يتجدد وفق معطيات متوالدة و مستنسخه و متجانسة و يبقى الالهه الفرعونية إلهة الاستذلال و الاستصغار تتقمص الشخصيات على مر التاريخ فمرة تلبس ثوب فرعون و مرة أخرى ثوب الملا و مرة أخرى ثوب الدين بن باعورا و مرة ثوب الهيبة العسكرية لهامان و مرة ثوب القوى المادية قارون ومرة تسلب ثوب موسى و صليب عيسى و قميص محمد و مدرعة علي و صرخة الحسن و الخلافة للمهدي !
و جنده!
و السائرون على رغبة الالهه يملئون الدنيا كأنهم الأموات اجتمعوا ليعيشوا من جديد و يتوالدون يوما بعد أخر لا يشعرون بك أبدا إن تكلمت و يفترسونك إن شخصك الملا و فرعون و هامان و بلعم بن باعورا !
فنحن في هذه الدنيا إما بكماء حكماء لا يسمع لنا قول و لا يفهم لنا منطق أو نحن كالضحايا تقطع أوصالنا عسلان الفلوات بين النواويس و كربلاء فيملان منا اكراشا جوفا و بطون سغبا...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??


.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??




.. فيلم -لا غزة تعيش بالأمل- رشيد مشهراوي مع منى الشاذلي


.. لحظة إغماء بنت ونيس فى عزاء والدتها.. الفنانة ريم أحمد تسقط




.. بالدموع .. بنت ونيس الفنانة ريم أحمد تستقبل عزاء والدتها وأش