الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكاية قروية قصة: روبرت ڤالزر

خليل كلفت

2013 / 5 / 3
الادب والفن


حكاية قروية
قصة: روبرت ڤالزر
Robert Walser
ترجمها عن الإنجليزية: خليل كلفت
جلستُ إلى مكتبى، على مضض إلى حدّ ما، لأعزف على البيانو، أعنى لأشرع فى الكتابة عن مجاعة البطاطس التى أصابت منذ وقت طويل قرية تقع فوق تل يبلغ ارتفاعه نحو مائتى متر. وبجهد جهيد انتزعتُ من ذاكرتى حكاية لا تتحدث عن شيء أكثر أهمية من فتاة ريفية. وكانت كلّما عملتْ أكثر صارتْ أقلّ قدرة على تدبير أمر نفسها.
كانت النجوم تتلألأ فى السماء. وكان راعى القرية، التى جرى فيها ما يُحكى هنا، يقف فى الخارج يشرح لرعيته الشباب نظام الكواكب السيّارة. وكان أحد الكُتاب ينهمك فى حجرة مضاءة بمصباح فى عمله المتعاظم بسرعة، عندما نهضت الفتاة، وقد أهاجتْها الرؤى، من فراشها عاقدة عزمها على أن تقذف بنفسها فى البركة، وهو الأمر الذى فعلته برشاقة مُضحكة تقريبا.
عندما عُثر عليها فى الصباح التالى فى حالة جعلت من الواضح للجميع أنها كانت قد كفتْ عن مواصلة الحياة، ثار السؤال بين هؤلاء الريفيِّين: هل ينبغى دفنها أمْ لا. لم يكن هناك شخص لديه استعداد لأن يضع يده على الشيء المنتهى الذى يرقد هناك ساكنا تماما. لقد أكَّد الاستياء القبلى نفسه.
اقترب وكيل الشريف من الجماعة، التى أثارت اهتمامه من وجهة نظر الرسم فى المقام الأول، ذلك أن بوسعه أن يرسم فى ساعات فراغه، حيث أن الحكومة لا ترهقه بأعباء أية رسوم باهظة. وقد حثّ القرويِّين فى الحال على أن يكونوا عقلاء، غير أن اعتراضاته لم تلق نجاحا، ذلك أنهم لم يكونوا ليدفنوا الفتاة مهما كلف الأمر، وكأنهم كانوا يعتقدون أنه قد يؤذيهم أن يفعلوا ذلك.
اندفع الشريف، بخطى واسعة، إلى داخل حجرة مكتبه بنوافذها الثلاث التى كان يتدفق من خلالها ضوء باهر للغاية، وكتب تقريرا عن الحادث أرسله إلى سلطات المدينة.
لكنْ أية مشاعر تهاجمنى بعنف عندما أفكِّر فى المجاعة التى ارتفعتْ أمواجها أعلى فأعلى! لقد أخذت الجماهير تزداد نحولًا بشكل لا يُوصَف. كم كانت الجماهير تتوق إلى الطعام!
فى ذلك اليوم ذاته، أخذ شغيل - ذو كفاءة ممتازة - بندقية من مسمارها على الحائط وأطلق النار، بغضب شعبى أصيل، على غريمه الذى كان يعبر الشارع تحت، وهو يغنِّى بكل براءة، وهذا برهان ساطع على كمْ كانت أيامه سعيدة. والواقع أن غريمه كان عائدًا لتوّه من لقاء ناجح مع السيدة الشابة، التى بدا أنها إنسانة غير حاسمة إلى حدّ مّا، ذلك أنّها كَىْ تعبث بهما كليهما قدّمت إليهما كليهما آمال قمة السعادة.
ولم يحدث مطلقا فى كل سنى عملى ككاتب أن كتبتُ حكاية عن شخص يسقط، مُصابا برصاصة. هذه هى المرة الأولى التى يقتل فيها أحد الأشخاص فى أحد أعمالى.
ومفهومٌ أنهم رفعوه وحملوه إلى أفضل كوخ مجاور. وفى ذلك الزمن لم تكن توجد فى الريف منازل، بالمعنى المرفَّه الراهن للكلمة؛ لم يكن هناك سوى مساكن فقيرة، كانت أسقفها المصنوعة من القش تصل إلى الأرض تقريبا، كما لا يزال بوسع المرء أن يرى، فى وقت فراغه، فى قلة من الأمثلة المتبقية.
عندما سَمِعَتْ سيدةٌ شابة، حسناء ريفية ذات أرداف رجراجة وبدن طويل مشدود، ما جرى بسببها، وقفتْ فى مكانها ببساطة، مستقيمة كالسهم، تفكِّر بعمق.. ربّما فى طبيعتها الفريدة.
توسَّلَتْ إليها أمها أن تتكلم، غير أن كل ذلك كان عبثا؛ لقد بدا أنها تحولت إلى تمثال.
طَارَ طائرُ لَقْلَق عبر الفضاء اللازوردى فى الأعلى فوق دراما القرية، حاملًا فى منقاره طفلا رضيعا. وهمست أوراق الشجر، وقد هبَّتْ عليها ريح خفيفة. ومثل رسم مطبوع، كان ذلك كله لا يبدو طبيعيًّا البتة.
(1927)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عادل إمام: أحب التمثيل جدا وعمرى ما اشتغلت بدراستى فى الهندس


.. حلقة TheStage عن -مختار المخاتير- الممثل ايلي صنيفر الجمعة 8




.. الزعيم عادل إمام: لا يجب أن ينفصل الممثل عن مشاكل المجتمع و


.. الوحيد اللى مثل مع أم كلثوم وليلى مراد وأسمهان.. مفاجآت في ح




.. لقاء مع الناقد السينمائي الكويتي عبد الستار ناجي حول الدورة