الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أمريكا والنفط وسياسة التدخل

عزت اسطيفان

2013 / 5 / 4
مواضيع وابحاث سياسية



تأليف: ميكا ل. سفري
ترجمة وتقديم محمد ضياء عيسى العقابي وعزت إسطيفان
مقدمة المترجمين:
كُتب هذا البحث من قبل كاتب أمريكي عام 1999. ما دفعنا إلى نشره الآن، رغم قدمه ورغم إختلافنا مع بعض وجهات نظر الكاتب، هو رغبتنا في تنوير معظم مثقفي الجيل الجديد وتذكير معظم مثقفي الجيل القديم من أبناء شعبنا العراقي وخاصة العلمانيين منهم.
أردنا التنوير والتذكير بقضية هيمنت على مسرح السياسة الدولية ربما حتى قبل نهاية القرن التاسع عشر حينما أعلنت الولايات المتحدة أن القرن العشرين سيكون قرن النفط الأمريكي . أردنا التأكيد أيضاً على إستمرار هيمنة الموضوع النفطي على سياسات الوضع الحاضر، أي عصر العولمة ، رغم تبدل أشكال ووسائل التنافس والصراع .
إن هذا البحث يعتمد على وثائق أمريكية رسمية وقد وجدنا أنها تعزز الإستنباطات التحليلية الإيديولوجية التي كانت تعتمدها القوى المناوئة للمعسكر الرأسمالي في القرن الماضي في مهاجمة الغرب سياسياً وتأجيج حركات التحرر الوطني والحركات الوطنية في العالم الثالث ضده .
على أساس ذلك الصراع الإمبريالي على الأسواق العالمية ومنابع البترول إندلعت الحرب العالمية الأولى بين الدول الأوربية وفي أثنائها تم عقد إتفاقية سرية بين بريطانيا وفرنسا وموافقة روسيا القيصرية على تقاسم الشرق الأوسط في حالة الإنتصار على الدولة العثمانية . وقد فضحت حكومة الثورة البلشفية تلك الإتفاقية ونشرتها على العالم عام 1917. وبعد إنتهاء الحرب تم إنعقاد مؤتمر (سان ريمو) في الرفيرا الإيطالية عام 1920 الذي قرر مصير الدول التي كانت تحت حكم الإمبراطورية العثمانية التي خسرت الحرب . ركز المؤتمر أساساً على تقاسم الثروات النفطية في تلك البلدان.
وعلى هذا الأساس ذاته إنتهجت الرأسمالية العالمية سياسة الحرب الباردة بعد نشوب ثورة أكتوبر الإشتراكية التي أعلنت مساندتها لنضال الشعوب من أجل الإستقلال الوطني والحفاظ على ثرواتها الوطنية.
لقد أشعل الصراع على النفط والثروات الطبيعية عموماً الحرب العالمية الثانية وكان مشروع إنشاء سكة حديد بصرة – بغداد – برلين أحد أسباب إندلاعها ، وتسبب الصراع ذاته في النصف الثاني من القرن العشرين في حرب باردة وأزمات ومواجهات سياسية خطيرة ، قبع النفط والمصالح الإقتصادية عموماً في جوهرها ، كادت أن تدمر العالم بأجمعه بعد تطوير الأسلحة النووية الفتاكة.
واليوم وبعد تفكك الإتحاد السوفييتي وتوقف الحرب الباردة خفت حدة التوتر وبدى الأمر وكأن الصراع على البترول بين الدول الغربية قد إنتهى . هذا غير صحيح إطلاقا ً. فرغم أن أمريكا شجعت صدام على إحتلال الكويت إلا أنه كان تشجيعاً كيدياً لأهداف ستراتيجية نفطية – سياسية إذ قادت حرباً عالمية ضد العراق بحجة مقنعة للغرب وهي ضرورة عدم السماح لصدام بالسيطرة على 13% من نفط العالم وحصل ما حصل من تدمير للعراق وللتضامن العربي على هزالته المزمنة أصلاً.
هذا وقد أشار محللون سياسيون كثيرون إلى أن من دوافع إحتلال أفغانستان بعد هجوم تنظيم القاعدة الإرهابي المدان في 11/9/2001 على أمريكا - هو الإقتراب من دول شرق آسيا السوفييتية سابقاً الغنية بالبترول والتي تمر عبرها أنابيب النفط أيضاً.
ومن بعد ذلك جرى إحتلال العراق وسط معارضة أوربية شديدة في مجلس الأمن (عدا بريطانيا حليفة أمريكا التقليدية). لقد لخص مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأمريكية لمديرة مكتب صحيفة " الشرق الأوسط " في واشنطن هدى الحسيني ، لخص دوافع الغزو الأمريكي للعراق برغبة أمريكا في جعل العراق حليفاً "عسكرياً ونفطياً قوياً" على حد قوله. (وهذا ما لم تسمح به حكومة إئتلاف دولة القانون وزعيمه رئيس الوزراء السيد نوري المالكي).
وأخيراً لم يعد خافياً دوافع "الحميّة" الإنسانية للتدخل المسلح في ليبيا ودور البترول الليبي في تلك الحملة. كما إن تقارير سياسية كثيرة تشير إلى أن وجود إحتياطي ضخم من الغاز في سوريا إضافة إلى موقع سوريا الستراتيجي وكونها الركيزة الأساسية في منظومة الممانعة للتمدد الإسرائيلي في فلسطين المحتلة والمنطقة العربية هي الأسباب الحقيقية وراء التآمر على سوريا التي طالب شعبها وهو على حق بالديمقراطية غير أن التآمر العالمي الذي مثله في المنطقة كل من تركيا والسعودية وقطر قد حولوا حراك الشعب السوري إلى صراع طائفي إرهابي.
إن كل من يعتقد بأن العراق أصبح الآن في مأمن من شرور شركات النفط فهو مخطئ. إن ما تبدل عن أيام الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم هو الأسلوب لا غير. أما هدف السيطرة على البترول فهو هو لم يتغير خاصة وأن هناك من يريد أن يُدفع له ثمن تحرير العراقيين ، والتحرير أمر تُشكر عليه أمريكا لأن نظام طغمة البعث المتسم بالطائفية والعنصرية والدكتاتورية والديماغوجية بلغ من الطغيان حداً لم يعد قادراً على إطاحته سوى الله أو أمريكا. ولكن التحرير جاء كناتج عرضي ولم يكن هو المقصود من الغزو، لذا فلا مقايضة هناك ولا يحق لشركات النفط التذرع بها لإنتزاع مكتسبات غير مشروعة.
كانت قيادة الجيش الطائفي العنصري وحزب البعث هما الأداة التي ذبحت بها شركات النفط الشهيد عبد الكريم قاسم ونظامه الوطني . أما اليوم فهناك جيش وطني يلتزم معايير الحرفية والمهنية، والأهم وجود قاعدة جماهيرية شعبية عريضة قادرة على دعمه ودعم النظام الديمقراطي من أي عدوان أو تآمر داخلي أو خارجي.
لذا عمدت شركات النفط إلى أسلوب آخر لمواجهة الحكومة الفيدرالية المنتخبة ديمقراطياً في بغداد والتي إعتمدت أسلوب "عقود خدمة" عبر جولات تراخيص شفافة لم ترق لشركات النفط التي طالبت بالأخذ باسلوب "المشاركة في الإنتاج" لما يحققه من أرباح طائلة غير إعتيادية.
تم على ما يبدو، تقديم مغريات من قبل شركات النفط وتركيا والسعودية وقطر المدعومة إسرائيلياً، لفريقين عراقيين هما إئتلاف العراقية بقيادة السيدين أياد علاوي وأسامة النجيفي لإيصالهما إلى سدة الحكم وإسترداد حكم طغمتهم الساقط مقابل إفتعال حرب مع إيران لتتسلل تحت جناحها إسرائيل لضرب المنشآت النووية الإيرانية.
كما يبدو، أيضاً، أنه تم تقديم مغريات سياسية موعودة، قد لا تبصر النور وتضر بقضية ونضال الشعب الكردي العادل ، لزعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني ، ذي الطبيعة شبه العشائرية ، مقابل إضعاف حكومة بغداد وتشتيت قاعدتها الشعبية لتصبح الحكومة ويصبح العراق ألعوبة بأيدي تلك الجهات. لقد صرح الرئيس مسعود البرزاني ، رئيس الحزب الوطني الكردستاني تصريحاً خطيراً جداً في معرض رده على تحذير الحكومة الفيدرالية ببغداد شركات النفط من حرمانها من حق المنافسة في جولات تراخيص النفط إذا ما دخلت مع حكومة كردستان بإتفاقيات نفطية سرية ولا تحظى بموافقة وزارة النفط المركزية، كان تصريح السيد البرزاني نصاً كما يلي: "إن شركات النفط تعادل في قوتها عشر فرق عسكرية وإنها إذا دخلت بلداً فلا تغادره". وهذا يعني بوضوح أن شركات النفط باقية وعلى حكومة السيد المالكي أن ترحل كما رحلت حكومة الشهيد عبد الكريم قاسم. إنه تهديد واضح نيابة عن شركات النفط موجه للحكومة العراقية المنتخبة ديمقراطياً.
نقول إن التنوير والتذكير مهمان جداً اليوم إذ فرضتهما حقيقة تدعو إلى الإستغراب والأسف تخص وطننا العزيز العراق وشعبنا الكريم.
داعي الإستغراب هو خلو معظم المقالات السياسية من تناول موضوع النفط العراقي منذ سقوط النظام البعثي الطغموي. وما يدعو إلى الأسف أن معظم تلك المقالات تجعل المراقب لا يخفق في ملاحظة إغفال الكثير من المثقفين اليساريين معيار الحفاظ على الثروة العراقية النفطية الذي تم على يد حكومتي الإئتلاف العراقي الموحد ومن ثم التحالف الوطني بقيادة إئتلاف دولة القانون وزعيمه السيد نوري المالكي.
نعم لقد تم إغفال هذا المعيار الخطير كما تم إغفال معايير خطيرة آخرى كثيرة كان أهمها إخراج قوات الإحتلال من العراق وإستعادة الإستقلال والسيادة الوطنيتين اللتين ما كاد يخلو مقال أو بيان حزبي واحد لمختلف الإتجاهات السياسية العراقية من التباكي عليهما أيام العهود الطغموية الدكتاتورية ، واليوم أصبحت الخطابات وكأنها صحاري قاحلة.
كل ذلك، بإعتقادنا ، يعود إلى تراجع في الفهم العلمي لجوهر النظام الرأسمالي الذي كان اليسار قبل تفكك الإتحاد السوفييتي يحمّله المسؤولية حتى إذا عثر الطفل، واليوم أصبح بقدرة قادر وديعاً ولم يرَ البعض الجانب السلبي في سياسة أمريكاً بعد الإحتلال المتمثل بشل يد الحكومة العراقية وإفشالها لمحاولة تشتيت جماهيرها وإسقاطها وصب المجتمع العراقي بقوالبه وجعل الديمقراطية شكلية وفي خدمته لولا الإئتلاف العراقي الموحد والتحالف الوطني اللذان حالا دون تحقيق ذلك المبتغى. ويعود أيضاً إلى طغيان النزعة التكتيكية الجانحة نحو التسقيط السياسي أكثر من تحكيم المعايير الوطنية الموضوعية العادلة في التحليل وفي تقييم الأداء الحكومي. إنها نفس العقلية التي أجهضت تمرير قانون البنى التحتية لحجة صفيقة معلنة دون حياء وهي الحيلولة دون إرتفاع شعبية المالكي وكأن المطلوب من رئيس الوزراء الجلوس دون حراك ولا بناء لكي يفشل وينبذه الشعب ويصعد الأفندية إلى سدة الحكم!!! هذا ليس تنافس ديمقراطي!! بل إنه إستهتار بمصالح الجماهير!!
ولما تخطت حكومة التحالف الوطني بقيادة السيد نوري المالكي جميع المصاعب والتآمرات الداخلية والخارجية ومال الوضع إلى الإستقرار بعد إخراج القوات الأجنبية، تأججت التظاهرات في المنطقة الغربية من العراق وسرعان ما خطفها الطغمويون والتكفيريون ووجهوها وجهات خطيرة كالمطالبة بإسقاط الدستور والعملية السياسية والإعتداء على/ وقتل أبناء القوات المسلحة والأمن والشرطة ما يدل على أنها مفتعلة من الأساس، وحتى ما هو مشروع من مطالبها يمثل تقصيراً متعمداً من جانب وزراء ونواب ومحافظي المنطقة الغربية من أجل تأجيج الجماهير البريئة.
على أن الوجه المفرح في المشهد العراقي هو الوعي الشعبي الغريزي للجماهير العراقية الذي إنطلق من غريزة الحفاظ على الحياة في مواجهة الإرهاب الذي يجهر بعداءه السافر للشعب وتصميمه على إبادته. لقد إمتد ذلك الوعي الشعبي الغريزي ليشمل دعم النظام الديمقراطي والعراق الجديد والحكومة في معظم سياساتها ومنها السياسة النفطية وقد كافأها عبر صناديق الإقتراع وعاقب من تجنّى على الواقع رغم تعديل قانون الإنتخابات لصالح الكتل الصغيرة وسيأتي المزيد من الإخفاق كما نتوقع إذا لن يبادروا إلى مراجعة الذات مراجعة موضوعية جريئة.
محمد ضياء عيسى وعزت إسطيفان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


أمريكا والنفط وسياسة التدخل
ميكا ل. سفري
ماهو الغرض من التواجد العسكري الامريكي في منطقة الخليج؟ هل هو إقتصادي، أوالنفط ؟ ام لاسباب أخرى ذات أبعاد مصيرية سياسة مخفية ؟
قال الرئيس الامريكي بوش الأب أثناء محاولاته تشكيل تحالف دولي للتدخل في الكويت وطرد قوات صدام حسين، التي إحتلت هذا البلد الصغير، الحيوي للمصالح الأمريكية والغرب عموما ً " إن الأمر الأساسي والمصيري هو فيما اذا كان بإستطاعة المجتمع الدولي إتخاذ موقف موحد ضد العدوان.... فيما إذا نعيش في عالم يُحكَم بالقانون أم بشريعة الغاب..". ربما لن نعرف ألأسباب الحقيقية لهذا التدخل الأمريكي لسنوات طويلة . لكن ليست هذه المرة الأولى التي يجري فيها إرسال قوات عسكرية وبحرية أمريكية إلى منطقة الشرق الأوسط بسبب أحداث سياسية في العراق !! كما أنها ليست المرة الاولى التي يقوم بها مخططو الأمن القومي الأمريكي بالتهديد بإستخدام القوة لحماية الكويت.

في صيف 1958 قام الأمريكيون بتنفيذ الأمرين السالفين معا ً عندما أرسلوا ١٤ الف من الجنود الى شواطئ لبنان لدعم الحكومة الموالية للغرب هناك، إثر الإنقلاب العسكري المعادي للغرب في العراق [يقصد ثورة 14 تموز]. كان الهدف المعلن للتحرك الأمريكي هذا هو لوقف المد الشيوعي نحو لبنان والدفاع عن إستقلال هذا البلد الصغير . لكن وثائق سرية في غاية الأهمية جرى نشرها مؤخرا ً تدل على أن الخطوة الأمريكية هذه لا علاقة لها بالدفاع عن حقوق وكرامة الأمم والبلدان الصغيرة في مقاومتها للعدوان الخارجي والدكتاتوريات الأجنبية الشيوعية [حسب المفاهيم الأمريكية]، ولا بالنظام الدولي الجديد .
في ١٤ تموز ( يوليو ) ١٩٥٨ قامت مجموعة من الضباط الشيوعيين والقوميين والناصريين، بإنقلاب عسكري أطاح بالنظام الملكي الموالي للغرب وبالحكومة العراقية برئاسة نوري السعيد المدعومة من بريطانيا. أحدث هذا التغير المفاجئ في العراق هزة ً كبيرة في المنطقة ،وخلق قلقا ً شديدا َ لدى الحكومات العربية الموالية للغرب في الأردن ولبنان، اللتين سارعتا إلى طلب المساعدة الفورية من حلفائهما في الغرب. في نفس الوقت وصفت صحيفة نيويورك تايمس بأن العراق هو "مصدر نفطي لا يعوض" وهو "حجرالأساس" لحلف بغداد، الذي كان تحالفاً بين بريطانيا ، تركيا ، باكستان ، العراق وإيران ..، وأن العراق هو " آخر معقل للنفوذ الغربي في المنطقة ".
حقا ً كان نوري السعيد متحمسا ً ومساهما ً فعالا ً وتحت غطاء بريطاني ، لتغيير الحكم اليساري في سوريا.
إعتقد الغرب بأن الإنقلاب في العراق وجه ضربة موجعة للمصالح والقيم الأمريكية.. وأن جمال عبد الناصر، أو الروس، أو كليهما كانا وراء هذا الإنقلاب . بالإضافة إلى ذلك إزداد قلق الإنكليز من إحتمال حدوث إنقلاب في مشيخة الكويت الغنية بالنفط ، وبدأوا يفكرون في التخطيط للتدخل المسلح في العراق.
عند وصول هذه الأخبار إلى واشنطن صبيحة يوم ١٤ تموز ، عُقد إجتماع في مقر وزارة الخارجية ، برئاسة جون فوستر دالس وزير الخارجية ، والجنرال نيثان تويننك قائد الأركان ،ومدير وكالة الإستخبارات المركزية آلن دالس، لمناقشة خياراتهم قبل إبلاغ الرئيس أيزنهاور . إتفق المجتمعون بأن الولايات المتحدة إذا لم تفعل شيئا ً في هذا الشأن فإن :
١- جمال عبد الناصرسيجعل كل المنطقة تحت سيطرته .
٢- امريكا ستفقد نفوذها لاعلى البلدان العربية فحسب، بل على منطقة الشرق الأوسط بكاملها ، وسيكون مستقبل قواعدهاهناك في خطر .
٣- إن إلتزام أمريكا في تقديم المساعدة لدول المنطقة عند الحاجة ستخضع للمساءلة ، وستفقد أمريكا مصداقيتها على النطاق العالمي.

إقترح الجنرال توايننك في ذلك الإجتماع " منطقة واسعة للهجوم المضاد ": تدخل أمريكا بموجبها في لبنان، وتدخل بريطانيا الى الكويت والعراق ، وتدخل إسرائيل إلى الضفة الغربية من الأردن ، وتدخل تركيا إلى سوريا.
كذلك تشير وثائق ذلك الإجتماع أن دونالد كوارليس ، الذي كان يعمل بمقام وزير الدفاع ، أكد على ضرورة "العمل تحت مظلة الأمم المتحدة ، للحصول على دعم سياسي ومعنوي لتحركنا" وأن تتفق معنا الهيئة الدولية على أن " هذه التدخلات من المحتمل ان تتسبب في نشوء حرب شاملة " مع "الإتحاد السوفييتي، الذي يتوجب علينا مجابهة خطره الآن وفي كل الأوقات ."
لحسن الحظ لم يتهافت ايزنهاور الى مباركة هذا الإقتراح ، بالرغم من أن هارولد ماكميلان رئيس وزراء بريطانيا ، كان يدعو ويعمل في نفس الإتجاه.
كان القادة الغربيون متخوفين حقا ً من إنتشار وتوسع الناصرية المستمر في المنطقة ، فبالإضافة الى أن هذا ربما يسبب في خسارة قواعدهم العسكرية ، ومصداقيتهم السياسية ، فإن المصالح الغربية، التي تمثلت بسهولة الحصول والسيطرة على مصادر النفط، ستكون في خطر. يجب هنا أن نتذكر بأن العامل الرئيسي الذي حدد مسار كلا الحربين العالميتين كان الوصول إلى / والسيطرة على منابع النفط .
في عام ١٩٥٨ إحتلت الكويت المركز الأول في كمية إنتاج النفط في الشرق الأوسط بطاقة ١,١٥ مليون برميل في اليوم ، كان هذا الإنتاج شراكة مناصفة بين شركة بريتش بيتروليوم ، وشركة نفط الخليج . أما شركة أرامكو السعودية - الأمريكية فكانت تضخ مليون برميل في اليوم ، بالإشتراك مع أربعة شركات أمريكية . إيران كان إنتاجها اليومي ٨٥٠ ألف برميل ، والعراق ينتج ٧٠٠ الف برميل في اليوم . كانت الأرباح مناصفة بين شركة نفط العراق ، وحكومتي بريطانيا وفرنسا . بلغت حصة العراق ٢٠٠ مليون دولار في السنة. شكّل هذا المبلغ نصف عائدات العراق الإجمالية. وكان هذا إستغلالاً مجحفاً للعراق من جانب برطانيا ، وقد خلق استياءاً شعبيا ً واسعا ً لدى العراقيين ، وكان سببا ً رئيسيا َ وراء الإنقلاب ضد حكومة نوري السعيد .
عندما إجتمع الرئيس ايزنهاور مع مستشاريه ظهيرة ١٤ تموز ١٩٥٨، كان إهتمامه الأول هو ، الجواب على الطلب الملح للرئيس كميل شمعون ، الرئيس المسيحي اللبناني ، ومع ذلك فإن الخليج الفارسي كان حاضرا ً بقوة في ذهنه كما سنرى .
في بداية عام ١٩٥٧، أعلنت الولايات المتحدة ، أنها ستدافع عن أي بلد في الشرق الأوسط " يطلب المساعدة ضد العدوان من أي مصدر أو بلد واقع تحت نفوذ الشيوعية الدولية " . كان كميل شمعون القائد الوحيد في الشرق الأوسط ، الذي أيد مشروع أيزنهاور، وكان أيضا وبإستمرار وهدوء يطلب مساعدة أمريكا له ، بعد إندلاع إنتفاضة شعبية واسعة لإسقاط حكومته ، التي جاءت إلى السلطة إثر إنتخابات ناجحة . كان الدعم الأمريكي المالي الواسع يأتي في حقائب مليئة بالدولارات حملها السيد ويلبر كرين إيفلاند ، أحد خبراء وكالة الإستخبارات المركزية .
وحتى قبل الإنقلاب في العراق ، فإن أيزنهاور كان يميل إلى إرسال قوات عسكرية إلى لبنان ، بالرغم من عدم توفر أدلة كافية للتدخل الشيوعي " الهدام " في شؤون لبنان. وكما كتب أيزنهاور في مذكراته "اما حان وقت التنفيذ؟ ". كانت خطة أيزنهاور للتدخل تتلخص بشقين ، أولا ً: إنزال عسكري مكون من ١٤ ألف جندي للدفاع عن " إستقلال وكرامة لبنان " البلد الصغير، مترادفاً مع نشر ألإنكليز لعدة آلاف من جنودهم داخل الأردن. ثانيا ً: القيام ببعض العمليات العسكرية الفعلية في الخليج ، للتخويف والتأثير على العراقيين ، الروس ، المصريين ، وحتى الإنكليز ، وجعلهم يفكرون بأن الأمريكان يعنون ما يفعلون في خطواتهم وتحركاتهم.

برر أيزنهاور أسباب وأهداف مشروع تدخلاته في الشرق الأوسط في رسالة بعثها إلى الكونكرس ألأمريكي ، " ان أحداث العراق ، لها أهداف عدوانية ، ضد أمن واستقلال بلد صغير مثل لبنان ، الذي لا يستطيع مقاومتها وصدها بدون مساعدة دول صديقة ". وفي الأمم المتحدة ، قال السفير الأمريكي لدى الهيئة الدولية ، السيد هنري كابوت ، إن لبنان هو ضحية " عدوان غير مباشر " ، وقارن هذا بإحتلال إيطاليا لأثيوبيا ، وإلحاق المانيا للنمسا قبل الحرب العالمية الثانية ، وبإستلام الشيوعيين للسلطة في جيكوسلوفاكيا عام ١٩٤٨.
ذكر السيد وليم كوندانت العضو الأقدم في مجلس الأمن القومي الأمريكي ، " لم يجر ذكر أي شيء عن العراق ،أو عن النفط أو عن النزاع العربي الإسرائيلي ، لأسباب سياسية ، لأن هذه هي أزمة لبنانية وراؤها أيادٍ شيوعية خبيثة " . من جانبه قام الإتحاد السوفييتي، ودول عدم الإنحياز ، بإدانة التحركات، والتصريحات الأمريكية والإنكليزية ، بلهجة شديدة، وفي عنوان واضح في صحيفة التايمس اللندنية ،" الإتحاد السوفيتي يهدد الغرب ويحملهم مسؤولية نشوب حرب عالمية جديدة " .
قبل تشكيل حكومة الجمهورية العراقية ، لمعرفة توجهاتها بوضوح ، كان إحتمال وقوع حرب واسعة إمكانية حقيقية . قام أيزنهاور بوضع القوات الأمريكية في حالة الإنذار العام . ذكرت جريدة التايمس أن " وحدات نووية " أمريكية في المانيا تحركت الى لبنان ، وأن الروس بدأوا بمناورات عسكرية على طول حدودهم مع تركيا وإيران .
قال بعض المؤرخين إن إرسال القوات العسكرية إلى لبنان والأردن كان لأهداف محدودة فقط، بينما إعتقد آخرون أن تواجد تلك القوات بالقرب من العراق كان للتدخل المباشر عند الحاجة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجبهة اللبنانية تشتعل.. إسرائيل تقصف جنوب لبنان وحزب الله ي


.. بعد عداء وتنافس.. تعاون مقلق بين الحوثيين والقاعدة في اليمن




.. عائلات المحتجزين: على نتنياهو إنهاء الحرب إذا كان هذا هو الط


.. بوتين يتعهد بمواصلة العمل على عالم متعدد الأقطاب.. فما واقعي




.. ترامب قد يواجه عقوبة السجن بسبب انتهاكات قضائية | #أميركا_ال