الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشاركة وطنية .. أم شراكة حرامية ؟

ياسين الياسين

2013 / 5 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


بعد إحتلال العراق عام (1914) وسقوط بغداد الأول على أيدي قوات الأحتلال البريطاني عام (1917) ، أصبح السير برسي كوكس رئيس السلطة المدنية في العراق أوبحسب تسميته حينذاك بالمندوب السامي البريطاني ، وكانت سياسته السيئة الصيت واضحة لعيان كل الواعين حينذاك وهي سياسة ( فرّق تسد ) والسبب المباشر الذي دعاهم للتمسّك بهذه السياسة وقواعدها أنهم شاهدوا الشعب العراقي وقد هب بوجه الأحتلال وقواته كشعب واحد ولحمة واحدة وبهدف واحد لايتجزّأ لأثنتين ، وهو طرد المحتل من بلاد وادي الرافدين ، ولم تكن فيه فرقاً آنذاك وأحزاب وفئات والنفس الطوائفي كان مايزال نائماً ، ولم يوقظه أحد ، وساد الشعب شعوراً واحداً وهاجساً واحداً مشتركاً وهو خروج المحتل من أرض العراق .
وفي سقوط بغداد الثاني على أيدي قوات الأحتلال الأمريكي عام (2003) ، وهذه المرة بمباركة المظلومين والمحرومين وذوي ضحايا المقابر الجماعية ، أصبح (أل . بول بريمر) رئيساً للسلطة المدنية في العراق ، وبما أن الرجل يحمل شهادة الماجستير في التاريخ العربي ، فقد عرف جيداً من أين تؤكل الكتف ، وسياسته في العراق أتت أكلها وثمارها وعلى أتم وجه ، وهو قد أدرك تماماً أن العراقيين والمثقفين منهم والنخب السياسية المهجرة والهاربة من جحيم صدام في الخارج تدرك وتتفهم معنى (فرّق تسد) لأنه أمر جرى على العراقيين قبلاً ، وهم سوف لن يلدغون هذه المرة من جحر مرتين ، وهو هنا لعب لعبة الثعلب الماكر فوقع العراقيون هذه المرة صيداً سهلاً بين يديه ، فجاء بمذاهب سياسية وطرائق جديدة أذهلت عقول الجاهلين ، وخدعت أذهان السياسيين الذين تلاقفوها على إحتمال أمرين لاثالث لهما ، وهو إمّا سياسي إنتهازي ووصولي وهدفه وغايته أن يتسلّق المنصب لينهب ويسلب وبأي شكل أوطريقة وغايته الدنيئة تبرر له الوسيلة ، وأما سياسي طاريء على الساحة والمشهد من رجال الفرصة والصدفة ، ولم يكن من ذوي الخبرة والتجربة ، فوقع صيداً سهلاً وبالتالي صار الشعب العراقي برمته ضحية جهل هؤلاء بالعمل السياسي وماتخفي كواليسها ودهاليزها المظلمة ، فتلاقف الجميع أفكار الملعون بريمر الجهنّمية ، وكأنها قوانين نازلة من السماء لها قدسية ومشرعنة برعاية ربانية ، فأصدر قانونه المشؤوم والذي صار دستور الدساتير عند أولائك الحفاة من الساسة الجدد ، ولم يسلم منه حتى الدستور الجديد الذي توافق عليه كل أعضاء النخبة السياسية في لجنة كتابة الدستور حيث تضمن الكثير من مفاصل قوانين بريمر سيئة الصيت ( يحتفظ كاتب السطور بنسخة منه ) .
وما عمل عليه بريمر أن جاء بأفكار منها التوافقية ، وحكومة الوحدة الوطنية ، والشراكة الوطنية ، والمشاركة الوطنية ، وهذه من أخطر الأفكار والفلسفات في علم السياسة الحديثة والتي أوردها بريمر إلى العراق لتسود كمذاهب سياسية تقاتل عليها ولأجلها العراقيون طويلا ومازالوا هم فيه يقتتلون ، ويدفعون عنها الدماء تلو الدماء يوماً بعد آخر ، وهم لازالوا في دوّامة تأثير بريمر عليهم ولم يستفيقوا بعد ، ولم يتعلّموا الدرس حتى أن أعضاء من النواب الأكراد في البرلمان صرّحوا مراراً وتكراراً وهم يوجهون إنتقاداتهم اللاذعة لحكومة المركز ويؤكدون من خلال حديثهم للفضائيات أنهم شركاء وليسوا مشاركين في العملية السياسية ، وهم يهددون المركز من أنه إذا تعامل معهم على حساب المشاركة الوطنية فأنهم سينسحبون من العملية برمتها ، ويؤكدون بأصرار أنهم شركاء وليسوا غير ذلك ، وإليكم أن تتصوّروا كيف زرع بريمر ، وكيف كان نتاجه وثمره وحصاده على لسان الساسة الجدد ، وهم يتلاقفون تلك الأفكار دون أي حياء وإستحياء لمجرد أنها تتوافق وأهداف ومرامي لهم حتى لو أنها تتحقق على حساب مصالح الشعب والأمة وليذهب الآخرون إلى الجحيم .
أن بريمر وبذكاء السياسي المخبور جهد وإجتهد في زرع بذور الفرقة والفتنة وبغطاء متحضّر لقي قبوله وللأسف عند الجميع دون أن ينتبه لخطورة الأمر أحد على مستقبل العملية السياسية ، وقد أمعن بريمر كثيراً في ذلك بعد أن إستهجن من الساسة شدة غبائهم ورضوخهم وخنوعهم لكل مايطلبه منهم وإستسلامهم بالكامل لأهدافه ومراميه ، وتفاجأ لشدة وسرعة إنبطاحهم لتلك السياسات المميتة القاتلة حتى بلغ به الأمر مرة أن أقحمهم بموضوع كان من خلاله يجس نبض المكوّنات العراقية ، فكان رد الفعل مخجلاً ومخيّباً للآمال ومعيباً ، وذلك حين بادر فوراً إلى إستدعاء وزير الداخلية الشيعي ( العلوان ) حينها طالباً منه أن يقدم إستقالته ، وعند إستفسار الوزير منه وقتها عن السبب قال له وبكل وقاحة ، وهو يجس نبض أقرانه الساسة من نفس المكوّن أنّك شيعي ووزير الدفاع حازم الشعلان شيعياً أيضاً ، وهذا لايمكن وفعلا قدم الوزير إستقالته ، وتم تعيين فلاح النقيب وزيراً للداخلية محله ، والآخرون منبطحون تماماً ، ولم ينبس أحدهم على السفير الأمريكي ببنت شفة حتى ولاإيماءة ، وتراهم يستأسدون على أبناء شعبهم وجلدتهم ، ويتفلسفون ويتلاعبون بالكلمات والألفاظ كيفما شاؤوأ .
أن بريمر وبخبثه السياسي وبدهائه الماكر جعل مبدأ الشراكة في حكم البلد لكل القوميات والأقليات وأسماها بخبث ( الشراكة الوطنية ) وهذه بطبيعة الحال لها إستحقاقات كبيرة لم يدرك كنهها في وقتها ساسة العراق الجدد فعميت عيونهم غشاوة وأسدل على هذا المبدأ الستار ، وصار دستوراً وناموساً وأمراً واقعاً لايمكن الحياد عنه ، ولايمكن للقوميات والأقليات أن تفرط به بعد اليوم لأنه مكسب ومنجز لم يتحقق لهم على طول الدهور والعصور رغم ماقدموا لأجل ذلك الكثير وعجزوا عنه تماماً ، فحصلوا عليه أخيرا وبالمجان وعلى طبق من ذهب بسبب من غباء النخب السياسية التي لم تدرك المخاطر المحدقة بالعملية السياسية ومدى تأثير ذلك على البلد برمته في قابل الأيام مع تهديد سافر وصريح لوحدته الوطنية وبات أمر تفتيته وتقسيمه على المحك وهي مسألة وقت ولاغير .
وجعل بريمر مبدأ المشاركة الوطنية لكل الجهات والفئات داخل القومية الواحدة في حكم البلد ، وهذا هومكمن الخطر وسرّه الحقيقي المحدق بالعراق والذي وقع الجميع في مطبّه ، وقد لجأ به بريمر لسبب جهنّمي لم يستطع أحداً من أولائك المقربين من المشهد إدراكه ، وهو أنّه لايمكن مطلقاً تحقيق وإنجاز كل أهداف مبدأ الشراكة الوطنية للقوميات الأخرى دون تحقيق وتطبيق مبدأ المشاركة الوطنية داخل القومية الواحدة لأنه وببساطة سيجعل أبناء القومية الأكبر في حال دائم من الصراع والأصطراع وعدم الأتفاق والأختلاف الدائم سيسهّل بالتالي تمرير مبدأ الشراكة الوطنية للقوميات الأخرى ومنها الأكراد بسلاسة ودون أي مشكل أوعائق ، لأن حرامية المكوّن القومي الواحد والأكبر سيقتتلون على تقاسم المراكز المهمة والقريبة من خزائن البلد وثرواته الطائلة ، وفي رسم سياسات كيفية الأستحواذ الكلي أو الجزئي عليها ، وتاركين البلد برمته وعلله وعلاته في حيص بيص ، ولهذا نرى الأكراد وقد لعبوا لعبتهم بشكل صحيح في دس أجندة جديدة لهم ورفع سقوف مطالبهم بين حين وآخر ، وكلّما إشتد خلاف بين المتصارعين في المركز ، وهو يستغل ذلك الأمر بذكاء ، فيدق مسماراً في كل مرة في نعش الجنازة العراقية ، وهو ينتظر بفارغ الصبر رفعها وتشييعها على الملأ ليقرأ عليها الجميع سورة الفاتحة ، ومن ثم ينطلق كل منطلق إلى أهدافه ومراميه والتي ينتظرها وعلى أحر من الجمر ومنذ أمد بعيد .
وأخيراً نقول أنّه ولازال وإلى الآن هناك العشرات والمئات ممن يدّعون الثقافة والوعي السياسي ، وربما من المرائين والأفّاقين الذين يخرجون كل يوم في فضائية أو في موضوعة على الشبكة العنكبوتية فيسرد حكايات من ألف ليلة وليلة ، وهو يكذب على نفسه أولاً ، وعلى الآخرين حين يغالي ويماطل ويمعن أننا أبناء شعب واحد ولافرق بين هذا وذاك ، وأن المتظاهرين لهم حق التظاهر وووووهو حق مكفول يضمنه الدستور ، وهو نفاق سياسي إلى أبعد المديات ، فالمعطيات لاتنطلي حتى على البسطاء من الناس ، ولكنّه الأستحمار بعينه وحقيقته ولاغير ، فالمطالب مدفوعة بأجندات وترسمها أيادي خبيثة تريد شراً بالأمة ، وهم ولشدة غبائهم تسرّعوا فأعلنوا عمّا تضمره قلوبهم وصدورهم من غل وحقد على المكونات العراقية الأخرى ، فصرّحوا بما يحملون من أجندات من أنهم يتوعدون الجميع بالقتل والدمار ، وأنهم قادمون لبغداد ولطرد ما أسموهم بالصفويين منها ، ويشتمون ويسبون جهرة وعلانية ، ويرفعون أعلام القاعدة وأعلام الجيش السوري الكر في إنتهاك صارخ لسيادة العراق ، وإمتهان لكرامة العراقيين ، ويصفون المكون الأكبر بأنهم أولاد الزنى ، فكفى بكم جبناً ، وكفى بكم خنوعاً وذلاً ، وكفى بكم نفاقاً ودجلاً ورياءاً وضحكاً على ذقون الشرفاء من العراقيين ، ولا لشيء وإنّما فقط للحفاظ على مراكزكم في السلطة والقرار ، وعلى أموال إستجلبتموها بالنهب والسرقة من المال العام ، وإستكثرتموها بالعمل الحرام .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حسين بن محفوظ.. يصف المشاهير بكلمة ويصرح عن من الأنجح بنظره


.. ديربي: سوليفان يزور السعودية اليوم لإجراء مباحثات مع ولي الع




.. اعتداءات جديدة على قوافل المساعدات الإنسانية المتجهة لغزة عب


.. كتائب القسام تعلن قتل عشرين جنديا إسرائيليا في عمليتين شرقي




.. شهداء ومفقودون بقصف منزل في مخيم بربرة وسط مدينة رفح