الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دولة الاغلبية الشيعية!!

مالوم ابو رغيف

2013 / 5 / 4
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


لقد كان الحكم في الفترة الملكية حكما سنيا، ليس لان الثروة والقانون كانا بيد المتنفذين السنة او ان من يتربع على عرش الدولة كان سنيا، او ان الملك سني المذهب والميول، بل لان توجه الدولة العام كان سنيا، دينها الرسمي، اعيادها وعطلها وجوامعها ومدارسها وثقافتها، كل ذلك كان يؤشر الى الانتماء المذهبي للدولة.
عندما أُسقط النظام الملكي، وتأسست الجمهورية العراقية بقيادة الزعيم الخالد عبد الكريم قاسم، سقط ايضا انتماء الدولة المذهبي السني، مع ان ايا من القوانين ومن الاعياد الدينية او عائدية الجوامع السنية لم يتغير وبقت على حالها، لكن توجه الدولة قد تغير، لم يعد النفس المذهبي اداة للحكم، اختفى الحس الديني عند الناس ايضا وانتهى توجه الدولة المذهبي واصبحت الدولة العراقية ولاول مرة في التاريخ دولة المواطنة، دولة يشعر فيها المواطن بانه عراقي قبل ان يكون اي شيء اخر.
الذين ناصبوا الزعيم عبد الكريم قاسم العداء وتأمروا مع شركات النفط بحلف غير مقدس ضد الثورة، فانهم غلبوا الهويات الهامشية كـ الطائفية او القومية على الهوية العراقية الخالصة، واستطاعوا بانقلابهم الدموي الفاشي ان يسقطوا دولة المواطنة العراقية ويعيدوا الدولة الى العفن الطائفي مرة اخرى.
ان اهم الانجازات التي حققتها ثورة تموز بشخص زعيمها الخالد عبد الكريم قاسم، لم تكن الانجازات العمرانية والتربوية والنهوض المدني على كافة الاصعدة فقط، ان الانجاز الاهم والاكبر هو تحقيقها للهوية العراقية وترسيخها في الشعور الشعبي وفي كافة فعاليات الثقافة والفن بغض النظر عن الانتماء الديني او الطائفي او القومي.
لقد اصبح العراق ولأول مرة وطن للجميع. ولعل اجمل تعبير عن حلول الهوية الوطنية في النفوس الشعبية هي تلك الاغنية الرائعة التي انشدها الفنان احمد الخليل:
انت منذ اليوم لي يا وطني:
لم اعد فيك غريبا بل انا صاحب الارض وما ضم الثرى
ولان ثورة تموز حققت هذا الانجاز العظيم، انجاز الهوية العراقية ودولة المواطنة، تخلدت في الوجدان الشعبي واصبح زعيمها رمزا للوطنية العراقية، رمزا لنزاهتها ولتضحياتها ولاخلاصها للوطن.
لم تبك الناس عبد الكريم قاسم فقط، بل بكت الوطنية التي داسها الرقاع البعثيون والقوميون ورجال الدين تحت اقدامهم، فهم لم يغتالوا شهيد الشعب عبد الكريم قاسم فقط، بل اغتالوا الهوية العراقية نفسها. ولم يعد العراق بعد ذلك الوطن الذي يحلم فيه الانسان بتحقيق الافضل والاكمل، لقد تحول الى وطن يملأه الخوف وتتناهشه الهواجس ويفتك به المجرمون وتفرقه الانتمائات والولائات الى يومنا هذا.
اليوم ورغم كل اشكال توزيع السلطة واشراك المكونات في الحكم بواسطة المشاركة اوالشراكة اوالاتفاق اوالمحاصصة، الا ان هوية الدولة الرئيسية هي هوية شيعية وتوجهاتها تننسجم مع هذه الهوية وتعبر عن خصائصها.
ورغم ان الشيعة لا يحكمون السنة بشكل مباشر مثلما كان المتنفذون السنة يتحكمون بالشيعة ويعاملونهم معاملة تقترب كثيرا من المعاملة العنصرية، ليس من ناحية الاهمال التام لحالتهم المعيشية فقط، فقد كانت بغداد في العهد الملكي محاطة من جميع جهاتها بزرائب وخرائب البيوت للشيعة، مثل العاصمة والميزرة والشالجية وشطيط وغيرها ، بل ان عدم الاحترام والاستزغار واطلاق التسميات الدونية مثل الشراكوه والعجم والهنود والمعدان والصفويين وغيرها من النعوت المذلة، كان هو الاسلوب السائد في التعامل مع الشيعة. انها حالة تشبه بشكل او باخر حالة الشعب الكوردي في تركيا، فالتفرقة العنصرية في تركيا تخفيها قوانين وانظمة مدنية او حتى انسانية وديمقراطية، ولكي يتساوى الكوردي في تركيا مع الاتراك عليه التنصل من هويته القومية او التصرف وفق الثقافة الطورانية.
بعد اسقاط دولة البعث، ورغم كل اشكال الاجراءات الديمقراطية التي جائت مع التغيير، من تشكيل الاحزاب واصدار الصحف وتأسيس الفضائيات وتوزيع السلطات على المكونات الرئيسية والاحتكام الى صندوق الانتخابات، الا ان الهوية الشخصية للدولة الجديدة اصبحت هوية شيعية وانسجمت اغلب توجهاتها مع هويتها المذهبية.
هذا لا يعني بان الشيعة كتعريف شعبي، يحضون بالافضلية، فالسنة في العهد الملكي كتعريف، لم يحضوا هم ايضا بالافضلية. الرابح والذي يحضى بامتيازات مذهبية الدولة، هم اولئك الذين يمثلوت ويتبنون التوجهات المذهبية والطائفية ،واحزاب ومرجعيات دينية، فهؤلاء هم الذين يسيرون ويهيمنون على الدولة ويحتكرون قراراتها ومواردها. اما اشراك الاخرين في الحكم، فقد كان ولا يزال اضطرارا وليس اختيارا.
لذلك، وعندما يتحدث المالكي او غيره عن حكم الاغلبية، في غياب الهوية الوطنية العراقية، وأن اشار الى ان المقصود بالاغلبية هي الاغلبية السياسية، سوف لن يجد تفهما ولا قبولا شعبيا او سياسيا، اذ ان الاغلبية في دولة لها دين رسمي، تفسر بانها لا تعني الا اغلبية التوجه المذهبي للدولة.
فالاحزاب الدينية تأطر الدين بالسياسية والسياسة بالدين حسبما تقتضي وتتطلب المصلحة، وهذا ما تدركه المرجعيات الدينية السنية وشيوخها الذي يعارضون اي حكم الاغلبية، فهم لا يرونه الا حكم الاغلبية المذهبية المنافسة ان لم نقل المتخاصمة او المتعادية.
كما ان هناك حقيقة لا يمكن اغفالها، هي ان الاغلبية حتى وان كانت سياسية، في ظل الصراعات الطائفية والتنافسات المذهبية والحروب الباردة الايدلوجية بين السنة وبين الشيعة داخليا وخارجيا، تفسر بانها هيمنة وتحكم وانتقاص من المجموعة او الطائفة الخاضعة بحكم اقليتها العددية.
مشكلة العراق اليوم هو ان الكثيرين، وان كانوا يفتخرون بكونهم عراقيين، الا ان هذا الافتخار غالبا ما يتراجع ويحل في المقام الثاني امام الافتخار المذهبي، والملاحظ ان الانتماء الوطني لم يعد يكفي للتعريف، لذلك غالبا ما ياتي مصاحبا بتعريف الانتماء الطائفي او القومي.
والنكتة تقول بان احدهم اجاب بانه ملحد لا يؤمن فقالوا له، لكن هل انت ملحد سني او ملحد شيعي!!
ولقد حدث معي موقف مماثل فقد اجبت باني لا آؤمن فكان السؤال التالي وماذا عن اهلك، هل هم شيعة او سنة. ان الانتماء المذهبي اصبح احد الضرورات الرئيسية في انتشار مفهوم المكونات. ولقد حذرنا من خطورة ادراج الدين كتعريف للدولة واعتبار الاسلام دينا رسميا لها، وهذه هي النتيجة، لقد اغتال الدين الوطنية وطعنها طعنة غادرة في الظهر.
عندما يتحدث اعضاء دولة القانون عن حكم الاغلبية، ليس من عراقي، حتى وان كان شيعيا ناهيك عن كونه سنيا او كورديا، لا يفهم بان المقصود بالاغلبية هو اغلبية الانتماء المذهبي .
في غياب الهوية الوطنية العراقية الجامعة، وفي انتشار الثقافة الاسلامية بشقيها الشيعي والسني، فان الاغلبية تعني الاغلبية المذهبية وليس شيء آخر. بينما الاقلية تعني، وان لم تعرف بقانون، انما في ذهن المواطن، بانها الاقلية السنية التي ستكون دائما في موقعها التالي لانها محكومة بالعدد، لذلك لا احد يستطيع ارغامها او اقناعها على البقاء ضمن معادلة الاغلبية الحاكمة والاقلية المحكومة، ستعبر عن عدم موافقتها بكل انواع الرفض القانوني وغير القانوني بما فيها الاحتراب والعنف، ان القول بالاغلبية يعني تأسيس الدولة الشيعية.
ولهذا نقول ونؤكد ان اي حكم ذو توجهات دينية، سيشضي الشعب ويقسمه الى اشياع وملل وطوائف وسيفتت الشعور الوطني وينهي الهوية العراقية الخالصة.
ان حالة العراق غير المحسود عليها اليوم، تتطلب حذف فقرة دين الدولة الرسمي وحذف جميع الفقرات الدستورية والقانونية التي تشير الى الدين او الشريعة الاسلامية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الحل
جمال محمد ( 2013 / 5 / 4 - 16:47 )
تقسيم العراق وسوريا ولبنان والقيام بعمليات تبادل سكاني هو الحل في المنطقة كلها لانه معروف ان هنالك انواع من الحروب لا تنتهي ابدا


2 - التقليد والديموقراطية لا يتفقان!
فهد لعنزي ـ السعودية ( 2013 / 5 / 4 - 18:59 )
التقليد هو ان تقلد فقيها في امر دينك ودنياك وتكون كـ الدمية يلعب بك كيف يشاء. فاذا قال لك اتتخب ملا كاكا والا حرمت عليك زوجتك فلا بد ان تنتخب ملا كاكا وان كان ملا كاكا لا يفهم كوعه من بوعه خوفا من الوقوع في الحرام وهو الوضع القائم في العراق.الديموقراطية هو انتخاب الاكفا علميا وادارة منفذا قوانين منصبه المدنية محترما دستور الدولة بغض النظر عن معتقده وجنسه وهذا حرام في الشرع.
الحل: هو القيام بتبادل سكاني و الحكم الذاتي لكل مكون من مكونات الشعب تحت اشراف مجلس يضم اعضاء من الدول صاحبة حق الفيتو.
لقد اثبتت التجارب ان الدين غير صالح للحكم والعلمانية هي الحل وبما ان المسلمون لا يرغبون في ابعاد الدين عن الدولة فعليهم تقبل الحل المقترج تفاديا للحروب الاهلية.

يا امة ضحكت من جهلها الاممم.


3 - الاخ جمال محمد: التقسيم ليس حلا
مالوم ابو رغيف ( 2013 / 5 / 5 - 11:01 )
الاخ جمال احمد المحترم.
لا اعتقد ان التقسيم يحل المشكلة او حتى يساعد في حلها، نحن هنا لا نتكلم عن حرب بين دينين، انما حروب في الدين الواحد، كما ان هذا الدين يحمل الكثير الكثير من مكامن الارهاب والعنف، القرآن نفسه دعاية تحريضة للقتل وللارهاب الفكري.. كمان التقسيم ليس حل لمشكلة الانسان، فهو اعتراف بقيادة وسيطرة الطائفيين ورجال الدين على الناس، المسألة هي في كيف ننقذ الانسان من ورطة الدين وورطة الفكر الطائفي المتزمت الذي ينتقص من الاخر ويحاول بكل طريقة انهاء وجوده.
انم الحل الامثل هو فضح الدين وفضح رجاله واظهار خبثهم ولؤمهم وتناقضهم وارهابهم والتصدي بدون اي مجاملة او خوف لكل انواع الارهاب الفكري الديني
تحياتي


4 - الاخ فهد العنزي:ـ حول النفاق الثقافي
مالوم ابو رغيف ( 2013 / 5 / 5 - 11:14 )
الاخ فهد العنزي المحترم
انك تشارك الاخ جمال في ان الحل هو التقسيم، واضافة الى ما كتبت في تعليقي على مشاركة الاخ المحترم جمال احد، اقول، ان سيطرة رجال الدين على الناس هو لان المثقفين والسياسيين والمفكرين في هذه البلدان هم من النوع المهادن الذي يبحث عن نقاط التقاء مع رجال الدين على حساب قول الحقيقة، في الغرب، لا احد يبحث عن نقاط الالتقاء، انهم يبحثون عن نقاط التعارض والتضاد في الفكر ، المعركة الفكرية لا تعرف الرحمة والشفقة.ـ
انه نوع من النفاق، فما علاقة الحاجة الراقصة بالحج
وما علاقة المغني بشهر رمضان؟
وما الماركسي بمحمد؟
اان هذه المهادنة والخوف من التحدي هو الذي مكن صعاليك الدين واغبيائهم من السيطرة على عقول الناس وجعل البعض منا لا يرى اي امكانية لحل اخر سوى في التقسيم.ـ
تحياتي

اخر الافلام

.. سائقة تفقد السيطرة على شاحنة وتتدلى من جسر بعد اصطدام سيارة


.. خطة إسرائيل بشأن -ممر نتساريم- تكشف عن مشروع لإعادة تشكيل غز




.. واشنطن: بدء تسليم المساعدات الإنسانية انطلاقاً من الرصيف الب


.. مراسل الجزيرة: استشهاد فلسطينيين اثنين بقصف إسرائيلي استهدف




.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش إرهاق وإجهاد الجنود وعودة حماس إ