الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسخى المدلل

حسام شادى

2013 / 5 / 4
الادب والفن


فيل مدلل
اهدانى اياه صديق ، أتانى يوماً مبتسماً كالعادة ، كان شخصاً طيباً جداً ، كقط منزلى بلا خرابيش ، يجيد أشياء كثيرة ، إلا التعامل مع البشر ، وهذه مصيبة بالطبع ربما تشعر بأثرها لو كنت كمثل حاله ، مثقف بشكل يجعلك تغير منه بل الصحيح تحقد عليه ، شاعر جيد ،وشخصية متميزة حسنة النيه لو كان هناك شئ يدعى حسن النيه ، لكنه متوحد هارب يعتقد أنه أسود الوجه وسط جزيرة كلها شقر البشرة فى مجتمع عنصرى ، لكن الموضوع بالفعل كان معكوساً ، ولكنه كان أمر قارر فى وعيه بشكل مجنون ، وربما كان يصدر له هذه الصورة أخرون لديهم نقص ما وعلموا أنه لديه ضعف ما فإستغلوه كى يثبتوا لأنفسهم أنهم جميلون أصحاء حين يكونوا محاطين بأصحاب العاهات ، لكنه فى النهاية شخص أبيض بلا عيوب جسديه يظن أنه على العكس تماماً .
و لكنه أحياناً أو دائماً لديه مشكلة أخرى غبيه ، إنحراف نفسى بصورة مرضية ، فعل أكرهه بغباء ، غباء إمتلاكى لنفس مشكلته ، الشكوى ، والشكوى الدائمة ، لم أعطى لنفسى عزر ، رغم إستمرارى ، لكنى منذ عرفته أعطيته هو العزر ، فالعالم إبن شرموطة فعلاً ، ونحن قطط منزليه بلهاء ، أبناء الطبقة الوسطى المرعوبة دوماً من كل شئ ، من كل الكائنات المحيطة ، الخائفة حتى من ترك طبقتها ، لطبقة أعلى ، المدمنة على الغياب أو الدين ، الكارهة لنفسها ووضعها ، كارهة لكل شئ فيها ، طامحة لحياة الأعلى ، لحريته المدفوعة الثمن ، طامحة لحرية الأدنى ، جرأة عدم إمتلاكه لشئ يخاف عليه ، رغم عدم إمتلاكها فعلياً لأى شئ ، سوى الكذب ، تمثيل متقن لأشكال متقاربة من الحياة تدعى أنه لا مشكلة هناك ، عقدة من الملابس الداخلية والتى لم يكن أجدادهم يعرفونها ، وعقدة من ملابس كقشرة خارجية لامعة ، وبأسفلها داخل ممزق . سيكون سعيداً ، دائم الفخر ، بأنه إرتدى البوكسر الملون ، قبل أن تصنع له ألة الدعاية إعلان ، يظهر به ممثل عنه ، ليظن الكل أنهم أصبحوا سوبر مان ، يرتدى البوكسر بلون مختلف فوق فوق ملابسه الزاهية الألوان ، النصف مرتفعة القيمة ، وكأنه إعلان دائم ، أنا بخير ، وداخلى ملون ، كلوحة للسعادة ، وكل من حولى مرضى ، ممزقون ، إنظروا إنهم كلهم مرضى ، كلهم يحقدون على ، فأنا كامل الأوصاف ، وكلهم يقتربون منى كى يتباهوا أمام الأخرين بقربهم من ذاتى العلية ، وسيتقن ككل أشباهه دوره كأداة للمراقبة ، وتبادل المصائب عن الأخرين زوى الداخل المعتم ، زوى الأمراض المستحكمة ، والعقد النفسية التى لا يمتلكونها هم !
كانت هذه النمازج التى أحاطت به حين هرب من البيت كقطة منزلية تصارع كرة خيط وتعتبرها عدو ، وربما كان يبحث عنها هو لإعتقاده بأنهم أشباهه ، فكان يسعى لهم ، بهبل وبالتأكيد كانوا يتعجبون من إستمرار وجود شخص كمثله .

لكنه رغم كل هذا لم يكن عبيطاً ، كان قد بدأ يدرك ويفهم ، ولكن لا يأخذ رد فعل ، هو قد تعلم ان كرة الخيط مجرد كرة خيط وفقط ، ولكن أحياناً كثيرة لطيبته يتعامل معه كثيرون على أنه عبيط ، فيشتغلونه ، كان هو حينما تعرفت عليه قد بدأ يعلم ذلك ، وعلى شئ من النقيض كنت ، أو كنت أحاول أن أكون ، كنت هارب لى عمر طويل ، حتى أصابنى شئ من تراب الشارع وخرابيشه ، ولكن فى النهاية كنت أنا هو بشكل أو بأخر مع إختلافات بسيطة .
كان طيب لكنه بالنسبه لى ممل وكثير الكلام ، وهذه قد لا تكون عيوب ولكنى سريع السأم سريع العصبيه .
جلس على كرسى أمامى بيننا ترابيزة صغيرة ، نتناول شراب كحولى ، كان مرضاً أو فيروس جديد ،أصبته به بعد صداقتنا ، كمحاولة منى لإيصاله لشئ من السعادة التى لا ينتهى من الشكوى كونها غير موجوده ، أخبرنى يومها انه سوف يختفى ، سوف يسافر بعيداً ، فقد مل من الشخصيات التى قابلها كمثل ملله من المحيطين به من الأصل ، ولكنه قبل أن يذهب فإنه يريد أن يقدم لى هدية .
هدية !
لماذا ! ؟
ومن أين ؟ فانا أعلم ان ظروفه وحاله متوسط كحالى وحال الكثيرون ، ولا نحاول تمثيل أن الوضع مختلف ، ولا نخجل منه .
لكنه أخبرنى أنه كان يعمل بوظيفتين كما أعلم ، وأنه لديه القدرة على التقشف وتكويم النقود مهما كانت قلتها ، فلما سألته عن نوعية الهدية خشية من أن تكون كبيرة القيمة ، وهذا شئ لن أقبل به ، لأنى لن أستطيع ردها ، أخبرنى أنه قد دخل لأحلامى ذات حديث ، وأنه حقق حلم منهم ، كان مشترك بيننا ، لكنه حققه بمعاونة صديق له لا اعرفه ، كانوا قد تقابلوا فى مرحلة مبكرة وعاشوا سوياً جزء من رحلة ما ، وأنهم ظلوا يكوموا النقود القليلة بحساب بدفتر توفير لمدة طويلة .
وأنهم وجدوا مرادهم من خلال الإنترنت ، كانوا يبحثون وسط الأغرب بين مرتادى الإنترنت بالعالم ، حتى اتى يوم ووصلوا لشخص عجوز يقيم بوسط إفريقيا ، يمتلك ما يريدونه ويريد ان يسعد به أخرون بتملكهم لما بحوزته ، لم يكن له ورثة مقربين يرغبون ببقاء شئ كهذا ولا هو يرى أنهم قد يكونوا الأنسب ، وسيكون عبئاً على زوجته العجوز بعد موته بسبب السرطان الذى يأكل دماغه وذاكرته ، والتى تقبل وجوده وتهتم به لأنه شئ يخصه وبالتالى فهو يخصها ، وكان هو الأخر يبحث عن أى شخص بأى مكان بالعالم قد يكون مثله ويستطيع الإحتفاظ بملكيته النادرة .
وأنهم حين تحدثوا كثيراً أخبره أنه يعلم أنه الوحيد الذى قد يرثه ، ولما أخبره أنه لا يملك من النقود الكثير كى يدفع له ، كان رده بأنه هدية ، ولكنه مستعد لتقبل القليل الذى يملكه كى يدعه للفيل فقد يساعده ولو قليلاً إلى جانب نصيبه فى إرثه بعد موته .

وأكمل انهم أتموا الصفقة سريعاً بناء على طلب العجوز ، وأنه حتى حينما أخبره أنه لا يملك مكاناً يصلح لسكنى الفيل ، وأن أهله متدينين ولن يسمحوا له بتسكينه لديهم ولا حتى قد يسمحوا بتملكه له بعيداً عنهم ، فهو لن يخبرهم بشأن وجوده ، كان رده انه يعتبر فيله وريثه الوحيد ، وأنه سوف يدفع ثمناً لمكان يقيم به فيله العزيز ، وأن كل ما يطلبه مقابل تنازله لهم عنه أن يعتنوا به ، ولما سألوه عن طباعه وما يحب ومالا يحب ، أجابهم بأنه سيترك كل ذلك ليكتشفوه هم على مهل ، ففى هذا شئ من المتعة ، تتبعه ومراقبته وإكتشاف تفاصيله واحدة واحدة ، قطعة قطعة .
وأنه طلب منهم ترشيح رجل قانون كى يرسل له بتوكيل لإتمام كل المطلوب ، ويشرف على الأوراق المتبادلة والتى ستضمن له أنهم لن يفرطوا فيه أو يهملوه بعد موته ، وأنه لا يجوز لهم بيع المكان المختار لإقامة ملكيته الثمينة النادرة ، وكان أهم شرط أو بند أنه لو أتى يوم ولم تسمح ظروفهم بأن يستمروا فى رعايته فيجب وأن ينقلوا الأوراق لأحد أخر محب للعجائب كمثل حالهم ، فلا يجب وأن يتركوا الفيل وحيداً .
وأكمل انهم بمجرد ان أتموا كل شئ إختفى العجوز تماماً ، ولم تعد هناك وسيلة للإتصال به سوى زوجته المسنة ، وأنهم حينما وصلوا لها وحدثوها كان ردها أنه إختفى ، بمجرد أن أتم ما كان بينهم وبينه أخبرها أنه خارج لتنشق رائحة مياه النهر الجارى ، ولم يعد ، ولم تفلح كل محاولات البحث ، وأنها كانت تعلم كإحساس داخلها أنه ذاهب يومها ولن يعود .


يقول صديقى أنه أراد تقديم هدية لى ، وقالها بصراحة شديدة وفجة ، أنه لن يكذب ، وقال انه اصبح يكرهه ، وانه فكر مثلما فكر كافكا مع هجينه الذى ورثه عن أباه ان يهديه لحديقة الحيوان بمدينتهم الصغيرة التى لا تملك واحدا ، لكنه لم يحب ان يفيد المجتمع باى شي فما بالك بفيل نادر .

فلما أجبته بانى لا أجيد الإعتناء بحيوان أليف صغير فما باله بفيل ، فقال أنه ليس بمطلوب منى أى شئ سوى النظر عليه والإطمئنان كل يومين أو ثلاثه ، وأن الرجل المختفى قد ترك له ثروة تتيح لرجل القانون وأن ينظم له حياته كى تسير بطريقة تلقائية ، فهناك من يهتمون بأمر طعامه وغيرها من متطلباته ، وأن دور من يتملكه فقط هو الإستمتاع برفقته ، بمشاهدة عجائبه ، ومهاراته ، والثناء عليه من حين لأخر .

كنت أريد أن أرفض ، ولكنه ظل يلح ويلح ، وإلحاحه هو ما كان يقول لى بأن هناك شئ غريب ، وأنى يجب وأن أرفض ، فصديقى رغم طيبته إلا أنه إكتسب أشياء جديدة ، فأحياناً يحب الإبتسام على المقالب والخوازيق التافهة والتى يفلح أحياناً فى توجيهها لأصدقائه ، لكنى كنت للتو عائداً من رحلة من رحلات الهرب المختلفة ، وكنت أريد أن أرتاح ولو شيئاً قليلاً أو لمدة غير معلومة من الهرب ، لهرب قديم ، إذن فلابد من شئ من التسلية ، ثم أن الكحول كان يقول لى لا تتوقف عن اللعب .

فى بادئ الأمر كنت أزوره وألاحظ أشياء غريبه ، جعلتنى أفكر فى أن أوجه اللوم لمن هم موكلون بالإعتناء به وبمسكنه، لكنى لاحظت أنه يكون سعيداً بما يفعل فقلت دعه يستمتع .
فقد كان يرسم بحوافره على الجدران وغيرها – بخرائه - أشياء تشبه وجوه ، وما أسعدنى أنها تتشابه بشكل ما مع الرسم البدائى على جدران كهوف العوينات ، كنت أحلم بزيارتها ولازلت أحاول ، ولكن ما فائجنى أنى ميزت منها وجه صديقى الذى أهدانى إياه ، ميزته كثيراً ومتكرراً ، وبها كل مميزات البدائية وهى إظهار الرؤية الحقيقية التى يرى بها شخوصه المرسومة ، وهناك وجه أخر أيضاً لابد وأنه وجه مالكه الأصلى ، ومجموعة وجوه ميزت منها وجه أحد حراسه أو المشرفين على طعامه ، وبضع وجوه تبدوا وكأنها لسيدات .
وتذكرت كلمة مهديه لى عن الإطراء ، فإبتسمت له مشجعاً وخبطت يدى ببعض فى تحية وكأنه أتم سيمفونية رائعة ، وكانت سعادته ضخمة كجسده .
بعد ذلك وفى زيارات أخرى ميزت أنه هناك وجوه تختفى لتظهر وجوه جديدة ، ميزت منها واحداً يشبهنى ، لن أنكر انى غضبت ، وغبت عنه لفترة .


لأعود له فى وقت أخر .
كنت أشعر بالملل ولا مانع من شئ من التغير ، لأجده من قفصه الساكن فوق عمارة والذى له شباك واحد ، شباك يطل منه على كل العابرين ، شباك أتاح له أن يرسم وجوهاً مشوهة لكثيرون لم يكن يرى منهم سوى وجوه بلا ملامح بارزة لبعده عنهم ، فكان يرسمهم بملامحه هو ، وجوه كثيرة على الجدران والأرضية والسقف ، كلها هو .
كنت أعلم فى هذه اللحظة ما كنت أفكر فيه فعلاً وهو أنه بمجرد ان أظهر أمامه فسوف يعيد رسم وجهى ، ولذلك قررت كشئ من التغير أن أخرجه ولو قليلاً ، كى يرى الوجوه أقرب وكى يعلم أنه كان كل هذه المدة يرسم نفسه وفقط على وجوه أخرين لا يعلم عن ملامحهم شئ .
ولكنها كانت مصيبة ، أن تكون وسط الشارع مقلداً سلفادور دالى فى صورة له بالشارع وسط ناس ينظرون له بكل تعجب لأن بجواره حيوان غريب ينظر لوجوههم ويرسمهم على الأسفلت بخرائه رسومات مشوهة وأنت تضحك من منظرهم واللوحة الهزلية المكتملة برائحة الخراء .
وكأنك قرداتى صعلوك وسكران إعتزل تسلية العابرين بالشارع وترك قرده يهينهم إنتقاماً منه هو لأنه يهينك فقط لقربك منه .
ورغم حبى لمشاهدة تيمون وبومبا فى حلقة رحلة إلى أوغندا ، وضحكى الحقيقى لتشابه الموقف مع إختلاف واحد أن بومبا عبيط ، لكن الموقف يوماً بعد يوم أصبح مملاً ، وبدأ يسأم العابرين أمامنا من رائحة الخراء المرسومة به وجوههم، وبالفعل أصبح يبدوا هذا أمر واقع ولكنه كمصيبة فعلاً .
تخيل إمتلاكك لخنزير يعتقد لطول عزلته وإرتفاع سكنه و لكبر أنفه أنه فيل إفريقى عظيم نادر ، فكان الناس ينظرون لنا بالشوارع نظرات غريبه ، ويتحاشونا، ولهم كل الحق ، فقليلاً ما يرون أحدهم يمشى وبجواره كلب أو قطة ، ولكن خنزير مدلل ضخم مغرور إبن وسخه لا يجيد إلا اللعب بخرائه ويتخيل دائماً لكبر مؤخرته و أنفه أنه فيل إفريقى !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انتظروا لقاء مع أبطال مسلسل دواعي السفر وحوار مع الفنان محمد


.. فاكرين القصيدة دى من فيلم عسكر في المعسكر؟ سليمان عيد حكال




.. حديث السوشال | 1.6 مليون شخص.. مادونا تحيي أضخم حفل في مسيرت


.. لم أعتزل والفوازير حياتي.. -صباح العربية- يلتقي الفنانة المص




.. صباح العربية | في مصر: إيرادات خيالية في السينما خلال يوم..