الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليبيا والأمن المفقود

محمود عبد الرحيم

2013 / 5 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


لم تمض سوى قرابة ثمانية أشهر على التفجير الذي استهدف القنصلية الأمريكية في بنغازي، حتى جرى استهداف السفارة الفرنسية في طرابلس قبل أيام، وبينهما الهجوم على الكنيسة المصرية، وعديد من الحوادث الأخرى التي إن وضعناها جنباً إلى جنب مع العمليات التي يتم توجيهها للمصالح الأجنبية على الأرض الليبية، ستعكس حجم الأزمة الأمنية العميقة، وليست السياسية فقط التي تواجهها السلطة الليبية الجديدة، والتي تمثل تحدياً كبيراً منذ إسقاط نظام العقيد القذافي بالقوة، وبتدخل قوات حلف الناتو عسكرياً .

إن كان كثيرون في العالم، منظمات ودول وشخصيات سياسية، دانوا التفجير الذي استهدف السفارة الفرنسية في طرابلس، واعتبروه عملاً إرهابياً، مثله مثل التفجير الذي سبقه العام الماضي في بنغازي باتجاه القنصلية الأمريكية، غير أن السؤال الأهم الذي لم يجد إجابة عنه حتى اللحظة، من يقف وراء هذه التفجيرات، وهل ثمة صلة بينها؟

وهل تم استهداف فرنسا بشكل خاص هذه المرة لدورها في الحرب الأخيرة في مالي، أم أن القضية ترتبط بصراعات داخلية، ومحاولة إحراج السلطة الليبية الجديدة، وإظهارها أمام الرأي العام الدولي أنها ضعيفة، وفاشلة في تأمين البعثات الدبلوماسية؟ أو أن الأجهزة الأمنية والعسكرية مخترقة أو هشة وغير قادرة على القيام بدورها؟

التصريحات التي خرجت من المسؤولين الليبيين والفرنسيين، وإن أجمعت على وجود خلل أمني كبير تسبب في هذه العملية التفجيرية، فإن كلاً منهما لم يشر، بشكل محدد، بأصابع الاتهام إلى جهة بعينها، مكتفين بالعبارة الدبلوماسية المعتادة التي تعكس تكتماً على مجريات الأمور من قبيل “دعونا لا نستبق التحقيقات” .

غير أن وزير الداخلية عاشور شوايل بادر سريعاً إلى استبعاد أن يكون لهذا الهجوم علاقة بما حدث في بنغازي، وأن “المشكلة ليست أمن السفارات فحسب، وإنما أمن البلاد كلها” .

وهذا التصريح، وإن كان يعكس قدراً من الحقيقة تتمثل في الاعتراف بجزء من حقيقة الوضع المتمثل في وجود مشكلة أمنية عامة في ليبيا، فإنه في ذات الوقت يسعى لتخفيف وطأة الحدث، وخطورته، واحتمالية توسع نشاط القاعدة في ليبيا، واستغلال حالة هشاشة بنيان الدولة في تكوين خلايا إرهابية نشطة، فليس من المستبعد أن تكون نفس الجهة التي قامت بتفجير بنغازي تكون هي نفسها التي استهدفت السفارة الفرنسية، وبالنظر إلى تقدير المسؤولين الأمريكيين الذي يرجح أن من قام بالهجوم على قنصلية بنغازي جماعات مرتبطة ب”القاعدة”، وإذا ما تم الربط بين التدخل العسكري الفرنسي في مالي وتهديدات “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” باستهداف المصالح الفرنسية، فثمة احتمال كبير بأنها هي المسؤولة أيضاً عن هذه العملية، خاصة أن تفخيخ السيارات بمواد متفجرة ثقيلة يحمل بصمات القاعدة، أو بالأحرى أحد أدواتها المعتادة التي كثيراً ما لجأت إليها من قبل في العديد من الدول، خاصة في العراق وأفغانستان في أعقاب التدخل الغربي بهما، وضعف المنظومة الأمنية .

ويمكن من قراءة التصريحات الفرنسية، سواء على لسان الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند أو وزير خارجيته لوران فابيوس الذي اصطحب معه فريق استخباراتي لليبيا، تلمس الميل لهذا التقدير، حيث ألمح كلاهما في أكثر من مناسبة إلى أن استهداف السفارة الفرنسية جاء لتعطيل فرنسا عن مكافحة الإرهاب، وفي الذهنية الغربية، المرادف للإرهاب هو التطرف الإسلامي، وتنظيم القاعدة بشكل خاص، كما أن حرب فرنسا في مالي، وإن كان واضحاً أنها محاولة لاستعادة نفوذها الاستعماري القديم في القارة السوداء، والاقتراب بقوة من جديد من الثروات الطبيعية لإفريقيا، وخاصة النفط، إلا أن باريس تخوضها خارج أراضيها تحت شعار “ملاحقة الإرهابيين”، كما فعلت سابقا واشنطن وحلفاؤها في أفغانستان .

لكن توقيت العملية في الصباح الباكر، وقبل وصول الموظفين لمقر السفارة، وازدياد الحركة في الشارع، ربما يوسع دائرة المشتبهين، ويوجهنا لوجهة أخرى غير القاعدة، من قبيل أن المتورطين قد يستهدفون فقط إرسال رسالة سياسية قوية، وليس إسقاط ضحايا عديدين خاصة من الليبيين، أو عملية انتقامية واسعة النطاق .

وإذا ما تتبعنا هذا الطرح غير الانتقامي، والسياسي أكثر منه دمويا، فإنه بالإمكان أن تكون جهات محلية من الثوار التي تنزعج من ازدياد النفوذ الأجنبي على الأراضي الليبية، وتدخلهم في الشأن الداخلي، سواء ما يتعلق بالملف الأمني أو الاقتصادي، والنظر إلى الدول الغربية، ومنها فرنسا، أنها تسعى لتثبيت أقدامها داخل ليبيا لاستغلال مواردها، خاصة النفط، وليس العمل لمصلحة الشعب الليبي، في ضوء تجربة تفجير بنغازي العام الماضي وما ترتب عليها من ضعف الوجود الأجنبي هناك، وإغلاق مقرات العديد من المؤسسات الأجنبية والبعثات الدبلوماسية خوفا وحذراً .

ولا يمكن، كذلك، إغفال الصراع بين المليشيات المسلحة والأجهزة الأمنية الرسمية، الذي ربما يقف وراء هذا التفجير، خاصة أن بعض هذه الجماعات يرى أن ثمة اختراقا للمؤسسة الأمنية من قبل عناصر تنتمي لنظام القذافي، ومن ثم يمارسون ضغوطاً للتخلص منها، ومن قيادات أمنية وعسكرية يصفونها بالفاسدة، خاصة بعد أن باتوا يشكون من استهدافها لهم، بعد أن صارت توجه للمليشيات مسؤولية الفوضى الأمنية في البلاد .

وفي ذات الوقت لا يمكن في سياق طرح كل الاحتمالات الممكنة، ألا يتم وضع بقايا النظام السابق في دائرة الاشتباه، سواء من زاوية إحراج النظام الجديد، وإظهاره بالعجز والفشل، وأيضا انتقاما من فرنسا التي كانت رأس حربة في إسقاط نظام العقيد بالقوة، وإدخال الناتو إلى ليبيا .

ولوقت طويل ظلت الحكومة الليبية تتحفظ على توجيه الاتهام لأي جهة، غير أنها لاحقا وعلى لسان وزير خارجيتها محمد عبد العزيز ألمحت إلى القاعدة وبقايا نظام القذافي معاً، وكأنهما دخلا في حلف واحد ضد كل من السلطة الجديدة والمصالح الغربية على الأرض الليبية، وهذه الفرضية أيضاً ليست مستبعدة، خاصة أن ثمة مصلحة واحدة وعدوا واحدا مشتركاً .

غير أن حسم من قام بالهجوم وصلته بهجمات أخرى مشابهة ليس بالأمر السهل، وسيحتاج إلى وقت طويل لكشف حقيقته، إن لم يظل مجرد لغز، وتكهنات غير محسومة بدقة حتى بعد انتهاء التحقيقات .

ومن الملفت أن هذا التفجير على خطورته، لم يتسبب في أزمة سياسية بين طرابلس وباريس، حيث بدا أن ثمة تفهما فرنسيا لموقف الحكومة الليبية، وأن الأمر يخرج عن سيطرتها، للدرجة التي جعلت فرنسا ترسل بفرقة عسكرية خاصة للأراضي الليبية لتأمين مصالحها، وتجري تحقيقات بنفسها يتولاها قاضي تحقيق فرنسي، بل وجدد عرض إرسال فريق لتدريب القوات الليبية، فضلا عن إعلان وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس استعداد بلاده لمساعدة ليبيا على مواجهة التحدي الأمني، وأشار بشكل واضح إلى عرض المساعدة على مراقبة الحدود، خاصة البحرية .

وهذا يعكس محاولة فرنسية لتوظيف هذه الأزمة سياسياً، والاستفادة منها في تعظيم المصالح الفرنسية في ليبيا، وتثبيت أقدام فرنسا، استغلالا لثغرة الضعف الأمني واحتياج السلطة الليبية إلى دعم قوى على هذا الصعيد، وقد يكون هذا الطرح مقدمة لوجود عسكري كبير، أو الحصول على قاعدة عسكرية، تستعيد بها فرنسا نفوذها المتراجع في إفريقيا الذي صار ينافسها فيه بقوة كل من الأمريكان والصينيين .

وبصرف النظر عن هوية المتورط في هذه العملية، وما سبقها، فإنها بلا شك، تخصم من رصيد حكومة زيدان محلياً ودولياً، وتلقي بمزيد من الضغوط على كاهلها، وتظهرها ب”الرخوة” لعدم قدرتها على السيطرة على الشارع أو ضبط الأمن، أو إعادة الاستقرار للبلاد، بعد مرور شهور طويلة على التخلص من النظام السابق الذي لطالما تم توجيه أصابع الاتهام إليه كثيرا، وتحميله مسؤولية الاضطرابات التي تشهدها ليبيا، حتى لو كانت أطراف أخرى هي المتورطة في عديد من الحوادث .

وإن كانت الفوضى الأمنية وتكرار عديد من الحوادث يجري بانتظام في الأطراف، فإن وقوع هذا الحادث في العاصمة له صدى أعلى، خاصة مع انتشار أمني أوسع، وهذا يدل على أن قبضة النظام الجديد ضعيفة، وأنه حتى الآن لم يستطع بسط نفوذه بشكل كامل على البلاد، وإعمال ما يمكن أن نسميه بدولة القانون والمؤسسات، ما يدل أن ثمة حاجة لمراجعة المنظومة الأمنية بالكامل، وإعادة هيكلة للمؤسسة العسكرية، مع إعادة تقييم للتوجهات السياسية الجديدة الداخلية والخارجية التي تحظى بانتقادات واسعة، والبحث عن صيغة للتوافق المجتمعي، ومصالحة بين أبناء الشعب الواحد، وتقييد حركة الجماعات الدينية المتطرفة، مع التعاطي بجدية مع المليشيات المسلحة وفوضى انتشار السلاح، بالإضافة إلى التجاوب مع الطموحات الشعبية التي جرى التعويل عليها في أعقاب التخلص من نظام كان يتصف بالفساد والاستبداد، لكنها حتى الآن لم تجد طريقها للنور، على النحو الذي يرضي قطاعات واسعة من الشعب الليبي، تنتظر حصاد تضحياتها ورهاناتها على التغيير، وليس استبدال وجوه قديمة بوجوه جديدة .

وغير ذلك ستظل ليبيا لوقت طويل في حالة من الفوضى الأمنية ومناخ من التوترات المتلاحقة، يسهل الاضطرابات والاختراقات، والعمليات الإجرامية، وربما توطن الجماعات الإرهابية من الداخل والخارج، وهو ما سوف تدفع ثمنه باهظاً ليبيا شعباً وحكومة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تهدد بحرب واسعة في لبنان وحزب الله يصر على مواصلة ال


.. المنطقة الآمنة لنازحي رفح | #غرفة_الأخبار




.. وثيقة تكشف تفاصيل مقتل الناشطة الإيرانية نيكا شكارامي عام 20


.. تقرير إسباني: سحب الدبابة -أبرامز- من المعارك بسبب مخاوف من




.. السعودية تسعى للتوصل لاتفاقيات شراكة أمنية مع الولايات المتح