الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السم في -عسل أسود-

عائشة خليل

2013 / 5 / 5
ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة


تمنحنا وسائل التواصل الاجتماعي نوافذ نطل منها على عوالم الآخرين وإن تباعدت المسافات. كما تمنحنا مناسبات عديدة للتعرف على التوجهات الفكرية لأفراد نعرفهم في الحقيقة أو تقتصر معرفتنا بهم على الوجود الافتراضي. وقد تجود علينا بإضاءات نادرة للتمعن في بعض المعاني الخفيّة. منحني الفيس بوك اليوم مثل تلك النافذة، لأعاود النظر في أكثر مقاطع فيلم "عسل أسود" مشاهدة، والذي عرضته صديقة قريبة إلى وجداني بصفته "أطرف مقاطع الفيلم".

والفيلم لمن لم يشاهده أنتج عام ٢٠١٠ ويحكي قصة الشاب "مصري العربي" الذي يعود إلى أرض الكنانة بعد عشرين عامًا قضاها في الولايات المتحدة الأمريكية. يعود الشاب "مصري" وكله حنين ليفاجأ بواقع أليم ينتقده، ولكنه لا يغرق في الانتقاد وإنما يوازن بين النقد والحب، ومن هنا يأتي اسم الفيلم "عسل أسود". فالشاب يعود إلى أهل حارته الذين يحتضنونه ويساعدونه بالرغم من أزماتهم ومحنهم الذاتية، ليكون الواقع العام المتدهور قبيل ثورة ٢٥ يناير هو الهدف الذي يوجه إليه الانتقاد، ولعل أغنية الفيلم تلخص مضمونه بشكل معّبر لتنتهي بتساؤل حزين: "إزاي في حضنكِ ملمومين وأنتِ على حالكِ كده؟"

أما أطرف مقاطع الفيلم على حد تعبير صديقتي العزيزة فهو المقطع الذي يلتقي فيه الشاب مصري مع مدرسة اللغة الانجليزية بمدرسته الابتدائية (والتي هي في ذات الوقت محبوبة جاره التي طالما سمع منه إطراء في حقها) حيث يفاجأ بأنها لا تجيد النطق بلهجة سليمة، وإنما "تُعَرِّبُ" نطق بعض الكلمات الإنجليزية بطريقة تستفزه، فيتدخل، فتجادله على الطريقة المصرية العتيدة، فإذا به في آخر المقطع يمسك بخناقها (بالجاكت، على حد تعبيرها) وعندما يرفض تركها، تنهره قائلة: "أنت قليل الأدب".

وعندما شاهدت المقطع المبثوث على الفيس بوك، ضحكت كما كان يتعين علىَّ، ولكن اللقطة الأخيرة استوقفتني. فمن المفهوم أن يستفز "مصري العربي" العائد من بلاد الفرنجة من طريقة نطق مدرسة اللغة الإنجليزية المعِيبة - ويزيد استفزازها له عندما تصر على صحة ما تقوم به - وإنما ما الداعي أن يمسك بخناقها؟ فما الذي طور نزاع كلامي إلى نزاع بدني؟ والسؤال الأهم: هل لو كانت المدرسة "ذكر" لتمكن كاتب السيناريو من أن يطور النزاع بهذا الشكل؟ أما أن كون المدرسة "أنثى" هو ما سمح بهذا المنحنى الدرامي؟

وبالرغم من أن اللقطة قصيرة فإنها ليست عابرة. فهي في الواقع لقطة غريبة على شخصية الشاب المصري الأمريكي، فكيف يمكن تبريرها دراميًا؟ فالشاب في المجتمع الأمريكي لا يمكنه أن يتعدى بدنيًا على أنثى لمجرد أنها ترتكب خطأ ما، وإن أصرت عليه بعناد. بالإضافة إلى الضعف الدرامي، يجب أن يستوقفنا المشهد في تكوينه. فالتعدي على بدن الأنثى من قِبَل قريب أو غريب - فهو صديق طفولة لم تره منذ أكثر من عشرين عام - لا يجب أن يمر مرور الكرام. فإذا كنا نبحث عن العنف على أجساد النساء في مصر فيجب أن تستوقفنا مثل تلك اللقطات. كما يجب أن يستوقفنا رد فعلها اللفظي على تعديه البدني عليها. فيمكننا قراءة ذلك من خلال إطار الثقافة السائدة بأن الفتاة لا يجب أن تدافع عن نفسها حتى وإن وقع عليها اعتداء. والأمر المعيب أن مثل تلك اللقطات "تطبع" علاقة العنف مع الجسد الأنثوي، بحيث لا يلتفت إليها إنسان. وبالأخص مثل تلك اللقطات التي تأتي في إطار كوميدي يسمح بتمرير تلك الأنماط السيئة من التعامل مع جسد المرأة، ففي هذه اللقطة بالذات علينا أن نتوقف لنعٍ أن هناك من يضع "السم في العسل الأسود".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نعمت شفيق .. المرأة الحديدية تقمع مظاهرات الطلاب الرافضة لإس


.. حديث السوشال | علاقة -سرية- بزعيم عصابة تتسبب في قتل ملكة جم




.. المشاركة في المسيرة جنان الخطيب


.. صباح العربية | مستشارة أسرية تشرح كيف تؤثر علاقة -الأنتيم- ع




.. حديث السوشال | تفاصيل مقتل ملكة جمال الإكوادور.. وأمطار غزير