الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أمريكا والنفط وسياسة التدخل2

عزت اسطيفان

2013 / 5 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


تأليف: ميكا ل. سفري
ترجمة وتقديم محمد ضياء عيسى العقابي وعزت إسطيفان
مقدمة المترجمين:
كُتب هذا البحث من قبل كاتب أمريكي عام 1999. ما دفعنا إلى نشره الآن، رغم قدمه ورغم إختلافنا مع بعض وجهات نظر الكاتب، هو رغبتنا في تنوير معظم مثقفي الجيل الجديد وتذكير معظم مثقفي الجيل القديم من أبناء شعبنا العراقي وخاصة العلمانيين منهم.
أردنا التنوير والتذكير بقضية هيمنت على مسرح السياسة الدولية ربما حتى قبل نهاية القرن التاسع عشر حينما أعلنت الولايات المتحدة أن القرن العشرين سيكون قرن النفط الأمريكي . أردنا التأكيد أيضاً على إستمرار هيمنة الموضوع النفطي على سياسات الوضع الحاضر، أي عصر العولمة ، رغم تبدل أشكال ووسائل التنافس والصراع .
إن هذا البحث يعتمد على وثائق أمريكية رسمية وقد وجدنا أنها تعزز الإستنباطات التحليلية الإيديولوجية التي كانت تعتمدها القوى المناوئة للمعسكر الرأسمالي في القرن الماضي في مهاجمة الغرب سياسياً وتأجيج حركات التحرر الوطني والحركات الوطنية في العالم الثالث ضده .
على أساس ذلك الصراع الإمبريالي على الأسواق العالمية ومنابع البترول إندلعت الحرب العالمية الأولى بين الدول الأوربية وفي أثنائها تم عقد إتفاقية سرية بين بريطانيا وفرنسا وموافقة روسيا القيصرية على تقاسم الشرق الأوسط في حالة الإنتصار على الدولة العثمانية . وقد فضحت حكومة الثورة البلشفية تلك الإتفاقية ونشرتها على العالم عام 1917. وبعد إنتهاء الحرب تم إنعقاد مؤتمر (سان ريمو) في الرفيرا الإيطالية عام 1920 الذي قرر مصير الدول التي كانت تحت حكم الإمبراطورية العثمانية التي خسرت الحرب . ركز المؤتمر أساساً على تقاسم الثروات النفطية في تلك البلدان.
وعلى هذا الأساس ذاته إنتهجت الرأسمالية العالمية سياسة الحرب الباردة بعد نشوب ثورة أكتوبر الإشتراكية التي أعلنت مساندتها لنضال الشعوب من أجل الإستقلال الوطني والحفاظ على ثرواتها الوطنية.
لقد أشعل الصراع على النفط والثروات الطبيعية عموماً الحرب العالمية الثانية وكان مشروع إنشاء سكة حديد بصرة – بغداد – برلين أحد أسباب إندلاعها ، وتسبب الصراع ذاته في النصف الثاني من القرن العشرين في حرب باردة وأزمات ومواجهات سياسية خطيرة ، قبع النفط والمصالح الإقتصادية عموماً في جوهرها ، كادت أن تدمر العالم بأجمعه بعد تطوير الأسلحة النووية الفتاكة.
واليوم وبعد تفكك الإتحاد السوفييتي وتوقف الحرب الباردة خفت حدة التوتر وبدى الأمر وكأن الصراع على البترول بين الدول الغربية قد إنتهى . هذا غير صحيح إطلاقا ً. فرغم أن أمريكا شجعت صدام على إحتلال الكويت إلا أنه كان تشجيعاً كيدياً لأهداف ستراتيجية نفطية – سياسية إذ قادت حرباً عالمية ضد العراق بحجة مقنعة للغرب وهي ضرورة عدم السماح لصدام بالسيطرة على 13% من نفط العالم وحصل ما حصل من تدمير للعراق وللتضامن العربي على هزالته المزمنة أصلاً.
هذا وقد أشار محللون سياسيون كثيرون إلى أن من دوافع إحتلال أفغانستان بعد هجوم تنظيم القاعدة الإرهابي المدان في 11/9/2001 على أمريكا - هو الإقتراب من دول شرق آسيا السوفييتية سابقاً الغنية بالبترول والتي تمر عبرها أنابيب النفط أيضاً.
ومن بعد ذلك جرى إحتلال العراق وسط معارضة أوربية شديدة في مجلس الأمن (عدا بريطانيا حليفة أمريكا التقليدية). لقد لخص مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأمريكية لمديرة مكتب صحيفة " الشرق الأوسط " في واشنطن هدى الحسيني ، لخص دوافع الغزو الأمريكي للعراق برغبة أمريكا في جعل العراق حليفاً "عسكرياً ونفطياً قوياً" على حد قوله. (وهذا ما لم تسمح به حكومة إئتلاف دولة القانون وزعيمه رئيس الوزراء السيد نوري المالكي).
وأخيراً لم يعد خافياً دوافع "الحميّة" الإنسانية للتدخل المسلح في ليبيا ودور البترول الليبي في تلك الحملة. كما إن تقارير سياسية كثيرة تشير إلى أن وجود إحتياطي ضخم من الغاز في سوريا إضافة إلى موقع سوريا الستراتيجي وكونها الركيزة الأساسية في منظومة الممانعة للتمدد الإسرائيلي في فلسطين المحتلة والمنطقة العربية هي الأسباب الحقيقية وراء التآمر على سوريا التي طالب شعبها وهو على حق بالديمقراطية غير أن التآمر العالمي الذي مثله في المنطقة كل من تركيا والسعودية وقطر قد حولوا حراك الشعب السوري إلى صراع طائفي إرهابي.
إن كل من يعتقد بأن العراق أصبح الآن في مأمن من شرور شركات النفط فهو مخطئ. إن ما تبدل عن أيام الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم هو الأسلوب لا غير. أما هدف السيطرة على البترول فهو هو لم يتغير خاصة وأن هناك من يريد أن يُدفع له ثمن تحرير العراقيين ، والتحرير أمر تُشكر عليه أمريكا لأن نظام طغمة البعث المتسم بالطائفية والعنصرية والدكتاتورية والديماغوجية بلغ من الطغيان حداً لم يعد قادراً على إطاحته سوى الله أو أمريكا. ولكن التحرير جاء كناتج عرضي ولم يكن هو المقصود من الغزو، لذا فلا مقايضة هناك ولا يحق لشركات النفط التذرع بها لإنتزاع مكتسبات غير مشروعة.
كانت قيادة الجيش الطائفي العنصري وحزب البعث هما الأداة التي ذبحت بها شركات النفط الشهيد عبد الكريم قاسم ونظامه الوطني . أما اليوم فهناك جيش وطني يلتزم معايير الحرفية والمهنية، والأهم وجود قاعدة جماهيرية شعبية عريضة قادرة على دعمه ودعم النظام الديمقراطي من أي عدوان أو تآمر داخلي أو خارجي.
لذا عمدت شركات النفط إلى أسلوب آخر لمواجهة الحكومة الفيدرالية المنتخبة ديمقراطياً في بغداد والتي إعتمدت أسلوب "عقود خدمة" عبر جولات تراخيص شفافة لم ترق لشركات النفط التي طالبت بالأخذ باسلوب "المشاركة في الإنتاج" لما يحققه من أرباح طائلة غير إعتيادية.
تم على ما يبدو، تقديم مغريات من قبل شركات النفط وتركيا والسعودية وقطر المدعومة إسرائيلياً، لفريقين عراقيين هما إئتلاف العراقية بقيادة السيدين أياد علاوي وأسامة النجيفي لإيصالهما إلى سدة الحكم وإسترداد حكم طغمتهم الساقط مقابل إفتعال حرب مع إيران لتتسلل تحت جناحها إسرائيل لضرب المنشآت النووية الإيرانية.
كما يبدو، أيضاً، أنه تم تقديم مغريات سياسية موعودة، قد لا تبصر النور وتضر بقضية ونضال الشعب الكردي العادل ، لزعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني ، ذي الطبيعة شبه العشائرية ، مقابل إضعاف حكومة بغداد وتشتيت قاعدتها الشعبية لتصبح الحكومة ويصبح العراق ألعوبة بأيدي تلك الجهات. لقد صرح الرئيس مسعود البرزاني ، رئيس الحزب الوطني الكردستاني تصريحاً خطيراً جداً في معرض رده على تحذير الحكومة الفيدرالية ببغداد شركات النفط من حرمانها من حق المنافسة في جولات تراخيص النفط إذا ما دخلت مع حكومة كردستان بإتفاقيات نفطية سرية ولا تحظى بموافقة وزارة النفط المركزية، كان تصريح السيد البرزاني نصاً كما يلي: "إن شركات النفط تعادل في قوتها عشر فرق عسكرية وإنها إذا دخلت بلداً فلا تغادره". وهذا يعني بوضوح أن شركات النفط باقية وعلى حكومة السيد المالكي أن ترحل كما رحلت حكومة الشهيد عبد الكريم قاسم. إنه تهديد واضح نيابة عن شركات النفط موجه للحكومة العراقية المنتخبة ديمقراطياً.
نقول إن التنوير والتذكير مهمان جداً اليوم إذ فرضتهما حقيقة تدعو إلى الإستغراب والأسف تخص وطننا العزيز العراق وشعبنا الكريم.
داعي الإستغراب هو خلو معظم المقالات السياسية من تناول موضوع النفط العراقي منذ سقوط النظام البعثي الطغموي. وما يدعو إلى الأسف أن معظم تلك المقالات تجعل المراقب لا يخفق في ملاحظة إغفال الكثير من المثقفين اليساريين معيار الحفاظ على الثروة العراقية النفطية الذي تم على يد حكومتي الإئتلاف العراقي الموحد ومن ثم التحالف الوطني بقيادة إئتلاف دولة القانون وزعيمه السيد نوري المالكي.
نعم لقد تم إغفال هذا المعيار الخطير كما تم إغفال معايير خطيرة آخرى كثيرة كان أهمها إخراج قوات الإحتلال من العراق وإستعادة الإستقلال والسيادة الوطنيتين اللتين ما كاد يخلو مقال أو بيان حزبي واحد لمختلف الإتجاهات السياسية العراقية من التباكي عليهما أيام العهود الطغموية الدكتاتورية ، واليوم أصبحت الخطابات وكأنها صحاري قاحلة.
كل ذلك، بإعتقادنا ، يعود إلى تراجع في الفهم العلمي لجوهر النظام الرأسمالي الذي كان اليسار قبل تفكك الإتحاد السوفييتي يحمّله المسؤولية حتى إذا عثر الطفل، واليوم أصبح بقدرة قادر وديعاً ولم يرَ البعض الجانب السلبي في سياسة أمريكاً بعد الإحتلال المتمثل بشل يد الحكومة العراقية وإفشالها لمحاولة تشتيت جماهيرها وإسقاطها وصب المجتمع العراقي بقوالبه وجعل الديمقراطية شكلية وفي خدمته لولا الإئتلاف العراقي الموحد والتحالف الوطني اللذان حالا دون تحقيق ذلك المبتغى. ويعود أيضاً إلى طغيان النزعة التكتيكية الجانحة نحو التسقيط السياسي أكثر من تحكيم المعايير الوطنية الموضوعية العادلة في التحليل وفي تقييم الأداء الحكومي. إنها نفس العقلية التي أجهضت تمرير قانون البنى التحتية لحجة صفيقة معلنة دون حياء وهي الحيلولة دون إرتفاع شعبية المالكي وكأن المطلوب من رئيس الوزراء الجلوس دون حراك ولا بناء لكي يفشل وينبذه الشعب ويصعد الأفندية إلى سدة الحكم!!! هذا ليس تنافس ديمقراطي!! بل إنه إستهتار بمصالح الجماهير!!
ولما تخطت حكومة التحالف الوطني بقيادة السيد نوري المالكي جميع المصاعب والتآمرات الداخلية والخارجية ومال الوضع إلى الإستقرار بعد إخراج القوات الأجنبية، تأججت التظاهرات في المنطقة الغربية من العراق وسرعان ما خطفها الطغمويون والتكفيريون ووجهوها وجهات خطيرة كالمطالبة بإسقاط الدستور والعملية السياسية والإعتداء على/ وقتل أبناء القوات المسلحة والأمن والشرطة ما يدل على أنها مفتعلة من الأساس، وحتى ما هو مشروع من مطالبها يمثل تقصيراً متعمداً من جانب وزراء ونواب ومحافظي المنطقة الغربية من أجل تأجيج الجماهير البريئة.
على أن الوجه المفرح في المشهد العراقي هو الوعي الشعبي الغريزي للجماهير العراقية الذي إنطلق من غريزة الحفاظ على الحياة في مواجهة الإرهاب الذي يجهر بعداءه السافر للشعب وتصميمه على إبادته. لقد إمتد ذلك الوعي الشعبي الغريزي ليشمل دعم النظام الديمقراطي والعراق الجديد والحكومة في معظم سياساتها ومنها السياسة النفطية وقد كافأها عبر صناديق الإقتراع وعاقب من تجنّى على الواقع رغم تعديل قانون الإنتخابات لصالح الكتل الصغيرة وسيأتي المزيد من الإخفاق كما نتوقع إذا لن يبادروا إلى مراجعة الذات مراجعة موضوعية جريئة.
محمد ضياء عيسى وعزت إسطيفان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


أمريكا والنفط وسياسة التدخل2
تأليف: ميكا ل. سفري
أ ُخذت إحتمالات تهديدات العراق للمشيخة الغنية بالنفط أي الكويت، بجدية كبيرة من قبل البيت الأبيض الأمريكي. في أول يوم لهذه الأزمة، أمر ايزنهاور بتحريك فيلق قتالي بحري من مقره في جزيرة أوكيناوا ، إلى الخليج " لحماية وصد أي هجوم عسكري عراقي محتمل على الكويت " . يقول أيزنهاور في مذكراته: "أعطيتُ توجيهات إلى الجنرال توايننك ليكون متهيئا ً لنقل كل شيء يُحتمل أن يكون ضروريا، لمنع أية قوة غير صديقة ، من الدخول الى الكويت وذلك بعد إستحصال موافقتي الشخصية"،
وحسب رأي السيد كواندانت ، العضو الأقدم في مجلس الأمن القومي الأمريكي فإن " هذا يبين بوضوح أن أيزنهاور كان يشير ألى إحتمال إستعمال أسلحة نووية، وقد نوقش هذا الأمر عدة مرات خلال هذه الأزمة. "
جرى إكتشاف، في وثائق جديدة من دائرة السجل البريطاني العام ، وكذلك في وثائق مجلس الأمن القومي الأمريكي، أدلة ثابتة توضح وتشرح ما كان وراء النشاط البريطاني -- الأمريكي !! . فهذا نص برقية أ ُرسلت من قبل السيد سيلوين لويد سكرتير السفارة البريطانية في واشنطن، أرسلها ألى لندن بتاريخ ١٩/ ٧ / ١٩٥٨:
" هُم ( الحكومة الأمريكية ) يفترضون ، بأننا سنتخذ موقفا ً حازما ً لتثبيت وجودنا في الكويت ، وهم أنفسهم ، يميلون للعمل في إتجاه مشابه لذلك ، مرتبط بالعلاقة بموضوع حقول نفط آرامكو في الظهران ....، وهم يفترضون ، أن يأخذوا البحرين وقطر، في طريقهم . ووافقوا على وجوب الإحتساب لوضع حقول النفط هذه تحت سيطرة أيادي غربية مهما كلف الأمر ."
جاء في تقرير غير مؤرخ لمجلس الأمن القومي الأمريكي حول "قضايا إستجدت في ظروف الشرق الأدنى" أن مخططي الأمن الأمريكي أجروا تقييماً شاملاً للإيجابيات والسلبيات التي ستنجم من إستخدام العمل العسكري. هل الولايات المتحدة جاهزة، إذا إقتضى الأمر، لدعم أو مساعدة البريطانيين لإستخدام القوة لإبقاء سيطرتهم على الكويت وكذلك على الخليج الفارسي ؟

١- الرأي الذي يتفق مع الخيارالعسكري :
لضمان وتأكيد الحصول على النفط ، لكونه مصدراً حيوياً لإقتصاد أوربا الغربية..... إذا إستطاع عبد الناصر من فرض سيطرته ونفوذه على منطقة الخليج المنتجة للنفط ، فإن امكانية الغرب في الحصول على النفط ستصبح مهددة جدا .ًإن الحل الوحيد لضمان إستمرارية الحصول على نفط الخليج ، وبشروط مقبولة ، هو ألإصرار على إبقاء الإمتيازات والأوضاع كما هي عليه الآن.

٢- الرأي المعارض للخيار العسكري :
إذا كان لا بد من استخدام الخيار العسكري ، فيجب توظيفه لإدامة وإبقاء سيطرتنا على المنطقة. إن الغرض والفائدة من أي عمل أوتحرك ، يجب ألا تخدم سياسة وتوجهات القوى القومية العربية المتطرفة ، وإلا فإن علاقة الولايات المتحدة ، مع الدول المحايدة ، في العالم كله ، ستتعرض إلى نكسة كبيرة وإن العداء لنا ( الولايات المتحدة ) ، سوف يزداد بشكل ملحوظ في الشرق الأوسط . من الأفضل خلق أجواء على أساس استمرارية وضمان العلاقة مع الكويت ، والخليج النفطي .
على مسرح الحرب الباردة ، وفي الأمم المتحدة ، وبعد العديد من الخطابات المشحونة ، وتوجيه الإتهامات المتبادلة ،بين لإتحاد السوفييتي وامريكا ، خف بسرعة وبقدر كبير، إحتمال التصادم ،بين هذه القوى العظمى ، الذي أججه تحريك قوات عسكرية أمريكية إلى لبنان . كذلك أدرك العراقيون حينئذٍ محدودية ثورتهم . ففي يوم ١٨ تموز ١٩٥٨كتبت جريدة التايمس اللندنية ، في عنوان بارز لها " الغرب لن يتدخل في العراق طالما أن النفط غير مهدد !! " .
كان الرئيس آيزنهاور قد إجتمع مع السيد سيلوين لويد من السفارة البريطانية . ونقلت الصحفية دانا آدم سميث عن نتائج هذا الإجتماع ما يلي: " في الوقت الحاضر، لن يطال التدخل العراق ما دامت الحكومة الثورية هناك تحترم مصالح الغرب النفطية . " أيضا ً وفي نفس اليوم أعلن راديو بغداد أن " العراق سيحترم إلتزاماته ".
بعد أن زال الخوف على مصالح الغرب النفطية ، وإضمحل التهديد المفترض !! على حكومة كميل شمعون ، أرسل أيزنهاور ، الدبلوماسي روبرت ميرفي إلى بيروت ،وأعلن بسرعة " الشيوعية لم يكن لها أية علاقة في الأزمة اللبنانية ." وتم إيجاد بديل للسيد كميل شمعون في شخص الجنرال فؤاد شهاب قائد الجيش اللبناني ، وهو شخصية مقبولة لكل الأطراف . من السخرية ، انه وقبل بضعة أشهر وخلال إتصالات دبلوماسية بين الحكومتين المصرية والأمريكية ، كان جمال عبد الناصر قد إقترح نفس المقترح تماما ًلحل الأزمة اللبنانية.
ما حدث بعد الإنقلاب في العراق ، والإنزال العسكري في لبنان، هو مفهوم جديد وتغير لقواعد اللعبة السياسية في الشرق الأوسط . التغييرات السياسية أصبحت ممكنة ، ما دامت المصالح الإقتصادية مُؤمنة . وأن الولايات المتحدة الأمريكية ( لا بريطانيا العظمى ) ستقرر المقبول والمرفوض من النشاطات السياسية ، والتحركات العسكرية في المنطقة. في تقرير لمجلس الأمن القومي الأمريكي بتاريخ ٤-١١-١٩٥٨ يضع بعناية فائقة إطار التفكير للمسؤولين الرسميين في المنطقة على الوجه التالي :
" كن متهيئاً عندما يتطلب الأمر. تحَرك ْ نحو الأمام وبصيغ وخطط تتوافق مع المصالح الحيوية للعالم الحر، وفي مناطق مصادر النفط ، التي تتواجد فيها موجات النشاط القومي .... كُن متهيئاً لإستخدام القوة ، لكن كخيار أخير، لتأمين الحصول على النفط وإدامة وصوله من الشرق الأدنى، وبشروط مقبولة لنا ، وكذلك ما يخص النفط الآتي من مصادر أخرى بشكل يتناسب مع حاجة ومتطلبات أوربا الغربية. يجب الإنتباه والتمييز والإدراك بأن هذه التوجيهات سوف تصطدم وتتقاطع مع نظرة الفكر القومي العربي . لذلك لايمكن إتباعها دائما ً وليست نهائية ".
في ملاحظات مدفونة في هوامش ومسودات مصدرنا المجهول ، وهو أحد المخططين للمجلس القومي الأمريكي ، ذكر فيها بأن دراسة قد أُنجزت لوضع " خطة عملية طويلة الأمد " للتقليل من إعتماد الغرب على نفط الشرق الأوسط .
خلال ثلاثين عاما ً منذ هذه الحقبة التاريخية ، حاولت أمريكا ، وبطرق مختلفة حماية مصالحها في المنطقة ، من خلال تقديم المعونات والمكافئات والإمتيازات لأصدقائها من الحكام العرب.
جرت حماية قادة الأردن ومصر والمغرب ولبنان من قبل وحدات سرية مدربة تابعة لوكالة الإستخبارات المركزية، مقابل خدمات تجسسية. يقول الصحفي الأمريكي الشهير بوب وودورد " كان الملك حسين ملك الأردن ولعشرين عاما ً يتلقى منحة مالية من وكالة الإستخبارات المركزية ."
إن وكلاء النفوذ الأمريكي ، مثل شاه إيران والإسرائيليين ، جرى تسليحهم بإستمرار ، ومُنِحوا إمتيازات خاصة ، وأطلِقَ عنانهم ، كما وأن أي حاكم يمتلك الأموال اللازمة، مهما كانت طُرق طغيانه للتصرف بأموال شعبه، تم تزويده بالسلاح.
إن إتفاقية ، السلام بين إسرائيل ومصر في كامب ديفد ، والتي ضمنتها وكفلتها أمريكا ، أزالت الخطر الأكبر من نشوب حرب إسرائيلية جديدة ، ولكنها قامت على حساب الشعب الفلسطيني وإنكار حقوقه وطموحاته.
في الثمانينات ، كان صدام حسين "رَجُلنا القوي" عندما كان يحارب "آيات الله ". ربما لو أن صدام قضم الكويت "برقة" لما إستندت امريكا على السعودية فقط كوكيل وحيد لها في المنطقة . لكن إحتلال واستقطاع الكويت كان قوياً وتحدياً كبيراً لسلطان أمريكا في العالم.
وليس غريبا ً أن تسمع مرة أخرى ، إدعاءات حماية الدول الصغيرة من العدوان ، لتبرير التدخل الأمريكي ، أو إختراع خطر "نازي" يجري إستحضاره في غياب الدب الروسي .
الحقيقة المحزنة ، هي ،عوضا ً عن إنهاء الإعتماد الأمريكي على النفط ، وتشجيع الحركات الديمقراطية في تقرير مصيرها في منطقة الشرق الأوسط، فإن واشنطن، ببساطة، تعتمد على صيغ غير مستقرة واحدة تلوة ألأخرى لإدامة تسلطها ، والآن كل شيء ينفجر في وجهنا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. محمود ماهر يخسر التحدي ويقبل بالعقاب ????


.. لا توجد مناطق آمنة في قطاع غزة.. نزوح جديد للنازحين إلى رفح




.. ندى غندور: أوروبا الفينيقية تمثل لبنان في بينالي البندقية


.. إسرائيل تقصف شرق رفح وتغلق معبري رفح وكرم أبو سالم




.. أسعار خيالية لحضور مباراة سان جيرمان ودورتموند في حديقة الأم