الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ربيع دمشق والكراسي الموسيقية

نزار حسن

2005 / 4 / 20
حقوق الانسان


عفا عنهم...
لم يعف عنهم...
سوف يعفو عنهم...
هكذا تواصلت لعبة الكراسي الموسيقية في الاشاعة التي انتشرت كالنار في الهشيم في عدد من الصحف العربية والمواقع السورية على الانترنيت، ومفادها ان الرئيس السوري بشار الاسد يعتزم اصدار عفو خاص عن معتقلي "ربيع دمشق". وكما هو معروف، هؤلاء هم النائبان المستقلان عن مدينة دمشق رياض سيف ومأمون الحمصي، والاكاديمي الاقتصادي الدكتور عارف دليلة، والطبيب وليد البني، والمحامي حبيب عيسى، وفواز تللو.
والاشاعة اتخذت مسارات درامية وتشويقية منذ ان اطلقها للمرة الاولى "المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سوريا"، الذي يديره من باريس المعارض السوري نزار نيوف، على الرغم من اعلانه اعتزال السياسة لاسباب صحية. والمجلس اصدر، بتاريخ 14 نيسان، بياناً يؤكد بشكل قاطع ان "اطلاق سراح النائبين المستقلين رياض سيف ومـأمون الحمصي قد يتم خلال الساعات القليلة القادمة"، وذلك استناداً إلى "رسالة تلقاها المجلس من مصدر موثوق في وزارة الداخلية السورية".
لا نعرف طبعاً كيف تمكن المجلس من زرع ذلك "المصدر الموثوق" في قلب وزارة الداخلية التي يقودها اللواء غازي كنعان احد ابرز صقور النظام، ولكننا لسوء الحظ نعرف ان ساعات قليلة مرّت، ثم مرّت بعدها ساعات غير قليلة، ثم انقضى يوم، ويومان، وخمسة... ولا تأكيد ابداً لإطلاق سراح أي من المعتقلين المذكورين. لا المجلس الوطني اكترث بتوضيح السبب في تأخير الإفراج، وما اذا كان "المصدر الموثوق" كاذباً يخاتل رجال المجلس ويخادعهم، ولا مراسلو الصحف العربية من دمشق كلفوا انفسهم عناء ترقيع الاشاعة. وزاد الطين بلة ان مراسل صحيفة "الوطن" العمانية ذهب الى الحجّ والناس راجعة، فأكد الإشاعة من جديد ولكنه ربطها بالذكرى التاسعة والخمسين لجلاء المستعمر الفرنسي عن سورية، 17 نيسان. وللأسف، هنا كذلك انقضى يوم الذكرى، ثمّ انقضى يوم آخر بعده، ويومان... ولا أثر يفيد أن أياً من المعتقلين غادر الزنزانة...
وبمعزل عن فبركة واطلاق الاشاعة ذاتها، يلفت الانتباه انها اقترنت بما يشبه تبييض صفحة الرئيس السوري وتجميل نواياه ومقاصده. بيان المجلس الوطني مثلاً يقول ان اطلاق سراح المعتقلين سوف يتمّ رغم أن "عدداً من قادة مراكز القوى، وبشكل خاص بهجت سليمان وشريكه رامي مخلوف يحاولان عرقلة إطلاق سراح النائبين".
كذلك اشار البيان الى ان "رئيس جهاز الاستخبارات المصرية اللواء عمر سليمان زار دمشق سراً خلال هذا الاسبوع الماضي وابلغ الرئيس السوري رسالة من واشنطن مفادها ان استبعاد الرئيس السوري من التحقيق في جريمة اغتيال الحريري يقتضي التصفية السياسية الفورية لعدد من ضباط المخابرات وشركائهم من زعماء عصابات مافيا النهب وتبييض الأموال في لبنان، وتقييد حركتهم ووضعهم فيما يشبه الاقامة الجبرية ومنعهم من الهرب أو التخفي للحيلولة دون التحقيق معهم في جريمة اغتيال الحريري".
هل يعني هذا ان عمر سليمان ينتمي الى صنف عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز في نظافة اليد وطهارة الذيل وكراهية الفساد والمفسدين؟ وفي الاساس، هل يعني هذا ان بشار الاسد ضد الفساد والفاسدين، او انهم ينهبون ثروات سورية وخيراتها دون علمه؟
واخيراً، قال بيان المجلس الوطني: "كما أمر الرئيس السوري، ودائما حسب المصدر، بمنع اكثر من 50 ضابط مخابرات، معظمهم كان في لبنان، من السفر ووضع بعضهم قيد الإقامة الجبرية. وعلم ان من بين الممنوعين من السفر جميع قادة أجهزة المخابرات. وقال المساعد الاول (ابو علي) الذي يعمل في مفرزة المخابرات الجوية بمطار دمشق الدولي ان المفرزة تلقت فعلا قائمة من القيادة تتضمن اكثر من 63 ضابطا ومسؤولا في الحزب [ حزب البعث] تم الاشارة فيها إلى انه يمنع مغادرتهم القطر إلا بأمر خطي صادر عن الرئيس (بشار الاسد) شخصياً".
هكذا دفعة واحدة... "جميع قادة اجهزة المخابرات"؟ هل يعني هذا الاطلاق الرهيب ان الرئيس دخل في حرب مع "جميع قادة اجهزة المخابرات"؟ من يقف معه اذن؟ ومن الذي يحمي النظام من السقوط: عمر سليمان مثلاً؟
وفي السياق ذاته، في الفترة ذاتها، نشرت صحيفة "السياسة" الكويتية تقريراً عجيباً مريباً من دمشق يقول عنوانه: "يقوده الأسد بنصيحة من مبارك ويشمل إلغاء قانون الطوارئ وتبييض السجون وكسراحتكارالبعث للسلطة: انقلاب ابيض في سوريا الشهر المقبل"! وهذا التقرير يستند، بالحرف تقريباً، على رسالة غامضة المصدر وزعت على نطاق واسع عن طريق الإيميل، تستند على حكاية اللواء عمر سليمان وتشير إلى ان الاسد ينوي تسريح او اقالة او ابعاد عدد من كبار المسؤولين السياسيين والأمنيين والعسكريين، مثل نائبيه عبد الحليم خدام ومحمد زهير مشارقة، ثم غازى كنعان وزير الداخلية الحالي وخليفته رئيس جهاز الامن والاستطلاع في لبنان رستم غزالة، وخال الرئيس محمد مخلوف وابن خاله رامي مخلوف. ولكي تكتمل دائرة تبييض صفحة الرئيس وتنزيهه عن كل ذنب، يختتم التقرير هكذا: "واكدت المصادران الأسد، بموجب الانقلاب الأبيض الذى سيعلنه، سيوقف كل هذه التجاوزات الخطيرة التي احالت الوطن السورى الى مزرعة ينتهبها خال الرئيس وابن خاله، وبمساعدة غسان مهنا عديل محمد مخلوف، ونزار اسعد، وسيسمح لابناء الشعب السورى من المتضررين الذين تم الاستيلاء على اراضيهم وعلى وكالاتهم التجارية بالقوة بمقاضاة خاله محمد مخلوف وابن خاله رامي لاسترجاع واسترداد ما سلباه منهم"...
مجنون يحكي، وعاقل يسمع!
حتى لو كان الاسد قادراً على تنفيذ انقلاب ابيض، فهل ينقلب المرء على نفسه واهله وذويه واتباعه وانصاره؟ وهل ينقلب على الذين يحمون ظهره ويسندون ركائز حكمه ويدفعون الاثمان الباهظة للموالين والازلام وحراس النظام؟ وقبل هذا وذاك، هل إذا غاب مشارقة او خدام او مخلوف الاب ومخلوف الابن ستنقلب سورية الى جمهورية افلاطون؟ وماذا عن آل الأسد فرداً فرداً، وبعدهم آصف شوكت وبهجت سليمان، والأبناء البررة من امثال مجد سليمان وجمال خدام وفراس طلاس؟
الايام القليلة التي انصرمت على حبك الخديعة كانت كفيلة بكشف حبائلها: ها هم زعران النظام يعتدون على ابن عارف دليلة في عقر داره في قرية بسنادة، وها هو رستم غزالة (الممنوع من السفر حسب المسرحية!) ما يزال يسرح ويمرح وويودّع اصحابه في بيروت وعنجر كما ذكرت الصحف اللبنانية...
ومع ذلك من المؤسف ان الخديعة انطلت على الكثيرين، بل من المؤسف ان تقع في الفخ ذاته بعض المواقع المعارضة التي عرفت عنها اليقظة وعدم النفخ في قربة مثقوبة...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتقالات وإعفاءات في تونس بسبب العلم التونسي


.. تونس– اعتقالات وتوقيف بحق محامين وإعلاميين




.. العالم الليلة | قصف إسرائيلي على شمال غزة.. وترمب يتعهد بطرد


.. ترمب يواصل تصريحاته الصادمة بشأن المهاجرين غير الشرعيين




.. تصريحات ترمب السلبية ضد المهاجرين غير الشرعيين تجذب أصواتا ا