الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول مشروع السودان الجديد

احمد داؤود

2013 / 5 / 5
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


في حوار لي مع احدي اصدقائي الذين يتبنون فكرة ان "السودان دولة عربية واسلامية " سالته عن افضل الرؤي التي تخاطب اس المشكل السوداني فما كان منه الا ان اعلن بانها تلك التي تتبناها التنظيمات التي تؤيد الايدلوجتين العربية والاسلامية . وبادرته بسؤال اخر :ما تعليقك علي رؤية او مشروع السودان الجديد الذي جاء به قرنق .رد علي الفور " بانها وان كانت ايجابية لاتباعها الا انها سلبية في اعتقادي " وعندما سالته عن مصدر السلبية قال لي " بانها تستهدف استئصال الهويتين العربية والاسلامية " .

ما دعاني لذكر ذاك الحوار ليس اصرار البعض علي فكرة ان السودان دولة عربية واسلامية وانما مفهومهم الخاطي عن فكرة السودان الجديد . ففي اعتقاد القليل من قطاعات الشعب ان تلك الرؤية لا تهدف الا لأعادة هيكلة الدولة السودانية بما يضع مقاليد الامور في ايدي المكونات ذات الهوية الافريقية مع اقصاء تلك التي تنتمي للحقل العربي والاسلامي .

اجهزة الاعلام المحسوبة لحكومة الجبهة ظلت وباستمرار ترسخ مثل هذه الافكار في لا وعي السودانين وخاصة البسطاء منهم والذين لايمتلكون صورة حقيقية لذاك المشروع . صحيفة الانتباهة التي يتراسها خال الرئيس السوداني لم تُنشا الا لتحقيق تلك المهمة . وتعتمد سياستها التحريرية علي نبذ واقصاء كل الافكار التي تنادي بتقليص هيمنة الايدلوجيتين الاسلامية والعربية علي مفاصل الدولة . وتوصم كل من يفعل ذلك بالعنصرية . كما انها تؤكد باستمرار ان مشروع السودان الجديد الذي تحمله وتتبناه قوي الهامش يهدف الي استهداف العرب والمسلمين .

وفي ظل هذا الوضع ليس غريبا ان تجد بعض الدول العربية ترفض مناصرة وتأييد اصحاب او الحاملين لتلك الفكرة . ويقول البعض علي سبيل المثال انهم يفضلون التعاون مع هذا النظام من التعاون مع حركات ثورية يعتقدون بانها تسعي الي استئصالهم .

هذا من جانب ،اما من الجانب الاخر فان انتقال مبتكر تلك الرؤية الي الرفيق الاعلي جعل الكثير من المؤيدين لها في السابق ينقلبون ضدها ،بل انهم يعتقدون بانها في طريقها الي الاندثار وخاصة مع انفصال جنوب السودان . وفي اعتقاد هولاء بان تلاميذ قرنق او حتي مدرسته التي خلفها ليسوا جديرين بحمل لوائها .النظام من جانبه سعي بشتي الطرق لا ستطقاب هؤلاء .بل نجح في استمالة بعضهم .واصبح يستخدمهم في حربه ضد قوي الهامش .

بعض القوي المعارضة لذاك النظام وخاصة تلك التي تؤيد الايدلوجية الاسلاموعروبية ظلت هي الاخري تجرم وتعمل علي تشويه صورة مشروع السودان الجديد . وتحرض المواطنين لعدم الانخداع لمن يحملون لوائها . في خضم كل ذلك ومع تخلي بعض تلاميذ قرنق عن بعض مبادئه اصبح شبح الاندثار يهدد ذاك المشروع .

كما ان البعض الاخر يعتقد بان مشروع السودان الجديد ليس سوي تكتيك ابتكره قرنق ليضمن حقوق ابناء جلدته وليس حقوق كل السودانيين وأدي انفصال جنوب السودان علي سبيل المثال الي تدعيم مثل هذه الافكار خاصة وسط بعض ابناء النوبة وان كان بعض تلاميذ قرنق يصفون الذين يحملون مثل هذه الافكار بانهم موالين للنظام .

ولكن ومهما يكن من امر يبرز السؤال :هل سينجح مشروع السودان الجديد في معالجة المشكل السوداني ؟

كثير من الناس يعتقد بان "السودان الجديد " مصطلح او قل رؤية او مشروع سياسي خاص بالحركة الشعبية لتحرير السودان . ولكن مثل هذا الاعتقاد خاطي .فرغم ان قرنق هو من استخدم او استن هذه الرؤية الا انها ليست حكرا علي تنظيم سياسي او حركة بعينها .لماذا لانها رؤية تستهدف معالجة المشكل السوداني ككل وليست مشكلة جهة اقليمية او جماعة بعينها .

والمتامل للمشهد السياسي يري بان الذين يحملون لوائها ليسوا اعضاء في الحركة التي اسسها قرنق . بل انك تري بان هذا المصطلح موجودا حتي في ادبيات بعض التنظيمات السياسية والقوي الثورية باقليم دارفور .

واذكر ان احد قادة النظام في احدي مخاطباته الجماهيرية وبطريقة غير واعية بشر السودانيون بسودان جديد . حينها قال البعض بانه ليس سوي استهلاك سياسي . ولكن بالتعمق في الامر تجد بانه كان يعترف بوجود سودانان احدهما قديم والاخر هو الجديد الذي سيهدم الاول في اشارة واضحة بان السودانين يطمحون في تاسيس هذا الاخير الامر الذي يدحض فرضية ان مشروع السودان الجديد خاص بالحركة الشعبية فقط .


وحول الاجابة علي السؤال الذي طرحته سابقا فانا اعتقد بان مشروع او رؤية السودان الجديد ستنجح في مخاطبة الازمة السودانية ومعالجتها في نهاية الامر . وما يجعلني اتبني ذاك الراي هو ان كثير من الرؤي التي طرحتها التنظيمات السياسية عجزت حتي الان في بناء وطن سوداني يضم كافة المكونات . كما ان الحاملين للواء السودان القديم من قوي تقلدية عجزت هي الاخري في مخاطبة اساس المشكل السوداني ومن ثم معالجته . ويكاد يتفق اغلب المراقبين بان ما يشهده السودان من حروب واصطدامات يرجع سببها الاساسي في اصرار المؤيدين للسودان القديم علي تطبيق نهجهم الذي باء بالفشل حتي هذه اللحظة .

قد نتفق او نختلف مع الحركة الشعبية .كما نعترف بان حاملين فكرة السودان الجديد قد تخلوا عن جزء من مبادئها .كما ان التجربة قد صاحبتها بعد السلبيات ولكن ذلك لا يعني ان تلك الفكرة سالبة او انها عجزت في معالجة المشكل السوداني بل علي العكس فهي جاءت بطرح جديد خلافا للاطروحات السابقة .

قد يعيب البعض بل ويتخوف من تلك الرؤية خاصة مع اعتمادها لفكرة الدولة العلمانية .ولكن مثل هذا الخوف او الشك ليس مبينا علي اسس موضوعية . فالعلمانية التي طرحتها لاتهدف لاستئصال الدين حسب ما يروج البعض .وانما تسعي لحمايته من الاستغلال السئ وجعله علاقة خاصة بين الانسان وبين تلك القوي التي يعتقد بانها انزلته . وموقفها من كل الاديان موقف "حامي" وليس عدائي .

وانا اعتقد بان هجوم البعض علي علمانية حاملي لواء السودان الجديد ليس خوفا علي الدين بقدر ما هو خوف علي مصالحهم وامتيازاتهم الشخصية التي يتحصلون عليها من خلال التحدث باسم ذاك الدين .

ان مشروع السودان الجديد يدعو لاعادة بناء الدولة السودانية بما يتيح لكافة مكوناته الفرصة للتعبير عن ذايتيها وخصوصيتها مع الغاء كافة انواع الاحتكار والاقصاء الذي عُرف به السودان القديم . كما انه يهدف لتحيد الدين والاله وابعاد هذا الاخير عن صراعات البشر .

والمفهوم الخاطي لتلك الرؤية تسبب في توجس الكثير منها . بل ان البعض لازال يتمسك بفكرة انها تهدف الي استئصالهم . و هنا يقع العبء الاكبر علي حاملي او متنبي تلك الفكرة لازالة هذا الفهم الخاطي عنها . عليهم ان يثبتوا لهؤلاء بانهم ليسوا كذلك .وانهم لايهدفون الي اعادة هيكلة الدولة السودانية بما يضع السلطة في يد المجموعات الزنجية .

عليهم ان يفندوا ادعاءات مناهضيهم ويثبتوا لهم عمليا بانهم لا يهدفون الا لأقامة وطن يسوده العدل والسلام . وطن تكون فيه المواطنة اساس الحقوق والواجبات . لا وطن تكون فيه المواطنة حسب انتماءات اثنية وثقافية ودينية .

قد يعتقد الكثير من حاملي مشروع السودان الجديد بان الافكار السالبة التي يبثها النظام الحاكم عنهم لا تؤثر عليهم .ولكن مثل هذا الاعتقاد خاطي . فما ان تذكر مصطلح السودان الجديد في بعض المجتمعات حتي يتبادر الي اذهانهم اسرائيل والغرب والمخطط الذي يحيكانه للقضاء علي العرب والمسلمين وخاصة ان بعض حاملي هذا المشروع ينتمون للثقافات الافريقية التي عانت من القهر والتذويب . كما ان البعض الاخر يعتقد بان تلك العناصر ترغب في الانتقام من العرب والمسلمين ولذلك يرفضون تأييدها ومناصرتها مع ادراكهم المسبق عدم صحة مثل تلك الافكار .

استطيع ان اقول ان هنالك "فوبيا سودان جديد " وكثير من الادلة تؤكد صحة ما اذهب اليه . والتحدي الذي يواجه حاملي ذاك المشروع يتمثل في كيفية وضع معالجات حكيمة لتلك الفوبيا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استعدادات دفاعية في أوكرانيا تحسبا لهجوم روسي واسع النطاق


.. مدير وكالة المخابرات الأميركية في القاهرة لتحريك ملف محادثات




.. أمريكا.. مظاهرة خارج جامعة The New School في نيويورك لدعم ال


.. إطلاق نار خلال تمشيط قوات الاحتلال محيط المنزل المحاصر في طو




.. الصحفيون في قطاع غزة.. شهود على الحرب وضحايا لها