الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين السبعاوي و قاسم حسن

وصفي أحمد

2013 / 5 / 6
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


( الحلقة التاسعة من تأسيس الحزب الشيوعي العراقي )
كانت فكرة التوجه إلى الاتحاد السوفيتي طلباً للمساعدة قد نشأت عند عراقي دخل أكثر من مرة في خطط الشيوعيين دون أن يندمج بهم , إنه يونس السبعاوي .
كان السبعاوي , ذو الذهن التوقد و النشيط , قد ولد لأبوين فقيرين في مدينة الموصل حوالي سنة 1906 , و كان ينتمي إلى النواة القائدة لحركة 1941 , و كان يمثلها أكثر بكثير مما يفعل رشيد عالي , على الأقل في إخلاصه الذي لا يلين لأفكارها و مبادئها . و كان رشيد عالي سياسياً من النوع التقليدي يتميز بروح التوافق مع متطلبات اللحظة القائمة . و كان عروبيا مثله في ذلك مثل السبعاوي و العقداء الأربعة , و لكنه لم يكن كذلك أبداً بطريقة قاطعة أو عاطفية . و بالرغم من أنه كان أقل ليونة عندما يتعلق الأمر بالنفوذ البريطاني , فإنه كان مع ذلك قادراً على غض الطرف حتى في هذا المجال , إذا كان ذلك ضروريا من الناحية السياسية . و بغض النظر عن مرونته , فإن الواضح أن ارتباطاته بالعقداء الأربعة لم تكن تعود إلى ما قبل آذار ( مارس ) 1940 , و بالتالي فإن وجوده على رأس السلطة بعد سنة واحدة في قمة الحركة كان مجرد صدفة .
و لم يكن من هو اكثر التحاقا من السبعاوي مع أفكار , و مشاعر , ضباط الجيش العروبيين , و لا حتى أي مدني و إن كان مفتي فلسطين نفسه . و الواقع أنه كان على اتصال مع صلاح الدين الصباغ , ابرز العقداء الأربعة , منذ وقت مبكر يعود إلى سنة 1929 , ايام تشكيل نواة المجموعة العسكرية العروبية التي كان لها في النهاية أن تتولى السيطرة السياسية . وفي السنوات التالية عمق يونس اتصالاته بالجيش , و ربما كان لهذا , إلى جانب الآراء القومية المتعددة التي كان ينشرها كلما سنحت له الفرصة , ان يفسر ملاحظة نوري سعيد التي نقلت عنه و التي أدلى بها أثناء نفيه في القاهرة سنة 1936 إلى موفق الآلوسي , الذي كان ذات يوم سفيراً للملكة العربية السعودية في روما . قال السعيد مشيرا إلى السبعاوي : (( هذا الرجل سيقلب العراق رأساً على عقب يوماً ما )) . و على العموم فإن السبعاوي زج نفسه في الفترة 1936 – 1939 في مبادرات أكثر تواضعا من ذلك بكثير , حيث نظم – و بستر العقيد الصباغ على الأقل – تهريب السلاح و الذخيرة من مستودعات الجيش إلى المقاتلين العرب في فلسطين . و بلغ السبعاوي ذروة حياته المهنية المضطربة في ارتقائه الصاعق إلى (( لجنة السبعة )) السرية التي وجهت خلال شهري نيسان ( أبريل ) و أيار ( مايو ) 1941 مصائر العراق .
عند هذه النقطة ظهرت في خلفية الصورة شخصية قاسم حسن الغامضة , وهو من مؤسسي الحزب الشيوعي العراقي . و كان حسن على أكثر من معرفة بيونس السبعاوي , فقد درس كلاهما في مدرسة الحقوق بدمشق . وكان الاثنان معجبين بالأهالي وعملا فيها . و في سنة 1936 , عندما كان السبعاوي منهمكاً بتهريب السلاح اكتشف أن الشيوعيين المرتبطين بقاسم حسن كان لهم ما يفعلونه في إطار التهريب . وعرف السبعاوي أنه وجد ضالته في حسن وعمل الاثنان معاً و باتفاق تام لأشهر عديدة تالية , و مررا – بمساعدة ناظم حميد نائب مدير الجمارك في الرمادي – حمولاتهما غير المشروعة عبر الحدود الواقعة وراء الرطبة من دون متاعب . ومن هناك كانت مسؤولية نقل السلاح تقع على عاتق فؤاد نصّار , الذي كان يومها من قادة الثوار العرب ووسيطاً سريا بين الشيوعيين و القوميين , حيث كان يؤمن وصول السلاح إلى المواقع الفلسطينية التي يجب أن يصل إليها , علماً بأن نصّار أصبح فيما بعد سكرتيراً أولاً للحزب الشيوعي الأردني .
و أوجدت هذه الأعمال الجريئة المشتركة نقطة اتصال لفؤاد نصار و قاسم حسن بالسبعاوي , و أثرت في أفكاره . و لم يكن السبعاوي قد طور أي ميول يسارية و لكنه صار مقتنعاً بإمكانية الاعتماد على اليساريين في صراع النظام القومي مع بريطانيا , الذي أصبح صراع حياة أو موت . ومن الأمور ذات المغزى أنه في الأيام الحرجة الأخيرة من شهر أيار ( مايو ) , عندما حجب التجار القمح عن الأسواق وبدأت البدرة القصوى في الغذاء تهدد البلاد , عهد السبعاوي بكل (( علاوي )) – صوامع حبوب – بغداد إلى اليساريين , و بهذا يكون اليسار العراقي كان قد تمتع أيام وزارة رشيد عالي بدرجة معينة من النفوذ على أعلى المستويات .
وعندما برزت مسألة الحصول على السلاح من الاتحاد السوفيتي فكر السبعاوي بصديقه القديم قاسم حسن و اقترح ايفاده إلى موسكو مزوداً بالتعليمات الضرورية . وعلم الحزب الشيوعي بذلك عبر ناصر الكيلاني , أحد مؤيديه و ابن عم رئيس الوزراء , و أرسل إشارة إلى الحكومة تقول بأن قاسم حسن قطع منذ زمن علاقته بالحركة الشيوعية , و أن الحزب على استعداد لإرسال أحد أعضائه إلى موسكو – و كان يوسف سلمان يوسف هو المقصود – و من الأرجح أن يحقق نتائج أفضل .
وتوقف الامر يومها عند هذا الحد . و لم تكن مساعي الحكومة السياسية تجري بإيقاع الأحداث في ميدان المعركة نفسها . و لم تكد تمر عشرة أيام على تبادل العراق و الاتحاد السوفيتي لمذكرات الاعتراف المتبادل , إلا و بدا أن حركة 1941 تتجه حتما إلى أن تصبح حطاماً .
و لكن , حتى بعد انتهاء كل شيء وذهاب السبعاوي نفسه إلى المنفى في طهران فقد بقيت مشاعره ملتهبة بقوة , واعتقد أن الشعب بأكثريته الساحقة , كان إلى جانب الحركة الوطنية التي منحته التي منحته , في تحديها للانجليز , امكانية التعبير عن مشاعره التي بقيت تضطرم طويلاً في قلبه . و فكر في أنه لو كان الأمر بحاجة إلى برهان فإن هذا البرهان متوفر من خلال اندفاعات الجماهير التي سيطرت على بغداد يومي 1و 2 حزيران ( يونيو ) في أعقاب انهيار النظام الوطني . و ما من شك في أن أحداث الأشهر الماضية الخطرة و التي تحبس الأنفاس حملت الناس إلى ذروة الانفعالات الخطرة . و انغرس العصيان عميقاً و أصبحوا جاهزين الآن لعمل أي شيء و ولم تكن تنقصهم إلا الوسائل الملائمة . وكانت هذه الاستنتاجات المتفائلة التي توصل اليها السبعاوي و التي طرحها في حزيران ( يونيو ) أمام السفارة السوفيتية في العاصمة الإيرانية . جاعلاً منها أرضية لطلبه المساعدة من الاتحاد السوفيتي . و سارع السبعاوي إلى طمأنة المؤولين السوفيت إلى أن حركة 1941 (( حركة وطنية موجهة ضد الامبرياليين )) و (( ولا علاقة لها بالنازية )) . و إذا ما وفرالاتحاد السوفيتي السلاح بكميات كافية فإنه يمكن الثورة الشعبية أن تبدأ بسهولة . و شدد السبعاوي كذلك على مسألة الاعتراف بحكومة رشيد عالي في المنفى باعتبارها حكومة العراق الشرعية . ورد السوفيت بعد أسبوع معربين عن استعدادهم لاستقبال وفد عراقي في موسكو لمناقشة الأمور بشكل أعمق . وكان قاسم حسن قد لحق بالسبعاوي إلى طهران و حضر الاجتماع في السفارة السوفيتية , فغادر العاصمة الإيرانية متوجها إلى موسكو حيث وصلها في يوم 15 حزيران ( يونيو ) حيث اجتمع مع مسؤول كبير يتكلم العربية . ووعد هذا الأخير و سكرتيره – وهو مستشرق اسمه إيفان إيفنونفتش كوزلوف – بالنظر في المقترحات العراقية بأقصى اعتبارات الود و العطف .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تغطية خاصة - لبنان بعد اغتيال نصر الله • فرانس 24 / FRANCE


.. عاجل | نتنياهو: مقتل نصر الله سيغير موازين القوى لسنوات في ا




.. بدأت باختراق تردداته.. إسرائيل ترسل رسائل مبطنة باستهداف مطا


.. نتنياهو: تصفية نصر الله هي الشرط الأساسي لعودة مواطنينا إلى




.. موازين | الاحتلال وحق مقاومته