الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صاحبة المسبحة

مزمل الباقر

2013 / 5 / 7
الادب والفن


صاحبة المسبحة



مساحة من الترقب تفصلني عنها، تنزلق حبات مسبحتها الخشبية في سهولة ويسر من بين اصابعها الطويلة النحيلة. محدثة صوت رتيب.. طق طق .. رفعت عيناها عن مسبحتها بوقار. وباشرتني بالنظر إلى عينيّ فأحستتها تخترقني اختراقاً بعينيها.

- ( انت بتقرأ؟!)
- ( لا .. خلص القراية!)
- ( ......... طيب قرايتك دي، كنت داير تخليها، لكن واصلتها !!).
-
فجأتني بحديثها بعد طول صمتها، وشعرت بأن احدهم قد دلق جردل ماء بارد على أم رأسي.. كيف عرفت بذلك؟ لم اسألها. غير أني كنت على مبعدة منها، فتحركت ناحيتها وجلست بجانبها .. بينها وبين أمي .. كانت العرافة تعاني من ضعف في حاسة السمع لديها. نظرت إلي ملياً وقال:

- ( محسوووود من صغرك .. والعين عليك طوالي. .. مرضك .. بجيك مرة .. بعد مرة، تقرب تنساهو .. وتاني بجيك ... مرضتا قبل فترة ورقدتا مستشفى .. لاكين ما طولتا فيها ... يعني رقدت فد يوم .... مرضك ...)

قاطعتها مؤكداً حديثها: ( ايوه.. كلامك صاح عملت عملية في المستشفى الصيني!!). واصلت حديثها دون أن تعقب علي افادتي الاخيرة لها:

- ( مرضك .. سببو العين .. .... حليمة .. في واحدة قريبتك اسمها حليمة .. حليمة دي منو؟)
- ( آأي .. حليمة خالتي!!).

قرصتني أمي في فخذي الايسر والتفت ناحيتي هامسة بحزم : (ما تقول ليها دي خالتي، اسكت واسمع سااااي)
- ( أبوك مسافر ..ما قاعد هنا) . اعادتني صاحبة المسبحة إليها بهذه العبارة التي تفوهت بها بعد صمت متأمل في تساقط حبات المسبحة.

- ( أيوه .. فعلاً) اجبتها بصوت متحشرج وانتظرت بشعف بالغ ان تكمل. ولما طال صمتها حسبتها لم تسمعني فأعدت عليها ما قلت علني استحثها على مواصلة الحديث. ولكنها نظرت لي وصمتت وعيناها على حبات مسبحتها المتساقطة.


- ( أبوك برسل ليكم دولارات كتييييييرة) قالت لي بعد ان رفعت بصرها من المسبحة الخشبية واحترقتني بنظراتها .. سألتها بتلعثم
- ( الكلام .. دا قريب ولا بعيد) توارت اجابتها بشأن زمن وصول هذه الدولارات الكثيرة وأصلحت من وضع ثوبها على رأسها

- ( ح تجيب شهايدك من بره ,,, وشغلك برضو من بره).


- ( يعني بره السودان .. ولا بره الخرطوم؟!) سألتها مستفسراً

- ( لا ... بره السودان!)


- ( أها ؟!) سألتها حاثاً اياها على مواصلة حديثها الذي ينساب في بطء، إنسياب حبات مسبحتها الخشبية.. واصلت اخيراً حديثها بعد تأمل

- ( شهايدك .. ح تفرح ناس كتييييييييييييييير وتبسطهم).


- ( طيب .. العروس كيف ؟!.. قريبة ولا غريبة) آثرت تغيير مجرى الحديث فسألتها عن اسرتي المستقبلية

ضحكت أمي فخالتي فزوجة خالي وجدتي .. وأتاني ضحك اختي الصغيرة التي كانت منكبة على أوراق لها تعالج فيها رسومات باهتة اللون.
- ( العروس تصد منها مسااااااااااااااافة .. وتاني ترجع ليها .. هي يعني ... )

- ( قريبة ولا .. غريبة . يا خالة؟!) قاطتها في اهتمام واضح


- ( قريبة!)

- ( قرابة شدييييدة ؟!.. طيب يعني من بنات خالتي ولا خالي.. ولا من بنات عمي أوعمتي، تكون؟!)


- ( غايتو .. هي البت التالتة بين اخواتا ) لم تجبني بإجابة واضحة بل ذكرت لي ترتيب العروس في الاسرة، ليتها تعرف ان هذا الترتيب قد حدث كثيراً في اسرتنا الممتدة ، وقد انعم الله علينا بثلاثة او اربعة بنات في كل اسرة من اسر عائلتنا الممتدة.. لكنني لن انهزم في هذا اللعبة، لاجرب حظي مرة اخرى في هذا الروليت. فسألتها:
- ( العرس قريب ولاّ . بعيد .. يعني بعد كم سنة كدا؟)

- ( ح تكون الشيلة والعرس بعد ما تاخد شهايدك!) هكذا اجابتني ولم تحدد لي الزمن الذي يفصلني عن عرسي وعن العروس التي هي ثالثة اخواتها. وجاء دوري في أن الوذ بالصمت المتأمل وانا اتابع انسياب حباب المسبحة الخشبية في اتجاة الجاذبية. افقت على صوتها الكسول


- ( قلت ليك .. انت رأسك قوي وما بتسمع غير رأيك؟!)
ضحكت ضحكة مكتومة وأومأت بأن نعم
- ( مجلس الشورى ما بخيب) تعقيب من زوجة خالي. ووافقتها الرأي بشأن الشوري وأن أوميء برأسي

- ( في صنعة عندك .. لاكنك ما .. شغال بيها) واصلت العرافة تصريحاتها المقتضبة


- ( دي شنو؟!) سألتني العرافة قبل أن أسالها

- ( والله .. ما عارفا ) اجبتها مغمغماً


- ( تلقاها قاصدة .. الرسم) اتتني الاجابة من جدتي هذه المرة

- ( أيوا .. أيوا .. والله كلامك صاح يا خالة) وجهت حديثي صاحبة المسبحة


صمت العجوز متأملة في حبات مسبحتها الخشبية التي تنساب في اتجاه الجاذبية وانتقلت عدوى صمتها إلينا فتسيدنا الصمت ولكنه صمت مرتقب وإن كان جميع من في الصالة يشاركها تأمل حبات المسبحة الخشبية التي انسابت في سهولة ويسر من بين اصابعها الطويلة النحيلة محدثةً صوتاً رتيب الايقاع

طق
طق
طق
ط



مزمل الباقر
امدرمان في 10 اغسطس 2001م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نصير شمة في بيت العود العربي


.. مفاجاة صارخة عرفنا بيها إن نصير شمة فنان تشكيلي ??? مش موسيق




.. مش هتصدق عينيك لما تشوف الموسيقار نصير شمة وهو بيعزف على الع


.. الموسيقار نصير شمة وقع في غرام الحان سيد درويش.. شوفوا عمل إ




.. بعيدا عن الفن والموسيقى.. كلام من القلب للموسيقار نصير شمة ع