الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نظرات من وحي رواية غالب الشابندر (شياطين)

سلام كاظم فرج

2013 / 5 / 8
الادب والفن


هي رواية قصيرة جدا لاتتجاوز صفحاتها الثمانين وبحجم متوسط.. لكنها تقول الكثير الكثير.. تكتنز مئات الاسئلة الصعبة..
اسئلة في حضرة المحبوب.(الخالق )... تنتظر اجوبة على غاية من الاهمية..
وتحفز على التأمل الفلسفي في معنى الوجود. ومعنى التدين.. ومبررات الطقوس الدينية.. وانحرافات التدين الحادة.. والطعنات القاتلة التي يمكن ان تصيب الايمان الطاهر النقي..من خلال تجيير الدين لصالح فئة قليلة العدد محدودة.. تتاجر بالمقولات.. وتفرغ مقاصد الشريعة من محتواها.. وتنأى بالايمان الفطري الغريزي الى تخوم من المقولات والممارسات تكرس الاستغلال..وتبشع الدين.. وتهزمه امام لحظة شجاعة يمكن ان يجازف بها العابد في حضرة المعبود.. والعاشق في حضرة المعشوق. ليسأله الجواب.. لا الشفاعة.. وليستمد منه القناعة.. لا الثواب.. وليفهم قبل ان يجبر على اليقين... فمادام اليقين قد حصل..فمن حق العاشق ان يسأل المعشوق... كيف تصبر على كل هذا الزيف؟؟ وكل هذه المدة؟ وكيف تسمح للدود ان ينفذ الى الثياب.. ثيابك وثياب عابدك؟؟ من خلال الصمت على حفنة من المستثمرين؟؟ وقد ربحت تجارتهم الدنيوية من خلال تحريف حفنة من المقولات الاخروية؟؟.. لكن العاشق من حقه ان يثير السؤال.. خارج المألوف.. وان يغرد خارج السرب.. وحتى ان ينهق خارج القطيع المخدر ..بالوعود..
في روايته (شياطين).. يجترح غالب الشابندر موضوعة فريدة غير مسبوقة.. يجترح موضوعة احتجاج المؤمن الذي عبر مرحلة اليقين..وتماهى مع خالق الكون الى درجة العشق. وحسم مسألة الايمان..لكنه يشعر ان ثمة اسئلة في القلب.. شجاعة.. تنتظر اجوبة لم تزل في طور التكون والتخلق.. فصيرورة الحياة.. تحتاج الى المزيد من الاسئلة.. وتحتاج الى اجوبة.. والانشغال بالصوم والصلاة والتعبد لايعفي العاشق من إثارة غبار الاسئلة الحرجة..
اما لماذا اعتبرت ان اسئلة رواية الشابندر غير مسبوقة في الادب العالمي على الاطلاق.. .. فلجدة طرحها.. واستثنائيته.. في الاخوة كارامازوف لدستوفسكي.. تأتي الاسئلة الصعبة المحرجة من قبل ايفان كامارازوف ( المجدف الملحد) الناكر لوجود الملائكة واليوم الاخر.. يقابله اليوشا. المؤمن الطيب النقي. الملتزم.. المصلي.. الراضي بما تفرزه الحياة من ايجابيات وسلبيات باعتبار ان كل ذلك من عطايا الرب.. وحتى الفقر والمرض والغدر والاستغلال البشع.. هو هدايا الرب للإنسان يمتحن نقاءه ويقينه.. ليجازيه فيما بعد بالخيرات.. والحياة الناعمة المطمئنة.. لكن ايفان.. لاتقنعه تبريرات اليوشا.. ويطلب وضوحا اكثر.. بل هو وصل الى حالة
اليقين المضاد..اي عدم الايمان بوجود حياة أخرى..وإن الصراع الحقيقي فيها.. والجزاء فيها.. والانتصار او الهزيمة فيها.. ولاشيء آخر في الافق.. ثنائية ايفان واليوشا.. التي تلعب على الاسئلة والاجوبة.. وفق منظومتين معروفتين..تنسفها تماما رواية شياطين للكاتب المفكر غالب الشابندر..
الاسئلة الصعبة هنا تأتي من المؤمن الذي وصل الى حالة اليقين تماما.. في تقنية عالية الدقة إذا تتعدد اصوات الراوي. فتارة تستمع الى صوت المؤمن الحقيقي والمتيقن.. لكن المحتج.. الرافض لما يجري.. وتارة من خلال صوت المرأة المغتصبة.. المستغلة بفتح الغين..وتارة من خلال اطروحات مهران.. صاحب النفوذ الديني.. والمتربع على عرش القرار . والذي يجيره لصالح شهواته. لا لصالح المعبود. ولا لصالح ( العباد) الانقياء..من هنا نجد ان لابد من احداث ثورة في داخل الثورة.. والاسلام باعتباره ثورة دائمة ممتدة.. يحتاج الى مثل هذه الثورة من داخله.. ولن تأتي لا من خلال.. الاسئلة الصعبة الشجاعة..
عند دستوفسكي الاحتجاج.. يؤججه الملحد.. عند الشابندر . الاحتجاج يؤججه المؤمن..من هنا قلنا ان ثمة اجتراحا عجيبا غير مسبوق في الادب السردي الذي نعرف..
والاسئلة التي يمكن ان تثار.. هل هي خيبة امل الراوي من المشروع السياسي الاسلامي؟؟ ام هي خيبة امل من المؤسسة الدينية برمتها؟؟ ام هي محاولة لإصلاح مالا يمكن إصلاحه؟؟ او مايمكن إصلاحه ؟رغم نبرات اليأس القاتلة في صراخ الراوي والراوية والاصوات المتعددة.. ثمة أمل بوجود مخرج للمأزق الوجودي الذي يهيمن على حركات بطل الرواية.. ربما من خلال مقولة مستمدة من غرامشي المفكر الماركسي او من خلال استدعاء رمز المفكر الاسلامي محمد باقر الصدر( قد يغلفني اليأس لكن روحي متفائلة..) يدفعنا الشابندر دفعا للتفاؤل رغم الخيبات المريرة..
واذا ما عرفنا ان المؤلف.. الاستاذ غالب حسن الشابندر هو احد رواد المشروع (الاسلامي السياسي). وانه كان يعلق آمالا عظيمة على المشروع الاسلامسياسي.. وقدم من اجله الكثير.. ليجد انه لم يحقق ما كان يصبو اليه في تحقيق العدالة الاجتماعية التي تبناها المجاهدون والدعاة الاوائل.. نستطيع ان نفهم جوهر الرواية الصعبة. التي يرد في ثناياها ذكر زين العابدين عليه السلام.. مشفوعا بذكر المفكر الفيلسوف الشهيد محمد باقر الصدر. مع همسات توشي بفك الارتباط بالماضي وتؤسس لمرحلة اكثر اتساعا.. حيث العدالة الاجتماعية تقترن بقبول الاخر المختلف واحترام الاخر المختلف ( تحول نوعي الى اللبرالية والتسامح ونبذ استغلال الانسان لاخيه الانسان من خلال يافطة الدين او غيره من الشعارات .. اسئلة الرواية هي اسئلة المسكوت عنه.. لا تعطيك جوابا بل تضمره وتنتظره منك ( انت القاريء .). رواية تستعيد كل صبر الزاهدين الواهبين وتقارنها بكل اخفاقات المؤسسة الدينية في تحقيق حلم السجاد وحلم محمد باقر الصدر... وحلم كل المجاهدين والمناضلين الحقيقيين.
ولتثير اسئلة عن معنى ان يهب الانسان حياته في سبيل عقيدة لا تؤتي أكلها للعاشق وللعباد من العشاق المعمدين بالدم والخسارات والسجون والمقابر الجماعية.. ليسأل المؤمن وبجدية متى يأتي الوعد؟؟ ومن اكثر الموضوعات إثارة وعمقا التي ترد في ثنايا الرواية القصيرة شياطين موضوعة الصدق.. الصدق مع النفس.. والصدق مع المعبود.. فلنقرأ مع الشابندر هذه السطور..((( ان الصدق مع الذات يعادل انكار الحياة, او يعادل انكار حقائق التاريخ, الصدق مع الذات يعادل قتلها, انتحارها... ان تكون صادقا مع نفسك.. يعني انك تحكم على نفسك بالنفي الابدي.. وهذه الزنزانة شاهد ينطق بما توصلت اليه اخيرا..)).. صفحة 41 من الراوية.
.ونقرأ مناجاة طويلة مع النفس..لأحد اصوات الرواية.. وهو يقبع في زنزانة اعدها له الطغاة لانه يرفض الكذب والزيف..
ان تكون صادقا مع الخصوم وتدفع ثمن المواجهة مع الطغاة سجنا ونفيا وموتا.. فمن الواجب ان تكون صادقا مع اخوتك. ومع معبودك وتحتج.. فالصمت خيانة.. والصمت عذاب.. إذ لا راحة. لا في الصمت. ولا في الخيانة. ولا في الرفاه المبني على دموع الفقراء.. المنتظرين وعد الرب في الحياة الدنيا . مادامت الثورة قد نجحت وحان موعد القطاف.. قطاف السعادة للجميع.. حيث ينتفي الاستغلال. والجنس البشع.. حيث تنتهك الاجساد الانثوية.. مقابل ..سرقة مركبة لتاريخهن وحقوقهن في حب نظيف حقيقي .والحب ليس مجرد.. لهاث عابر وانتهاك للجسد خارج رغبات الروح... روحها. وروح شريكها. إذا تستبدل القبلة.. بالنكاح الاهوج المتعجل المنتهك للكرامة وغير المشبع. لا للروح ولا للجسد.. هنا يكون الترميز في اعلى تجلياته.. حيث تؤشر موضوعة الاستغلال.. ومبررات فضحها من أين أتت..
في كل السرديات الادبية .. اعتدنا ان نقرأ تضرعات المؤمنين وتوسلاتهم وقبولهم بما هو واقع.. مقابل احتجاجات المجدفين والملاحدة والحائرين.. واللاادريين..والشكاكين..وكل ذلك يجري في حضرة الخالق وامام جبروته.. حتى نيتشة وسارت وكامو.. كان يثيرون غبار الاسئلة امام خالق هم ينكرون وجوده اصلا..
ولم نقرأ عن غبار اسئلة يثيرها العاشق والمتيقن الوله في حضرة المعبود..الا في هذه الرواية الغريبة غير المسبوقة.. حيث الاحتجاجات تأتي من الراوي المؤمن ..كذلك الاسئلة التي تنتظر اجولة حاسمة..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان عبدالله رشاد: الحياة أصبحت سهلة بالنسبة للفنانين الشب


.. الفنان عبدالله رشاد يتحدث لصباح العربية عن دور السعودية وهيئ




.. أسباب نجاح أغنية -كان ودي نلتقي-.. الفنان الدكتور عبدالله رش


.. جزء من أغنية -أستاذ عشق وفلسفة-.. للفنان الدكتور عبدالله رشا




.. الفنان عبدالله رشاد يبدع في صباح العربية بغناء -كأني مغرم بل