الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلمانية و إمارة المؤمنين

حميد المصباحي

2013 / 5 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


عندما يسمع بالمغرب,أن الفكر الحداثي,في فهمه للعلمانية,لا يرفض سلطات الملك دينيا كأمير للمؤمنين,يعتقد أن الحداثيين يقعون في تناقض نظري مثير للكثير من الأسئلة,أولها,أليس الملك ممثلا لسلطة الدولة,و هم يطالبون بفصل الدولة عن الدين؟
كيف تتحقق العلمانية في ظل تدين الدولة و اعتبار الممثل الأسمى لها حاميا للدين و الملة؟
أية حداثة هاته,و العلمانية أساس لها,و بدل أن تبعد السلطة عن الدين,تجعل للسلطة صلاحيات دينية؟فكيف تتحقق الديمقراطية في ظل دولة دينية؟
1طبيعة الديني في المغرب
اجتماعيا,لا يمكن التنكر للإسلام كدين للمغاربة,نشأ تاريخيا في تلاءم مع الطبيعة التعددية للشعب المغربي,مما فرض حتى على الفكر الفقهي تجنب كل مظاهر الغلو التي عرفها الفهم المشرقي للإسلام,بحيث حافظ المغاربة على روح التسامح تجاه كل الديانات و تعاملوا مع أصحابها,و أدمجوا الفقهاء في أعراسهم و مآثمهم,فصار الفقيه جزءا من التركيبة الإجتماعية,داخلها يحيا,عاملا أو فلاحا أو تاجرا,فهو إما ملم بأحكام الشريعة مع حفظه للقرآنأو أو مجرد حافظ للكتاب,و بذلك لم يوجد رجل الدين المتعالي على المجتمع,و الفارض لقيم صارمة و مبخسة للأنشطة الأخرى الحياتية,كالضحك و الإجتماع و السمر,فقد عرف بواجبات الدين و إلزامات الحياة الفردية و الشخصية,فتربى الناس في المغرب,على عدم نبذ السكير,أو غير المصلي,بل كانوا يدعون لهما بالهداية,في توافق كلي مع منطق أن الله هو المحاسب على الأفعال,و لا حق إلا حق النصيحة و التبيان إن طلب الرجل ذلك,فإن أبى فلا تملك له الجماعة إلا الدعاء بالهداية و التوبة إلى الله,و هكذا لم تتأثر علاقات الناس بالتصنيفات الدينية المغالية,كما ظهر فيما بعد,فكانت ملكية المغرب و لازالت مخلصة للإسلام المنفتح,محافظة على طقوس الجماعة و حافظة لوحدتها بدون إكراه أو فرض لقيم لا تحتكم لحسن النصح ,و لم تمارس إمارة المؤمنين أي شطط في صلاحياتها الدينية,إلا في لحظات مواجهة مع المعارضة,عندما دعت لمقاطعة البرلمان,و منذ ذلك الوقت لم يحدث أن كفرت أحدا,أو لجأت لفتوى,بل بقيت سلطتها الدينية وفق المصالح العامة,أو ما سمي بالأمن الروحي للمغاربة,و هو ما لم يعترض عليه السواد الأعظم من المغاربة.
2 سياق تاريخيتها
كل الدول التي عرفها التاريخ المغربي,استندت للبعد الروحي للديانة الإسلامية,بحيث أن شروط بناء الدولة المغربية,كانت دائما مؤسسة على بعدها الديني الإسلامي,حفاظا على وشيجتها القوية بالمجتمع,و تجنبا لحملات الدول المختلفة عنها في المشرق العربي,و التي كانت تستند في صراعاتها ضد الأقطار الأخرى على المبررات الدينية,فكانت الدولة المغربية,دعما لوحدة مجتمعها في وجوه الطامعين,واعية بضرورة الديني في وجه القبلي و العرقي,و حتى الطائفي المتربص بها و المنبعث من دول الخلافة بالمشرق العربي,فالتاريخ في أحيان كثيرة,يفرض معادلات سرعان ما تنساها المجتمعات و حتى الفاعلون السياسيون,و بذلك كان الديني ماضيا و ربما حتى حاضرا,ملازما للسلطة العليا للدولة,حفظا له من نشوء مؤسسات الإفتاء التي تعرفها دول المشرق العربي و حتى العديد من الدول الإسلامية,بحيث تنفصل المؤسسات الدينية عن سلطة الدولة,و تؤلب المجتمع ضدها,ليصير رجل الدين رجل سلطة مزيحا و مدمرا لكل ما هو مدني,و تعاقدي في الممارسة السياسية,و بذلك تصير إمارة المؤمنين,حافظا لقيم التسامح الديني,لأنه أمير لكل المؤمنين,و ليس المسلمين وحدهم,كما أن مظاهر التدين في الدولة ليست مقياسا لاختيار الساسة أو محددا ضروريا لدرجة القرب من السلطة أو البعد منها,بل إن هذه الدينية في السلطة السياسية بمثابة موروث تاريخي و ثقافي,له صيرورته الخاصة,و هو حافظ بذلك لتوازنات بين القوى التي يمكن أن تتعارض رهاناتها و تصل حد الرفض المتبادل بما يجره ذلك من نتائج و خيمة على المجتمع و الدولة في الوقت نفسه.
3الدولة و الدين
تصور الحداثيين للعلمانية في المغرب,لا يمكن تعريفها كفصل لسلطة الملك عما هو ديني,بل فصل جهاز الدولة,و مختلف المؤسسات التي تدير بها المجتمع,كنظم العدالة و القانون و الإقتصاد,و حتى التعليم,رغم أن الثقافة المغربية تدرك ما بين السياسة و التدين من تمايزات,تمارسها حتى القوى الإسلامية المشاركة في الإنتخابات أو التي سوق تشارك مستقبلا,,فهي تعترف أن الإنتخابات هي اختيار للشعب,هو الحكم,و إليه تتم عملية الإحتكام,فيختار,و غير مسموح لأي حزب ديني أن يعتبر نجاحه تعبير عن اختيار إلاهي,و كل من يرفضون التصويت عليه يعتبرون كافرين أو فاسقين,و هنا تعاش العلمانية سياسيا حتى بدون أن تعترف الأحزاب الدينية,إنها تشيد العلمانية ممارسة رغم رفضها النظري و الثقافي لها في منتدياتها التعبوية,بل إن رفضها لها يبقى بمثابة شعارات تستغلها حفاظا على تميزها الديني و استغلال للمخزون الثقافي الديني للشعب المغربي,كما أن الفكر العلماني لا يمكنه المطالبة بإلغاء الدين,و مظاهره الإجتماعية في المجتمع و بعض الطقوس حتى للدولة نفسها,وفقا للفهم الذي تم ذكره سابقا,شريطة ألا يكون الديني مقياسا لاختيار الساسة و رجالات الدولة.
4الإسلام في المغرب
كل أو أغلب المغاربة مسلمين,سواء الذين يمارسون طقوسه,أو بعضها أو حتى الذين لا يمارسونها,و هنا يكون الإنتماء للإسلام بالمعنى الحضاري,المنفتح,و غير المغالي في التعبد وحده,بل هناك المشترك الحضاري الديني كجزء من الهوية المغربية,بتاريخها التعددي,لغويا و ثقافيا,لكنه مكون مسلم بحضوره,في الفكر أو العبادات أو المعاملات اليومية,من صدق و رفض لأشكال التعامل الربوي و غيرها من مقومات السلوك,التي يمتثل لها المغاربة بعيدا عن تجارب المشرق أو بعضها من خلال جماعات الأمر بالمعروف و النهي غن المنكر,أو تطبيق حدود قطع اليد و الجلد و حتى الإعدام في الملاعب و الشارع العام,بهذا الشكل,يكون التدين في المغرب له معناه الخاص,كما سوف تكون العلمانية نفسها و ربما حتى الحداثة لن تسلم من فهم يناسب طبيعة البنى الثقافية المغربية,وفق اجتهادات الفكر المغربي,و مثقفيه الذين انخرطوا بجرأة و فعالية في إنتاج نظم,لا تتعارض مع القيم الكونية,لكنها لا تستند على الخصوصية كمبرر لرفض التطوير في القيم و العلاقات خدمة للحداثة و انتصارا للتجديد لا تكريسا للقديم و العتيق خصوصا إن كان كابحا لما هو تنموي و ضروري لتحقيق التطور و حمايته من كل انتكاسة تجاه الخلف,باسم الحفاظ على الأصول و حمايتها.
خلاصات
برز الفكر الحداثي في المغرب بشكل أكثر جرأة,و حتى تجديدا,و اتسع ليصل إلى المشرق العربي في صراعه ضد معارضي الدولة المدنية,فنهلت منه الحركات السياسية الشبابية و اليسار العربي,و بذلك تمرس على المواجهة النظرية و الفكرية,غير أنه في المغرب,يصارع بدون دعم من القوى الحية اليسارية و الحداثية,و التي بإمكانها الإستفادة منه لترفع سقف الحوار و تتجنب اختزال الصراعات السياسية فيما هو يومي,وفق الحسابات الحزبية,و بذلك تفرض حتى على المشتغلون داخلها سياسيا بتطوير معارفهم,و تجديد خطاباتهم التي لم تعد تثير اهتمام شريحة واسعة من المجتمع المغربي القارئ و المتتبع.
حميد المصباحي كاتب روائي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو يقدمان التعازي -للشعب الإيراني-


.. كيف ستنعكسُ جهودُ الجنائية الدولية على الحرب في غزة؟ وما تأث




.. حماس: قرار مدعي -الجنائية- مساواة بين الضحية والجلاد


.. 50 يوما طوارئ تنتظر إيران.. هل تتأثر علاقات إيران الخارجية ب




.. مقتل طبيب أمريكي في معتقلات الأسد