الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فجر النهايات

أوس حسن

2013 / 5 / 9
الادب والفن


يا صديقتي أرهقني ليل ُ البائسين والفقراء
متعب ٌ أنا بدمي الذي حملته من فجر النهايات
من منفى الإغريق الأول إلى منفى العرب الأخير
ووزعته على أصقاع الأرض
خبزا ً ونبيذا ً..وسلاما
وزعته على صبية صغار
يركضون في الحيّ
يلهثون وراء قطعة حلوى
ودمية بالية
وفي عيونهم تبكي آلهة الربيع
وتنطفىء شمس النهار
وعلى جارية ثكلى ينام
القمر في جفنها كالحمل الوديع
وهي تطرز شال الليل بنجمة قادمة
من بلاد الموت ورعشة الصقيع
والصقيع إله من ماء الذكريات
والذكريات قلق البحر ودمع الغيوم الشاردة
هكذا يولد السؤال الأول على عتبة الحياة
ناصعا ً بالتمرد والأسرار
وهكذا يولد الحزن الأول
ليكون ملحاً ً لقصيدتنا الخالدة
* * *
متعب ٌ أنا يا صديقتي من شراء الحرية من سوق النخاسة
من باعة الكلام المتجولين
ومن أنبياء السياسة
والحرية أحيانا ً أن نؤمن
بما لم نؤمن به من قبلْ
أن تتفتح أحداقنا على نور ٍ يسري في أوردة الظلام
فتتوهج القلوب قبل المقل ْ
* * *
لا تسأليني من أنا يا صديقتي ؟
أنا مَنْ أرضعتني" فينوس"حزنها الأبدي
وأورثتني حصان طروادة
أنا سِفرُ الخديعة الأول في كتاب جلجامش وسره الأزلي


دمي نهر ٌ من الأسى يمتد من الفرات إلى بردى
إلى جيحون(1) إلى زهرة نارٍ في فراديس عدن
دمي جنة الله الموعودة
جنة الفقراء التي لا يسكنها السلاطين والأغنياء
يعطونها المحبة والسكينة والسلام
فتعطيهم أنهارا ً من الخمر والشهد واللبن

مصلوب ٌ على أسوار عكا
منقوش ٌ على ألواح الجليل
وأشجار الناصرة
ممتد ٌ كغيمة بيضاء من الشام إلى القاهرة
لكني لم أكن ذلك المملوكي صاحب العين الزرقاء
ولا تاجر السيوف الصقلبي(2) وأميرته الفاجرة
أنا الشرق بآلامه...وآماله
وأوهامه ...وأحلامه
أنا الشرق ..بسره...وسحره ...وعطره
ولدت ُمن حقيبة النسيان
ومِن وطن ٍ بلا ذاكرة
* * *
لا تتعبي نفسك ِ يا صديقتي
فعندما تصاب الحقيقة بالزكام
والعدالة بالجذام
وعندما تُذبح ورودنا الحالمة
على ما ئدة القيصر العظيم
يكفي أن امنح نفسي تاج الحكمة
وأحفر على بوابة العالم القديم
إنتصارا ً جميلا ً في سجل أنكسارتنا المتكررة
يكفي أن أكون ابنا ً للعذراء ((مريم))
أو للبتول ((فاطمة))
تلك هي النفس وما سوّاها
فألهمها شعرها ونجواها
أنا من سلالة الأحرار العابرين
والريح موطنها
والريح مأواها
* * *
صديقتي آآآآآآه يا صديقتي
هل تذكرين عندما كنا طفلين ؟
نلعب تحت غصن الزيتون
وسور بيتنا القديم
نلهو ونمرح ونغني كطيرين
نفترش الأرض عِطرا ً ونورا

نغني للثورة ...لجيفارا
والراية الحمرا
نكتب على تعاريج الغيم قصتنا
وأحلامنا الصغيرة
هل تذكرين كم كنا صغيرين ؟
نضيء الليل بدمعتين
كم كانت صغيرة حكايتنا
وأوجاعنا صغيرة
لكنني متعب الآن يا صديقتي
من أزمنة الموت الرخامية ومن فلاسفة الجوع
على أبواب روما
فاستحضريني من ذاكرة الغياب
كأسا ً من النبيذ المر
لملميني من قوافل الرحيل
ومن أغاني المساء الذهبية

راقصي شِعري كُلَّ ليلة
فشالك الفضيّ ما زال يقرأ تعويذة النهر المقدس
ويهتف بالمحاربين العائدين
من حروبهم الطويلة
افتحي صندوقك الخشبيّ
واطبعي على نحري قبلة ً خجولة ْ
كما كنت ِ تفعلين في الطفولة
فأجمل الأشياء لم تمت بعد
والثائر الموعود
لن يعود
لن يعود ..!!




.......................................................................................................................



(1) نهر جيحون أكبر أنهار أسيا الوسطى،وجيحون
التسمية العربية لهذا النهر،الذي كان قديما ً يعرف باسم أكسوس وحديثا ً باسم "أموداريا".....



(2)

الصقلبي...نسبة إلى الصقالبة وهم مجموعة عرقية لغوية يتحدثون باللغات السلافية...يستقرون أساسا ً في أوروبا الوسطى والشرقية ودول البلقان وكان لهم دور بارز في حضارة الأندلس وكونوا طبقة اجتماعية تشبه إلى حد ما طبقة المماليك الأتراك في المشرق الأسلامي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال