الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يتجاوز العراق محنته وهو بين فكّي المحاصصة

يوسف شيت

2013 / 5 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


لم يكن من السهل إرساء نظام سياسي في العراق , بغض النظر عن توجهاته , بعد أربعين عاما من تسلّط أنظمة شمولية مارست كل أنواع التخريب الإجتماعي والسياسي والإقتصادي والثقافي , نعم , إنه في غاية الصعوبة , ولكن ليس مستحيلا إذا توفرت شروط إمكانية التخلّص من آثار الأنظمة السابقة , خاصة بعد إنقلاب تمّوز 1968 . وفي مقدّنة هذه الشروط أن يكون على رأس إدارة البلد أناس وطنيون , لا غير , من أحزاب ومنظمات وشخصيات . عندما نقول "وطنيون" نعني من لايفضل مصلحته أو مصلحة الحزب أو التنظيم الذي ينتمي إليه على مصلحة البلد , وبعيدا عن أي تمييز إجتماعي أو عرقي أو طائفي . والشرط الآخر هو توفير الديمقراطية والحرية الفردية المحميتان في دستور مقرّ من قبل الشعب ويخلو من أيّ تناقض في مواده ويحترم فعلا , لا قولا , من قبل كلّ العراقيين ومن قبل مؤسسات الدولة وفي مقدمتها البرلمان ورئاسة الجمهورية والحكومة والقضاء , ثمّ إقرار القوانين التي تضمن حقوق الناس وأداء واجباتهم . ولكن هل تتوفرّ هذه الشروط التي يرددها ليل نهار من هو على رأس النظام الحالي ومن هو في المعارضة و"الشراكة الوطنية", أو هل تتوفر في هؤلاء من أشخاص وأحزاب ومنظمات , عقلية (أفكار) التخلّص من ثقل النظام البائد وتفضيل مصلحة البلد على أية مصلحة أخرى؟
المستفيد مما يجري في العراق سوف يقول نعم وبكلّ تردد بأن الشروط متوفرة , وهو إمّا من مناصري الحكومة الحالية أو من المعارضين لها والراغبين في تصعيد الأوضاع لحصاد ما يمكن الحصول عليه من إمتيازات بعيدا عن مصلحة الوطن والمواطن . ويقول , لا , الغير المستفيد من الأوضاع , وهم الأغلبية الساحقة من الناس الذين يعانون من البطالة والفقر والإرهاب ونقص الخدمات بسبب الفساد المالي والإداري المستشري في كافة مرافق الدولة , وخاصة المرافق العليا وبدون أن يمسّهم رادع . ومن الذين يشعرون بالغيرة على وطنهم من شخصيات وأحزاب ومنظمات بسبب ما آلت إليه الأوضاع التي تنذر بحرب طائفية التي يعمل من أجلها وبدون كلل مرضى معاداة العراق في الداخل والخارج . ومن هي هذه القوى التي تريد التصعيد؟
إنّ أغلبية القوى التي تتصارع اليوم على قمة السلطة هي نفسها التي كانت معارضة لنظام البعث السابق . وحتى في المعارضة لم تستطع هذه القوى أن تتفق على برنامج ما بعد سقوط البعث , أي سبل التخلّص من ثقل النظام الدكتاتوري وبقاياه , لأنّها تختلف فيما بينها سياسيا وفكريا وعقائديا , ولم ير أي من الفرقاء ما يوحّدهم لإسقاط النظام , لذلك فهم إعتمدوا كليا على قوى خارجية لإسقاط النظام ورأوا ضالتهم في " قانون تحرير العراق " الذي أقرّه الكونغرس الأميركي عام 1998, وهذا يعني بالضرورة تدّخل عسكري أو إحتلال وتقديم تضحيات وصرف أموال من قبل المتدخّل . وكان الإتفاق الوحيد بين المعارضين هو القبول بالإحتلال الأميركي للعراق والذي يسمّونه "تحرير العراق" . لذلك التأموا فيما يسمى ب"مؤتمر لندن للمعارضة العراقية" في كانون أول 2002 والذي نظمته اميركا وبإشراف سفيرها خليل زادا, (إقرأ مقالة للكاتب بعنوان "تصف قرن من المآسي , بين نظام قومي متطرف ونظام محاصصة طائفية"على عدة مواقع إلكترونية , ومنها الحوار المتمدّن) وقاطعته الأحزاب الوطنية , ومنها حزب الدعوة الإسلامية والحزب الشيوعي العراقي والحزب الإسلامي العراقي والتجمع الديمقراطي العراقي , ووضع هذا المؤتمر حدّا لأية إمكانية للرجوع الى التفاهم بين قوى المعارضة لوضع برنامج وطني ما بعد السقوط . لم تفكّر أميركا يوما, أو أي بلد رأسمالي بصرف دولار واحد بدون ربح مضاعف مرّات , بغض النظر عن الضحايا البشرية , لآنّ الإنسان لاقيمة له مقابل أي رأسمال يدرّ الأرباح , لأنّ طبيعة النظام الرأسمالي هو " الربح بكلّ الوسائل", بعيدا عن كل الخلق والأعراف الإنسانية . كما أنّ أكثر الأرباح تأتي من الإستثمار في الطاقة والسلاح , وهي شبه محتكرة للشركات الأميركية وبعض الدول الرأسمالية . لمّا كان النفط ثروة ناضبة وعصب حياة الصناعة ولا يمكن الإستغناء عنه , على الأقل , خلال عدة عقود من الآن ويوفر أرباح خيالية , وهذه معادلة على شعوبنا أن تدركها جيدا , لذا تعمل أميركا وحلفاءها بكل ما في وسعهم في تأمين الحصول على مصادر الطاقة , وخاصة في منطقة الخليج ( أكبر إحتياطي عالمي للنفط هو في السعودية والعراق ) . ويقدّر إحتياطي النفط في هذه المنطقة بحوالي 80% من إحتياطي العالم . إذن كيف يمكن لأميركا وحلفاءها ترك المنطقة, وهي تحاول , ومنذ الحرب العالمية الثانية تثبيت وجودها في المنطقة عن طريق التحالف مع بعض الأنظمة وإسرائيل والتعامل مع شخصيات وأحزاب لتكون ركيزة لها في المستقبل , كما في حالة العراق , ومؤتمر لندن دليل قاطع على ذلك .
لكثير من الدول المتطورة مدارس ومعاهد تقدم دراسات استراتيجية حول شعوب وقبائل وعشائر وشخصيات وأنظمة سياسية , ولأميركا الكثير من هذا , لذلك ليس من الصعب عليها معرفة طبيعة الشعب العراقي ومدى حب العراقيين لوطنهم وإفتخارهم بحضارتهم وأديانهم وقومياتهم والتماسك القوي بينها ووجود أحزاب ومنظمات تشجعهم على ذلك وتضيئ لهم الطريق الصحيح للعيش بسعادة وأمان عن طريق القضاء على الفقر والبطالة والأمراض وتوزيع ثروة البلاد بشكل عادل وخلق جيش قوي يصون حدود البلد من أي عدوان خارجي , وقوّات أمنية وشرطة تسهر على أمن المواطنين . كلّ هذا توجّب على أميركا وحلفائها من الدول الرأسمالية ودول المنطقة العمل الكثير لتسفيه كلّ هذا ومحاربة القائمين على هكذا مشاريع , وخاصة أنّ ثورة 14 تمّوز 1958 ومن جملة منجزاتها عملت على تقريب وتقوية كلّ الصلاة بين العراقيين وأبعدت خطرالتدخل الأجنبي في شؤون العراق الداخلية . ولكن أميركا وحلفائها نجحوا في تشتيت وحدة الشعب العراقي بتنصيبها بيادق على رأس الدولة العراقية , بدءا بإنقلاب البعث الأول في 8 شباط 1963 ثمّ إنقلاب البعث الثاني في تمّوز 1968 ومؤتمر لندن المار الذكر وإنتهاء بإحتلال العراق في 9 نيسان 2003 وتثبيت نظام محاصصة طائفية وقومية ,ثمّ دخول إيران على خط التطورات بعد الإحتلال بشكل قوي لدعم الإسلام السياسي الشيعي في السرّ والعلن , ومد أيدي خفية من دول الخليج وتركيا وسوريا لدعم الإرهاب وبعض الأحزاب الداخلة في العملية السياسية , هذا النظام الذي حاول قادته ويحاولون الإستمرار به , رغم المآسي التي يخلقها للعراقيين , لما يحصدون منه المزيد من الإمتيازات .
يتميّز النظام العراق الحالي ومنذ 2003 ب :
1- تفشي الفساد المالي والإداري في كل مؤسسات الدولة وعجز الحكومات المتتالية من القضاء عليه , رغم كشف الكثير من المفسدين من أصغر موظف في الدولة الى وزراء ونواب في البرلمان بسبب تستّر الأكبر على الكبير والكبير على الأصغر وهكذا , والتستّر فيما بين الكتل والأحزاب السلطوية , وعجز القضاء في مقاضاتهم,والمثل الأخير على ذلك ,هو غلق ملف فساد الأسلحة الروسية بحجة عدم توفّر الأدلة الكافية " المؤمّنة" في مكتب رئيس الوزراء الذي لايستطيع القضاء من خرقه .
2- عجز الحكومة في تقديم الخدمات من ماء صالح للشرب وكهرباء وسوء الخدمات الصحية وقلة مؤسساتها وكادرها , وظهور حالة غريبة , وهي مقاضاة الأطباء عشائريا وعجزها في حماية البيئة العراقية من التلوّث . وعجزها في إصلاح التعليم إبتداءا من الصفوف التمهيدية الى الدراسات العليا , والحاجة الى بناء المزيد من المدارس والمؤسسات التعليمية , وهناك محاولات لفرض عقيدة دينية محددة في مناهج التعليم وفرض تقاليدها في المؤسسات التعليمية بقيادة وزير التعليم العالي علي الأديب ,أحد قيادي حزب الدعوة الإسلامية الذي يترأسه المالكي .
3- عجز الحكومة في القضاء على الإرهاب وتستّر الكتل الحاكمة فيما بينها على هذه الآفة الخطيرة , مثلا , وليس حصرا , التستّر على شراء أجهزة كشف متفجرات غير فعالة وبأسعار تصل الى ألفي ضعف قيمتها الحقيقية ومن شركة بريطانية غير معروفة حكم على رئيسها بالسجن لعشر سنوات من قبل إحدى المحاكم البريطانية بعد كشف جريمته . والأهم من ذلك هو إستشهاد الآلاف من العراقيين الأبرياء ,مدنيين وعسكريين بسبب هذه الأجهزة المغشوشة , مما يثير الشك في التعمّد بشراءها بتحريض من المتسترين على الإرهاب . فمتى يتمّ مقاضات المتهمين العراقيين؟
4- عجز الحكومة في تخفيض نسبة البطالة والذي هو إحد أسباب إنتشار الفقر وإنتشار الجريمة المظمة والإرهاب , بسبب إهمال الصناعة الوطنية وهيمة الإقتصاد الريعي بإعتماد الدولة على تصدير النفط . ويقدر الدخل الوطني من النفط ب93% من الدخل العام , ويؤدّي الى تعثّر الإقتصاد في حالة إنخفاض أسعار النفط , والذي هو أصلا متعثر بسبب فقدان خطط إقتصادية مدروسة تهتم بتوزيع الدخل الوطني بشكل عقلاني .
5- عجز مجلس النوّاب في تشريع أهم القوانين , مثل قانون النفط والغاز وقانون إجازة الأحزاب , بالإضافة الى أكثر من خمسين قانون آخر بدون تشريع . والسببب في هذا العجز هو الصراع بين أقطاب الكتل السياسية , ويختفي هذا الصراع فجأة , عند تشريع قانون يمنح المزيد من الإمتيازات للنوّاب المتصارعين .
منذ بدء تظاهرات محافظة الأنبار ثمّ تبعتها محافظات نينوى وصلاح الدين وكركوك وديالى للمطالبة ببعض الحقوق , سفّهت هذه الحقوق من قبل رئيس مجلس الوزراء في البداية وكيلت إتهامات للقائمين بها حتى أصبح من العسير التعامل بين المتظاهرين والحكومة , مما أعطى فرصة لإستغلالها من قبل بعض السياسيين المشاركين في الحكم ثمّ تغلغل عناصر الإرهاب في التظاهرات لتسييس المطاليب , حتى تحوّلت التظاهرات الى شكل من الصراع بين المتظاهرين والحكومة , حتى بات الإعلام الإقليمي وجزء من الإعلام العراقي يدّعي بإنّ الصراع هو بين الشيعة المهيمنين على الحكم والسنة اللذين سلبت حقوقهم . يأتي هذا الإدعاء نتيجة إطلاق خطابات طائفية من قبل بعض النوّاب وقادة التظاهرات من جهة , ومؤيدي حكومة المالكي من كتلة دولة القانون , بشكل خاص , من جهة أخرى , بينما عجز مجلس النوّاب هو الآخر في الإنعقاد بسبب مقاطعة هذه الكتلة أو تلك لجلساته لمناقشة القضايا الساخنة بسبب تراشق التهم بين أقطاب المحاصصة والتي تحوّلت في بعض الأحيان الى تبادل السبّ والشتم وبدون أي حياء . وعجز المجلس عن إستدعاء أو إستضافة المقصرين من الوزراء وغيرهم للإستجواب أو للنقاش حول القضايا المهمة حتى تحول البرلمان من قاعدة لتشريع القوانين التي تنظم الحياة الإقتصادية والإجتماعية والسياسية والثقافية للعراقيين لإعطاء هيبة ومكانة رفيعة للدولة العراقية , إلى قاعة لتمزيق التآخي الديني والقومي والطائفي والإجتماعي للعراقيين وإعطاء نظرة تخلّف للدولة العراقية بين دول العالم .
لم تفشل الحكومة في إدارة الخلافات مع المتظاهرين , بل أدّى تباطؤها الغير المبرر الى الصدام المسلح بين المتظاهرين والجيش ليبدأ صراع جديد وإتهامات مفادها , من أطلق النار أولا وكيف ومتى أطلقها , هل أطلقت النيران من قبل المتظاهرين أم من عناصر مندسّة وووو. وكان أخطر المواقف في تبادل إطلاق النار بعد الموصل والرمادي والفلوجة هو إقتحام الجيش لساحة الإعتصام في الحويجة ووقوع ضحايا كبيرة , مما زاد في صبّ الزيد على نار الأتهامات بين القوى المتحاصصة المتناسية ضحايا خصاماتهم من مدنيين وعسكريين والتي لا يمكن أن تنتهي إلاّ بإزالتها من المسرح السياسي .
من الغريب عندما بفشل نظام المحاصصة في حلّ الخلافات التي تجرّ البلد الى خراب ومخاطر التقسيم , يحاول هذا النظام إقحام العشائر في ساحة الخلافات السياسية والقومية والطائفية وإعطائهم دور متميّز متجاوزين على الدستور والقوانين التي شرّعوها , حتى أن أنّ بعض العشائر تقوم بتجهيز فرق مسلحة (ميليشيات) , مع العلم بأن الكل يعرف بأن الإرهاب وعلى مختلف تلاوينه الطائفية يحتمي بين ثنايا بعض العشائر . ولعلّ السيد المالكي هو أنشط السياسيين في خطاباته الإنشائية بين عشائر الجنوب وإتهامه حلفاءه المحاصصين بالإرهاب وإتهام مجلس النواب " السنّي " بتعطيل عمل الحكومة " الشيعية ". والطرف الآخر يتهم الحكومة بحماية الإرهاب والفساد , وهكذا تتعاقب الأزمات وليس من حلّ . ولا بدّ أن الحلول , بالأحرى أنصاف الحلول , تأتي من خارج العراق , وقد بدأت بصفقة الإتفاقات بين التحالف الكردستاني والتحالف الوطني , والغريب ليس بين حكومة الإقليم والحكومة المركزية . فمن يدير الدولة وكيف تدار , من الداخل أم من الخارج ؟؟؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صاروخ باليستي روسي يستهدف ميناء أوديسا


.. ما فاعلية سلاح الصواريخ والهاون التي تستخدمه القسام في قصف م




.. مراسل الجزيرة يرصد آثار القصف الإسرائيلي على منزل في حي الشي


.. خفر السواحل الصيني يطارد سفينة فلبينية في منطقة بحرية متنازع




.. كيف استغل ترمب الاحتجاجات الجامعية الأميركية؟