الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل من طريق ثالث .. بين الرأسمالية والاشتراكية .... ؟؟...(.1)

علي الأسدي

2013 / 5 / 10
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


1- الحياة ما بعد الاشتراكية

تخلى مواطنوا الاشتراكية في أوربا الشرقية والاتحاد السوفييتي عن اشتراكيتهم بدون أدنى مقاومة أو اعتراض في اقرب فرصة سنحت لهم ، واختاروا بمحض ارادتهم الدخول الى الجنة الرأسمالية. لم تكن الجنة الموعودة في الآخرة ، بل الجنة الأرضية القائمة خارج حدود دولتهم الاشتراكية التي غادروها. كانت الراسمالية للكثير منهم جنة يحلمون بالوصول اليها بأي ثمن ، وبالفعل وبعد تبني بلادهم للنظام الرأسمالي حزموا أمتعتهم وسافروا بالملايين الى الغرب الرأسمالي بحثا عن حياة أفضل.

حلوا هناك للتعرف فيما اذا سيستطيعون بناء حياة لم يستطيعوا بناءها في ظل الاشتراكية ، لقد نجح البعض وأخفق البعض الآخر. المحاولة بالنسبة لهذا الجيل جزء من طموح الفرد لبناء حياة أفضل ، وهي سمة انسانية ايجابية وطبيعية يتميز بها الانسان عن غيره من الكائنات. عاد أكثرهم بعد نفاذ مدخراتهم وخيبة أملهم باستثناء نسبة قدرت بين 10- 15% منهم لم يستسلموا لليأس.

لمن ولد في الدولة الرأسمالية ( الاشتراكية السابقة ) لا يعرف الكثير عن حياة الاشتراكية عدا تلك التي يحدثهم عنها أفراد عائلاتهم. لذلك فهم يواجهون تحديات لم يواجهها الجيل السابق الذي لم يقاسي من البطالة ، ففي ظل الاشتراكية يعتير مبدأ العمل للجميع التزاما حكوميا بقي ساريا لآخر يوم من حياة النظام.

بالنسبة للكثير ممن شعر بالسعادة بحياته الجديدة واجه خيارا صعبا ، فالدولة في النظام الجديد غير ملزمة بتوفير وظائف لمواطنيها ، وعندما ساءت أحوالهم الاقتصادية بعد التحول لنظام اقتصاد السوق الرأسمالي اضطروا للسفر مرة أخرى وهذه المرة مجبرين لا مخيرين بحثا عن مصدر رزق يساعدوا به انفسهم وعائلاتهم بعد فشلهم في الحصول عليه في بلادهم. فتحت ضغوط البطالة التي طالت أكثر موظفي القطاع الاشتراكي الذي بيع لشركات أجنبية ومحلية اعتمدت سياسة توظيف جديدة قلصت بموجبها عدد العاملين فيها لتخفيض تكاليف العمل الى أدنى ما يمكن لضمان نسب ربح أعلى. أمام هذا التسريح الواسع للعمال ارتفعت نسبة البطالة الى حدود غير متصورة ولا متوقعة.

اليوم ومع الركود الاقتصادي الذي يخيم على دول أوربا والولايات المتحدة ، تشح فرص العمل يوما بعد يوم في الغرب أيضا ، والمنافسة الحادة والمؤلمة تدفع بالعاطلين عن العمل للقبول بأي فرصة عمل متاحة بأجور تقل كثيرا عن الحد الأدنى السائد في الغرب.
لقد شكلت هذه الظاهرة فرصة لارباب العمل في الدول الغربية لتعظيم أرباحهم مستغلين حاجة الاحداث من الذكور والاناث من دول الاشتراكية السابقة المضطرون لمساعدة عائلاتهم التي تعاني الفقر في الوطن. لكن الأحوال هناك تتجه للتردي أكثر وأكثر مع السماح لدخول العمال من بلغاريا ورومانيا الذين سيحق لهم السفر الى الاتحاد الأوربي في وقت لاحق من هذا العام دون الحصول على سمة الدخول الى دول الاتحاد.

حيث يتوقع أن يكون بين النازحين البلغار والرومان الكثير من الفقراء وقليلي التأهيل من أصول رومانية ( الجبسي) المستعدون للقيام بمختلف الأعمال وتحت اي ظروف عمل ، وبأدنى الأجور. وترتفع في بعض دول الاتحاد الأوربي أصوات المعارضة ضد السماح بدخول الوافدين من تلكم الدولتين تحت تأثيرالمشاعر العنصرية التي تزايدت كثيرا في السنوات الأخيرة.

اليوم يشكل البحث عن عمل هما يوميا في البلاد الاشتراكية السابقة ، فللفوز بفرصة عمل واحدة في بولندا مثلا عام 2008 تطلب منافسة 7 عاطلين آخرين للفوز بتلك الفرصة الشاغرة. وفي عام 2011 أصبح على الباحث عن عمل مواجهة 38 باحثا آخر ينافسه على تلك الفرصة المتاحة. تجربة لم تخطر ببال أولئك الذين عارضوا الاشتراكية واحتفلوا بسقوطها..(1)

بين عام 1990 - 2003 فقد حوالي ثلاثة ملايين عامل أعمالهم في بولندا وحدها ، وعلى الباحث ان يقيس على ذلك ما جرى في البلدان الاشتراكية السابقة. ففي عام 2011 بلغ عدد من هاجر الى الغرب حوالي مليوني عامل بولندي ، منهم 30,2% في المملكة المتحدة , و21,6% في ألمانيا ، و11,4% في الولايات المتحدة ، و6,5% في ايرلندا ، و4,6 في هولندا.(2)

واعتبارا من عام 1989انخفض دور قطاع الزراعة في الناتج المحلي الاجمالي لبولندا من 29% الى 17,2% و الناتج الصناعي من 35,2% الى 29,2% بينما ارتفع دور الخدمات من 35,8% الى 55% في الفترة ذاتها. ومع ان الاقتصاد البولندي قد حقق نموا ايجابيا عام 2009 بنسبة 1,6% لكنه لم يخلق فرصة عمل واحدة.
ففي الوقت الذي يتزايد عدد العاطلين عن العمل تنتشر ظاهرة الفقر بين السكان ، بما يذكر بمصاعب الحياة والعوز التي كانت منتشرة قبيل الحرب العالمية الثانية وبعدها. ويقدر عدد العطلين عن العمل بين الفئات العمرية 25 – 64 عاما حوالي 2,5 مليون عاطل عام 2009، ونفس العدد تقريبا دون 25 عاما في عام 2011.(3)

أما في روسيا فقد بلغت نسبة البطالة في عامي 2011 و2012 ،5,5% و 6,5% على التوالي ، ليصل عدد العاطلين فيها بحدود 5 ملايين عاطلا في الفترة نفسها.(4) وفي بلغاريا بلغت نسبة البطالة 11,9% عام 2013 في وقت كانت في الفترة 1980- 1988 صفرا فقط.(5) وفي سلوفاكيا كان متوسط نسبة العاطلين عن العمل بين 2001 – 2013 ، 14,27% (6) و(7)

أمام هذا الفشل في الأداء الاقتصادي لدول الاشتراكية السابقة ما يزال الأمل معقودا على تحسن الحالة الاقتصادية في السنين القادمة ، لكن ليست هناك أي مؤشرات على ذلك فارقام البطالة تتزايد دون توقف والتفاوت الصارخ وانعدام المساواة يزدادان اتساعا بين من يملك ثروة وبين من لا يملك حتى قوت يومه.

أتستحق الرأسمالية كل هذه التكاليف الاقتصادية والاجتماعية الباهظة للانقلاب على الاشتراكية..؟

فالمشاكل الاقتصادية في الدول الرأسمالية المتقدمة تتعاظم بنفس الوقت الذي تزداد فيه الأعباء الاقتصادية على شعوبها يوما بعد يوم ، ولا يبدو في الأفق اي انفراج يحررهم من الأزمة الاقتصادية الراهنة. اما الحريات السياسية التي كانت مقننة في الاشتراكية واطلق لها المجال واسعا بعد الانتقال للنظام السياسي التعددي فلم تغير من واقع حياة المواطن العادي كثيرا ، لأن حجم الانفتاح السياسي والفكري لم يكن سيئا في دول أوربا الشرقية مقارنة بالاتحاد السوفييتي.

الدول الاشتراكية في أوربا الشرقية كانت مدارة من قبل تحالف سياسي يقوده الحزب الشيوعي في الدولة. التحالف كان مكونا من أحزاب برجوازية وطنية صغيرة تمثل فئات المزارعين واصحاب الحرف الفردية والتعاونية ومثقفين من المستقلين. كان التحالف يناقش السياسات الاقتصادية للبلاد عبر مشاورات تتم على مختلف الصعد وتقر عبر المؤتمرات الخاصة بتلك الاحزاب ، وقد استمر العمل بهذا المبدأ حتى الأيام الأخيرة من النظام الاشتراكي.

لم تكن تلك التشكيلات الحزبية البرجوازية من القوة لتفرض شخصيتها المستقلة في النظام القائم حينها ، حيث لم يكن القصور في تلك الاحزاب ، وانما في الحزب الشيوعي الذي يقود الدولة ، فهذا لم يتح لها الفرصة الحقيقية ليكون لها دورا فاعلا في السياسة اليومية. وكانت ستكون فرصة بالغة الأهمية للسير قدما بتلك التجربة الديمقراطية ، وباعتقادي انها أكثر فاعلية من دور الحكومات الائتلافية في الدول الصناعية الأوربية واكثر استقرارا.

لكن تلك التجربة و تلك الامكانية قد تلاشت تماما وذهبت مع التجربة الاشتراكية ولم ينتبه لها أحد أو يقدر أهميتها ودورها ، وفيما اذا ستتوفر مرة أخرى فرصة لقيام ديمقراطية شعبية في ظروف دول أوربا حيث الائلاف بين الاحزاب السياسية البرجوازية الحالية يثبت فشله في ضمان الاستقرار السياسي وتنمية اقتصادية مستدامة لدوله.

لكن يبدو ان السلطات الجديدة في دول الاشتراكية السابقة سعداء جدا بما حققوه عبر ديمقراطيتهم الجديدة ، وبما هم فيه من رخاء شخصي. ولا يبدو الوضع الاقتصادي لبلدانهم مثيرا للقلق ، فلماذا عليهم أن يقلقوا وهم يواجهون المشاكل الاقتصادية في بلدانهم من بطالة وفقر ، فليس هم وحدهم من يواجه هذه المشكلات ، فالاقتصاد الرأسمالي ودوله المتقدمة هي الأخرى تعاني من البطالة والفقر.

لقد أدت الاشتراكية دورها وغابت عن المسرح الدولي للأسباب التي لم تعد خافية على أحد ، ولم يعد مستساغا سياسيا تكرار الحديث أو لعب دور المدعي العام للدفاع عن سياسات دولها بنجاحاتها واخفاقاتها. فالقيام بهذا الدور لم يعد متاحا ، بعبارة أخرى لم تعد له ضرورة بعد أن غادر المحكمة القضاة والمحلفون والشهود والجمهور كذلك.

واذا كانت العودة للاشتراكية كبديل وحيد للرأسمالية لم تعد ممكنة فماذا يكون البديل القادم اذا انهارت الرأسمالية هي الأخرى..؟؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نبيل بنعبد الله: انتخابات 2026 ستكون كارثية إذا لم يتم إصلاح


.. بالركل والسحل.. الشرطة تلاحق متظاهرين مع فلسطين في ألمانيا




.. بنعبد الله يدعو لمواجهة الازدواجية والانفصام في المجتمع المغ


.. أنصار ترمب يشبهونه بنيسلون مانديلا أشهر سجين سياسي بالعالم




.. التوافق بين الإسلام السياسي واليسار.. لماذا وكيف؟ | #غرفة_ال