الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عبقرية المصريين

نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)

2013 / 5 / 10
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


أختلف مع من يقولون إننا في حاجة إلي زعيم منقذ. أو المؤسسة العسكرية هي المنقذ الوحيد. لأن هذه فكرة تتناقض مع الايمان بالشعب والثورة الشعبية. وهي الفكرة التي أجهضت الثورات المصرية ومنها ثورة 19 وثورة 52 وثورة يناير 2011.
شارك أبي في ثورة 19 مع زملائه الطلاب بدار العلوم وجامعة الأزهر والعمال والفلاحين والفلاحات. وسمعته يقول "تعاونت الحكومة المصرية مع الإنجليز علي إجهاض الثورة ودفن أبطالها الحقيقيين من الشهداء". وقفزت علي الحكم طبقة البشوات منهم سعد زغلول باشا وهدي شعراوي باشا.
في طفولتي سمعت الهتافات ضد الملك والإنجليز بالمدرسة الثانوية شاركت فى مظاهرات عام 1946 ـ وفي كلية الطب خرجت مع زملائي في مظاهرات 1951.
دماء الشباب أريقت علي الأسفلت برصاص البوليس والجي. من نجوا من الرصاص غرقوا في النيل بعد فتح كوبري عباس عليهم وهم يسيرون فوقه. بأمر وزير الداخلية. لعب الملك والإنجليز والجيش والبوليس والأحزاب الموالية لهم. دوراً في حريق القاهرة 26 يناير 1952 ـ تم اجهاض الثورة الشعبية وضرب كتائب الفدائيين الذين كانوا يقاتلون في القنال ضد الاحتلال البريطاني ـ داس الطلاب صورة الملك فاروق بأحذيتهم في المظاهرات. وكان الفساد يعم البلاد والفقر والمرض والجهل والفضائح الأخلاقية والمالية للقصر والطبقة الحاكمة وفضيحة الأسلحة الفاسدة وهزيمة الجيش المصري في فلسطين. وانشاء دولة إسرائيل عام 1948 ـ كان الطلاب والعمال والفلاحون والفدائيون هم الطليعة الحقيقية لثورة 1952 الذين مهدوا الطريق للضباط الأحرار للاستيلاء علي الحكم.
الحكومات المصرية المتتالية دفنت الشباب الفدائي وشهداء ثورة «52» في التاريخ. كما دفنوا شهداء ثورة يناير 2011 الذين مهدوا لحكم المجلس العسكري بعد خلع مبارك. ثم سلموا الحكم للاخوان المسلمين. وكان يمكن لجمال عبدالناصر ومعه قوة الجيش وقوة التأييد الشعبي. أن يحرر مصر سياسيا واقتصاديا، لكنه راح يتأرجح بين الرأسمالية والاشتراكية. بين روسيا وامريكا. بين الاخوان والشيوعيين بين الحكم العسكري والديموقراطية. وخرجنا في مظاهرات شعبية وطلابية نطالبه بأن يضرب رءوس الفساد في القطاع العام والاتحاد الاشتراكي. ألا يجعل أنور السادات نائبه ورئيس مجلس الشعب. ألا يفتح السجون لكل من يختلف معه. ألا يسكت عن فساد قيادات الجيش في مجال المال والنساء ـ كنا نطالبه بالاعتماد علي الشعب. لم يؤمن ابدا بقوة الشعب. آمن بالقوات المسلحة التي حملته إلي مقعد الحكم. خرجت الملايين تسانده في 9 و10 يونيو بعد هزيمة 1967 ـ لكنه لم يؤمن بالجماهير لم يستطع ابدا التخلص من التربية العسكرية. رغم شعاره «الشعب هو القائد والمعلم». مات عبدالناصر في 28 سبتمبر 1970 غير مؤمن إلا بالقوة المسلحة.
تعاونت ضد عبدالناصر قوي الاستعمار البريطاني الفرنسي الأمريكي مع دولة إسرائيل ومع طبقة الأثرياء الجديدة الذين أثروا في عهده. ثم واصلوا الثراء المتزايد في عهد السادات ومبارك حتي أصبحوا يملكون البلايين. وأصبح نصف الشعب المصري تحت خط الفقر. لم يكن لأي قوة خارجية أو داخلية. أن تهزم عبدالناصر لو أنه آمن بالشعب. لم يلعب دوراً في تنظيم الشعب وتوعيته، بل العكس هو الصحيح.
أذكر في انتخابات نقابة الأطباء عام 1968 أن أعوان عبدالناصر في الاتحاد الاشتراكي. علي رأسهم وزير الداخلية شعراوي جمعة. غضبوا غضباً شديدا حين نجحت بأغلبية كبيرة. مع بعض الأطباء الشباب رغم جهودهم الكبيرة لإسقاطنا. إلي حد أن أعوانهم خطفوا صناديق الانتخابات في بعض المحافظات والأقاليم. وترقية الأطباء من أعضاء الاتحاد الاشتراكي إلي درجات أعلي في الحكومة والقطاع العام.
بعد حصولي علي مقعد في مجلس نقابة الأطباء قدمت استقالتي وأول سبب كان تدخل وزير الداخلية وقيادات الاتحاد الاشتراكي في قرارات مجلس النقابة.
الثورة التي خلعت مبارك خلعت الخوف من قلوب الشعب، لكن الخوف عاد مع عودة البطش العسكري والبوليسي بالشباب والشابات وقهر الفتيات بكشوف العذرية في السجون العسكرية. ليس عندنا اليوم تنوع سياسي أو ديمقراطي، بل فتنة سياسية لتقسيم مصر طائفيا. كما حدث في العراق وليبيا وتونس وسوريا ولبنان والسودان. تشارك الحكومات المصرية مع الاستعمار الأمريكي ـ الإسرائيلي في خطة التقسيم من أجل إجهاض الثورة المصرية.
المشكلة الاساسية هي فساد الحكم الداخلي وانتهازية الأحزاب السياسية منذ العهود الملكية حتي اليوم. وقد رأيناهم منذ نجاح ثورة يناير 2011 يتنافسون علي اقتناصها. كما تنافسوا علي اقتناص ثورة 19 وثورة 52 وغيرها. أحزاب ورقية داخل الغرف المغلقة. تتعاون مع الحكومات سِرا تحت اسم المعارضة. توجد في الشارع لحظة التقاط الصور. يتخذون قرارات سرية بعيدا عن قواعدهم ويضمون إليهم شابا ثوريا أو شابة حسب الحاجة للدعاية. وتتناقض أهدافهم من يوم ليوم. ينقسم بعضهم علي البعض ويوافق بعضهم علي الحوار مع الحكومة ويرفض البعض ويوافق بعضهم علي التعيين في مجلس الشوري. ويرفض البعض ويدخلون في تحالفات. ثم ينهالون عليهم بالذم والقدح ويتحالفون مع القوي الدينية الصوفية أو السلفية أو غيرهم لضرب الاخوان أو حزب آخر. إنقاذ مصر لن يأتي عن طريق الزعيم المنقذ. أو طليعة من القوات المسلحة تتولي الحكم. والديكتاتورية الدينية أخطر من الديكتاتورية العسكرية، لكن لماذا لا نفكر في طريق آخر يحررنا من العبودية لرجال الدين ورجال العسكر معا؟. وأمامنا نموذج الثورة المصرية 2011 ـ ألهمت الثورات في العالم وخلعت مبارك. لماذا لا نعيد توحيد الشعب وتنظيمه وتوعيته؟
عدم الايمان بقوة وعبقرية الشعب المصري. هو سبب هزيمة عبدالناصر وجميع القوي السياسية من الليبراليين إلي الناصريين إلي الاشتراكيين إلي الرأسماليين والشيوعيين والاخوان المسلمين. يتغنون بالشعب في الخطب والمظاهرات. ثم يتخلون بسرعة عنه ويلجأون إلي القوة المسلحة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مبيعات سيارات تسلا الكهربائية في تراجع مستمر • فرانس 24


.. نتنياهو ينفي معلومات حول إنهاء الحرب قبل تحقيق أهدافها




.. رئيس أركان الجيش الإسرائيلي: نتمسك بتدمير البنية التحتية لحم


.. شركة تبغ متهمة بـ-التلاعب بالعلم- لجذب غير المدخنين




.. أخبار الصباح | طلب عاجل من ماكرون لنتنياهو.. وبايدن يبرر سوء