الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيناريوهات الازمة السورية تتصارع

محمود عبد الرحيم

2013 / 5 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


ما بين التفجيرات التي يتعالى صوتها بشدة مؤخراً، واستهداف مؤسسات حكومية ومسؤولين سوريين كبار كرئيس الوزراء، وبين تصعيد ملف السلاح الكيماوي بقوة مجدداً على الساحة الدولية، ودخول الكيان الصهيوني على الخط بضربات جوية مفاجئة للداخل السوري؛ يبقى مصير سوريا غامضاً، والسيناريوهات المقبلة مفتوحة بلا حسم، فلا أحد يدري إن كانت هذه مقدمة حقيقية لتدخل عسكري للإجهاز على النظام السوري الذي ما زال قادراً على الصمود في مواجهة معارضة مسلحة مدعومة من قوى إقليمية ودولية عديدة، يشاركها جماعات متطرفة مرتبطة بتنظيم القاعدة، ومقاتلون أجانب، أم أن الأمر لا يعدو كونه رفعاً لمستوى الضغط القائم على نظام الأسد، لإجباره على التفاوض على الرحيل من دون شروط، وتسريع وتيرة العملية السياسية التي تراوح مكانها منذ مدة ليست بالقليلة، وتفعيل ما تم التوافق عليه روسياً وأمريكياً، مؤخراً، حول ضرورة الحل السياسي السلمي، وبحث مستقبل سوريا ما بعد الأسد؟

ربما القراءة الأولى لتلك التطورات على الأرض، تذهب إلى الربط بين التفجيرات الأخيرة وإعادة قضية السلاح الكيماوي إلى الواجهة من جديد، وأنهما يستهدفان في هذا التوقيت تسهيل عملية التدخل الخارجي عسكرياً، من زاوية إظهار النظام السوري أنه غير قادر على تأمين كبار مسؤوليه أو منشآته الرسمية حتى داخل دمشق الحصينة، ما يرسل برسالة تشكيك في قوته التي لا يلبث أن يؤكدها في أكثر من مناسبة، وحديثه أنه في طريقه لتصفية الجماعات الإرهابية المتآمرة على سوريا شعباً ووطناً .

فبهذه العمليات التفجيرية المتوالية يمكن النيل من مصداقية النظام أمام شعبه، ما يضعف الجبهة الداخلية أكثر، ويقلل من أنصاره، خاصة مع فتح جبهات قتال في قرى ومدن سنية، والترويج أن النظام “العلوي” قام بمجازر فيها، وتصفية على أساس طائفي، بمعاونة مقاتلين إيرانيين ومن حزب الله .

فيما تصعيد ملف السلاح الكيماوي، في ذات الوقت، بما له من حساسية خاصة عند الغرب، لاعتباره، حسب منظورهم، يهدد أمن الكيان الصهيوني الذي كان ولا يزال يمارس التحريض على سوريا، رافعا هذه اللافتة، ينذر بتكرار السيناريو العراقي من استغلال قضية كالسلاح الكيماوي، والمبالغة في خطورتها وتضخيم حجم التهديدات التي يمثلها النظام السوري لشعبه وجيرانه .

أما القراءة الأخرى، فتسير باتجاه أنه ربما تدفع المعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري بإلحاح إلى التدخل العسكري لإسقاط النظام بالقوة، ومنذ وقت مبكر، ويسايرها في هذا كل من قطر وتركيا بشكل خاص، وتتصور أنها بلغة التفجيرات ترسل لحلفائها خاصة الولايات المتحدة رسالة قوية أن النظام في أضعف حالاته، وأن هذه هي اللحظة المواتية للإجهاز عليه بعملية عسكرية تأخذ غطاء دولياً، من خلال العزف على وتر التخوف الصهيوني من السلاح الكيماوي، وإمكانية وصوله إلى المقاومة اللبنانية . غير أنه من الواضح أن ثمة انقساماً دولياً حول التدخل العسكري في سوريا وآلياته، خاصة داخل دول الاتحاد الأوروبي، فضلا عن التردد الأمريكي في حسم هذه القضية، رغم وجود ترحيب من الكونغرس بخطوة الضربات العسكرية للنظام السوري، فثمة تقديرات متشائمة حول الوضع ما بعد سقوط الأسد، وأنه ربما لا يمكن السيطرة على الموقف المنذر بتداعيات ستنال حتماً من الإقليم كله، وتغمره بفوضى أمنية وصراعات مذهبية وعرقية، فضلاً عما يمثله وجود الجماعات الدينية المتطرفة في سوريا من خطورة على مصالح الدول الغربية، وأمن الكيان الصهيوني مستقبلاً، خاصة مع رصد أجهزة الاستخبارات الغربية وجود مواطنيها ضمن المقاتلين الذين يرفعون راية “الجهاد الإسلامي”، وما يمثله ذلك من جرس إنذار للداخل قبل الخارج، علاوة على التيقن من أن وصول جماعات دينية كالإخوان المسلمين للحكم في عديد من الدول العربية بمساعدة أمريكا ودول إقليمية، لم يمنع أو يحد، كما كان متوقعاً، من نشاط “الجماعات الجهادية” حول العالم وعملياتها الإرهابية التي تستهدف مصالح غربية، وهو ما اتضح جلياً في ليبيا وعدد من الدول الأخرى .

ووفق هذه المعطيات، إضافة إلى الضغط الأمريكي على المبعوث الأممي العربي المشترك الأخضر الإبراهيمي للبقاء في مهمته السياسية، رغم إبداء رغبته في الاستقالة، واستناداً إلى أن تصعيد ملف السلاح الكيماوي تكرر أكثر من مرة خلال الأشهر الماضية، ولم تجر إثارته الآن فقط، وتحدث بعض المسؤولين الغربيين أنفسهم، إلى جانب الروس، عن خطورة تكرار السيناريو العراقي، الذي بات كابوساً يؤرق الجميع، وثمة إدراك أنه ليس الخيار الأفضل، ومن هنا فإن ما يجرى، على ما يبدو، هو استحضار هذا الملف كورقة ضغط على النظام السوري، وعلى القوى الداعمة له خاصة موسكو التي تتعامل مع الأزمة السورية كقضية روسية داخلية، ولن تسمح بتدخل عسكري تحت أي مبرر يسقط حليفها بالقوة، وإن كان ثمة إمكانية للبحث عن مصير سوريا ما بعد الأسد، وصيغة لتسوية مرضية لكل الأطراف، قد تشمل ضمانات بخروج آمن للأسد وأركان حكمه، إن لم يكن ثمة فرصة لتمرير صيغة “بيان جنيف” الأولى حول حكومة انتقالية تضم النظام والمعارضة معاً .

وثمة تقدير ثالث، يزاوج بين الرؤيتين السابقتين، مع بعض المرونة في الآليات والتوقيتات والتكتيكات، وهو الأرجح على ما يبدو، ويعتمد على الرهان على عنصر الوقت، وعلى المعارضة لإضعاف نظام الأسد إلى أقصى درجة، واستنزاف قوته، حتى ينهار ذاتياً، وحينئذٍ يكون التدخل الخارجي مقبولاً ويسيراً وكلفته غير باهظة .

ولا شك أن وجود قوات أمريكية نوعية في الأردن، فضلاً على قوات الناتو المحدودة الموجودة في تركيا التي صاحبت نشر بطاريات صواريخ بتريوت مؤخراً، مؤشر على الاستعداد للتدخل في الوقت المناسب، وبصورة ليست كبيرة، ولا تأخذ، حسب التقديرات، شكل الغزو البري، كما في وقائع ومناطق أخرى كأفغانستان والعراق .

ومن هنا كانت إشارة وزير الدفاع الأمريكي إلى دراسة دعم المعارضة السورية بأسلحة نوعية، وحديث الرئيس الأمريكي نفسه عن عدم التسرع في اتخاذ قرار بشأن التعامل مع الأسلحة الكيماوية السورية، وعدم الرغبة في إرسال قوات للغزو، أو حسب تعبير أوباما أنه لا يرى إمكانية لإرسال جنود أمريكيين للتعامل مع الحرب الأهلية الدائرة هناك، رغم وجود ضوء أخضر من الكونغرس وحماسة لهذه الخطوة، وإن كان الرأي العام الأمريكي في أغلبيته في استطلاع أخير للرأي يعارض هذا الإجراء، وأيضا ثمة تحركات شعبية في أكثر من عاصمة عربية مناهضة للتدخل العسكري الغربي في سوريا على غرار ما حدث قبل سنوات مع العراق، وهذا بلا شك أحد العناصر الذي يضعها صانع القرار الأمريكي في اعتباره عند اتخاذ قرار بهذه الخطورة، فضلاً عن درس غزو العراق الذي لا يزال عالقاً في الذاكرة الأمريكية بشكل سلبي .

ومن ثم يبدو أن الحماسة الحقيقية، حالياً، لزيادة دعم المعارضة السورية، سواء بإسناد سياسي أو بتسليح نوعي، أو معلومات استخباراتية، وحرية حركة لمقاتلي القاعدة بخبراتهم في التفجيرات، وربما يكون ثمة تحرك لاحق لفرض منطقة حظر طيران فوق سوريا، على النحو الذي قد يساهم في عرض النظام السوري التفاوض على الرحيل أو انتهاء تأثيره داخل سوريا، ومساعدة المعارضة على الانتصار عليه .

وفي ذات الوقت، كما نرى، فإنه يتم ترك باب التفاوض مفتوحاً من خلال قنوات الاتصال التي لم تنقطع مع موسكو، رغم تباين المواقف وأجندات المصالح بينها وبين الغرب بقيادة واشنطن، لأن ثمة إدراكاً أن روسيا رقم صعب في معادلة الأزمة السورية، وأن لديها مفتاح تسوية هذا الصراع سلماً أو حرباً .

ولا شك، أن واقعة توجيه ضربة “إسرائيلية” لمواقع داخل سوريا، التي تحدثت عنها مصادر أمريكية و”إسرائيلية” مطلع هذا الأسبوع وكشفت دمشق تفاصيلها بعد استهداف مواقع عسكرية سورية، تعد جزءاً من هذا السيناريو القائم على التدخل الجزئي المحسوب بدقة .

وربما تأتي هذه العملية في سياق العمل العسكري النوعي، والضربات الاستباقية لإجهاض أي مخاطر محتملة من قبيل إرسال أسلحة كيماوية أو صواريخ متطورة للمقاومة اللبنانية، أو احتمال سقوطها في أيدي جماعات متطرفة، أو محاولة تدمير متتالية لهذه الترسانة التي تمثل إزعاجاً للغرب وتل أبيب بشكل خاص، خاصة أن الكيان الصهيوني اعتاد على هذه العمليات العدوانية داخل سوريا التي تنتهك قواعد القانون الدولي وتخرق سيادة دولة، وتمثل إعلاناً صريحاً لحالة الحرب، لكنها تمر دائما من دون مواجهة حاسمة أو إدانة دولية، أو أي شكل من الردع، بل أحياناً ما يتم تبرير هذه الأفعال بحق الكيان الصهيوني في “حماية أمنه القومي” كما علق وزير الخارجية البريطاني على هذه الجريمة، وقبله الرئيس الأمريكي أوباما .

وربما يكون هذا هو النهج المرتقب للتدخل، أنه تفويض أمريكي غير معلن ل”إسرائيل” بضربات جوية من وقت لآخر، يسهم في مزيد من إضعاف النظام السوري الذي ليس بمقدوره في ظل التحدي الذي يواجهه داخلياً، أن يتورط في حرب إقليمية مع الكيان الصهيوني، ولا يبدو أن أي طرف يرغب في توسيع نطاق المواجهات حتى لا تخرج عن السيطرة، والرهان، فحسب، على عنصر الوقت واستنزاف القوى .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس كولومبيا يعلن قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل ويعتب


.. -أفريكا إنتليجنس-: صفقة مرتقبة تحصل بموجبها إيران على اليورا




.. ما التكتيكات التي تستخدمها فصائل المقاومة عند استهداف مواقع


.. بمناسبة عيد العمال.. مظاهرات في باريس تندد بما وصفوها حرب ال




.. الدكتور المصري حسام موافي يثير الجدل بقبلة على يد محمد أبو ا