الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اختفاء رباب ماردين 11

حوا بطواش
كاتبة

(Hawa Batwash)

2013 / 5 / 11
الادب والفن


مزيد من التحذير


كان ذلك مذهلا.
السيدة نخايلة قُتلت في غرفتها خلال الليل والكل نائم بطعنة سكين في صدرها. رجّحت الشرطة موعد وفاتها عند حوالي الثالثة والنصف بعد منتصف الليل، والمدهش أنها لم تجد أي أثر للقاتل! ولكن، كان من الواضح أن من قتلها هو من سكان البيت.
الكل ادّعى أنه كان في غرفته نائما في تلك الأثناء. ولكن، من تسلّل من غرفته عند الثالثة والنصف الى غرفة السيدة نخايلة وأصابها بطعنتها القاتلة ثم عاد الى غرفته كأن شيئا لم يكن؟
دُفنت السيدة نخايلة في مقبرة في المدينة، بمشاركة جميع أفراد العائلة، ولم يتمّ إخبار أحد من أهلها بوفاتها، حيث لم يُعرف شيء عن أهلها او عائلتها.
غرق البيت في زوبعة الشكوك والتنبؤات وضجة المحققين والمستطلعين، ولم تتحمّل صحة السيدة ماردين كل هذه الزوبعة، فوقعت أسيرة الفراش، وكانت الخشية على حياتها حقيقية أكثر من أي وقت مضى. بقيت ملازمة لها معظم الوقت، وكانت السيدة أخشيد تقدّم بلطفها كل عون ومساعدة متطلبة.
تم استجواب كل فرد من أفراد العائلة من قِبل محققي الشرطة، وعلى رأسهم المحقق غانم، وبعد مضي أسبوعين لم يكن تحقيقهم قد أدى الى شيء حقيقي، وأثير الافتراض بأن يكون أحد من خارج البيت قد تسلّل الى الداخل، إلاّ أن شيئا من كل ذلك لم يُثبت. هكذا شرح لي المحقّق غانم عندما استدعاني للاستجواب في غرفة المكتب.
سألني المحقّق: "هل لديك معلومات عن أحد أراد إيذاء السيدة نخايلة؟"
"لا، أبدا." أجبت.
"هل ثمة من يكرهها او لا يحبها في هذا البيت؟"
"لا. لا علم لي بذلك."
"هل لاحظت عليها أي شيء غير طبيعي او غير مألوف في الآونة الأخيرة؟"
ارتبكت قليلا. فكّرت إن كان لما أعرفه أهمية في القضية.
"أرجوك يا آنسة مدنية أن تفكري جيدا. كل معلومة صغيرة يمكن أن تكون مهمة جدا بالنسبة لنا." قال.
"حسن. في الحقيقة، هناك شيء لاحظته عليها في الآونة الأخيرة ولم أعرف تفسيره. ولكنني كنت قلقة."
"وما هو هذا الشيء؟"
"السيدة نخايلة كانت تلاحقنا وتراقبنا أنا ووسام ماردين حين نكون معا. لا أدري لماذا كانت تفعل ذلك. وجدت الأمر غريبا."
"وكيف عرفت أنها تفعل ذلك؟"
أخبرته بما رأيت على ملعب كرة المضرب وما أخبرتني به السيدة أخشيد.
ثم سألني: "وهل عرف وسام بالأمر؟"
"نعم، أخبرته بذلك، ولكنه لم يبدِ اهتماما كبيرا."
"خلال مكوثك في البيت، هل سمعت أحدا يتحدّث عنها بالسوء؟"
فكّرت قليلا ثم أجبت: "سأخبرك بشيء، ولكنني لست متأكدة ما المقصود بالكلام الذي سأقول. سمعت مرة وسام ماردين يصفها بأنها صموتة وخطيرة. إنها حقا كانت صموتة ولكنني تعجّبت من قوله عنها ‘خطيرة‘."
"حسنا. هل ثمة شيء آخر تريدين إضافته؟"
"لا."
"شكرا لك يا آنسة مدنية."
...........................................

مقتل السيدة نخايلة ترك أثرا كبيرا على جو البيت، وخاصة أن القاتل المجهول يُرجّح أن يكون بيننا وهو حر وطليق. أصبح الجميع يرتابون من كل شيء. كان ذلك الجو غريبا وصعبا.
ولكن، من حسن الحظ، أن صحة السيدة ماردين استقرّت أخيرا وخرجت من دائرة الخطر، الا أن استردادها وعيها أصابها بحالة نفسية عصيبة وكانت تبقى دوما في غرفتها ساهمة او باكية.
ترى، من قتل السيدة نخايلة؟ ولأي سبب؟
كم كان غريبا ومرعبا أن أعيش في بيت مع أناس بينهم قاتل (او قاتلان)، في مكان ارتكبت فيه جريمة قتل واحدة على الأقل، وربما جريمتان!
هذه الأفكار قادتني الى سؤال آخر: هل ثمة علاقة بين مقتل السيدة نخايلة واختفاء رباب؟
تعجّبت إن كان المحققون يربطون بين الحادثين. لا بد أن الجواب على هذا السؤال يفسّر أمورا كثيرة.
التقيت بوسام على شاطئ البحر للمرة الأولى بعد مقتل السيدة نخايلة.
"أنت مرعوبة." قال وهو يحدّق في وجهي طويلا. " أرى من عينيك أنك مرعوبة."
"أليس ما حدث يدعو الى الرعب؟" قلت ساهمة.
أمسك بيديّ وتحسّسهما. "هدّئي من روعك يا عزيزتي. قريبا سيتم القبض على الفاعل وننتهي من كل شيء."
تأملته بغير تصديق. "أنت تبسط الأمر كثيرا." قلت. ثم أضفت سائلة: "هل تشك بأحد؟"
"لا،" قال ببساطة. "لا أدري من أراد قتلها ولماذا. الأمر مبهم بالنسبة لي." ثم نظر إليّ محدقا في وجهي، وسأل: "وأنت؟ هل تشكين بأحد؟"
"لا. ولكنني أستغرب تصرفاتها الأخيرة قبل وفاتها. لماذا كانت تراقبنا؟"
"أنا واثق أنها لم تكن تفعل ذلك. ليس هناك ما يدعوها لفعل ذلك."
"أنت لا تصدقني." قلت وابتعدت عنه في خيبة واستولى عليّ ضيق شديد. ها هو الشخص الوحيد الذي ترتاح له نفسي وتتوق لمصارحته بحقيقتي، ها هو لا يصدقني ولا يفهمني.
"لينة... عزيزتي..." اقترب مني وطوقني بذراعيه. "لا تكوني حزينة. أنا لا أطيق أن أراك بهذا الوضع. لماذا لا تثقين بي؟!"
لم أرد. أحسست أنني أختنق تحت وطأة أحاسيسي المتطرفة.
تأمّني وسام بمزيج من الخوف والارتياب. ثم سأل فجأة: "هل... أنت تشكين بي؟"
رفعت عينيّ اليه وتأملت كل جزء من وجهه، كأنني أبحث عن الإجابة لسؤاله. لم يكن هذا السؤال قد خطر لي من قبل. هل أنا أشك به حقا؟
سمعته يصرّ على معرفة جوابي. فتمتمت قائلة: "لا، لا... بالطبع لا أشك بك." ثم أضفت بيأس: "ولكن من؟ من الذي قتلها؟"
بدل أن يجيب، أمسك وسام بيديّ ورفعهما الى شفتيه. كان ممتنا لي بحق.
بعد لحظة، قال: "ثقتك مهمة جدا لي، يا لينة." وكانت نبرته تنم عن صدق مشاعره. وبعد لحظات صمت وتأمل طويل، قال: "آه لو تعلمين قيمتك عندي!"
أحسست أنه صادق فعلا. لم أكن قد حددت موقفي منه الى تلك اللحظة، ولكنني تأكدت بعد ذلك اللقاء أنه الوحيد الذي يمكنني أن أثق به.
................................................

بعد أن تركني وسام، بقيت أسير على الشاطئ باتّجاه البيت، غارقة في تأملي. ولكن إحساسي بالخوف كان قد زايلني واحتوى نفسي شعور جميل بالراحة العذبة. إنه الشعور الذي يتركه في نفسي وسام ماردين. وكنت بأمس الحاجة إليه بعد الأحداث الأخيرة.
وفجأة...
أحسست بحركة من خلفي. استدرت الى الوراء مرعوبة، فوجدت حسام ماردين واقفا على بعد أمتار قليلة مني وعلى وجهه نفس التجهم المعهود.
"أنت عنيدة، يا آنسة." قال بصوته الغاضب. "اعترفي أنك عنيدة، لا تقبلين التحذير ولا تصدقين أن ذلك لمصلحتك حتى تقعي في الخطر. أهذا ما تريدين؟"
"ماذا تعني؟" قلت وقد تسلل الغضب الى نفسي. إنه آخر شخص كنت بحاجة لرؤيته في تلك اللحظة.
قال: "أعني أنك في خطر بسبب علاقتك المتوطدة مع أخي. أنت لا تريدين سماع كلامي، أليس كذلك؟ هل أنت مسحورة به الى هذا الحد؟"
"وما شأنك أنت بذلك؟ لماذا تتدخل في ما لا يخصك بهذه الوقاحة؟ الى ماذا تهدف؟" انفجرت ساخطة، ممتعضة.
رشقني بنظرة استياء وقال: "إن قلت لك إني أريد إنقاذك فلن تصدقي. ستصدقين فقط إن قلت إني أريد مضايقتك."
"هذا صحيح."
"إذن، فأنت لا تفهمين شيئا." قال شامتا.
"أنا أفهم كل شيء."
"أنت مفتونة بأخي ولا تفهمين غير ما يقوله لك ولا تعرفين غير ما يخبرك به. وسام ليس الرجل الذي تظنين. أنت لا تعرفينه. ولا تعرفين أشياء كثيرة."
"أية أشياء هذه؟".
"أشياء... لها علاقة بالماضي."
"أي ماضي؟"
"الماضي... حين كانت زوجتي ما تزال هنا."
"رباب؟" ذكرها أثار في نفسي انفعالا وأحسست بضربات قلبي تشتدّ في صدري.
"هل تعرفينها؟" سأل مستغربا.
حاولت التحرر من انفعالي الشديد وأنا أجيب: "سمعت عنها."
رأيته يمط شفتيه لسماع جوابي، ثم قال متهكما : "لا بد أن أخي قد حدثك عنها، أليس كذلك؟ هه... وقد أخبرك عن زواجنا؟ وما حدث لها؟"
"إنه لا يحب الخوض في الموضوع. ولكن... نعم. عرفت منه بعض التفاصيل."
"ماذا عرفت؟"
"أنها كانت زوجتك، وأنها... اختفت."
"كانت؟؟ وهل هي ماتت؟"
تعثر الكلام في حلقي فجأة. تمتمت: "أنا... لا أعرف." ثم سألته: "هل تعرف أنت؟"
وجدت ابتسامة ساخرة تعلو شفتيه وهو يقول: "ألم يخبرك أخي بأنني أعرف؟"
"أنا... أسألك أنت." قلت على أمل أن أسحب منه بعض التفاصيل.
"ولِمَ أنت مهتمة بالموضوع؟" سألني بتعجب بالغ.
"إنه الفضول. أنا أعيش معكم في هذا البيت الذي اختفت منه زوجتك بشكل غامض. ألا يحق لي أن أهتم بشأن كهذا؟"
وجّه إليّ حسام نظرة حادة، ثم قال ببساطة: "ربما."
"إذن أخبرني، ماذا حدث لها؟" تشجعت لأسأله بإلحاح لا يشبهني.
وجدته لا يثنِ عني عينيه، كأنه يدرسني بدقة بالغة. ظننت أنه لن يجيب، ولكنه قال بعد لحظات وهو يشيح بوجهه، كأنه توصل الى قراره النهائي بشأني: "لا داعي بأن أخبرك ما دمت سمعت كل شيء من أخي."
فاجأني جوابه... وأثار سخطي. قلت وأنا أنفث في وجهه ملء حقدي المتراكم في صدري: "إذن، لا تخبرني. أصلا أنا أعرف كل شيء. وأنت أثبتّ لي للتو أن ما أعرفه هو الحقيقة."
استدرت للذهاب ولم أعرف حقا لِم كنت منفعلة، ربما لخيبتي من عدم اكتشاف أي شيء جديد يوصلني الى معرفة ما حصل لرباب، حتى أصبحت أشك أنني سأعرف يوما ما.
وفجأة...
أمسك حسام بذراعي وهو يستوقفني، ثم قرّبني إليه بصفاقة. "أنت ساذجة!" قال وبريق الغضب يومض في عينيه. "ألا ترين كم أنت ساذجة؟! وهو يلعب بعقلك كما يشاء! ولِم لا؟ فهناك من يصدّقه!"
فوجئت بقبضته وحاولت التحرر بلا جدوى، ثم استجمعت كل قوتي وقلت له: "الكل مصدق وأنت تعلم ذلك. فلِم تعترض على الحقيقة؟"
"وكيف تعرفين ما الحقيقة؟"
"أعرف أنك قتلتها!"
انقبضت ملامحه لسماع قولي، ولا أعرف كيف قلت له هذا الكلام، ولكن رد فعله فاجأني، حيث توقعت أن يصفع وجهي او يطرح بي أرضا بعد الذي قلت، الا أني وجدته يحرّرني من قبضته، ثم استدار ببطء نحو البحر وأخذ يحملق في الأفق البعيد. وبعدها... ترك المكان دون قول شيء.

يتبع...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حفيد طه حسين في حوار خاص يكشف أسرار جديدة في حياة عميد الأد


.. فنان إيطالي يقف دقيقة صمت خلال حفله دعما لفلسطين




.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز -ديدي- جسدياً على صدي


.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض




.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل