الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عقاب الإله زيوس

يوسف الأخضر

2013 / 5 / 11
الادب والفن


أتى المطر على حرث التجرد، و انتزعت قطرات الدم الوفاء بعد تعفن الجتث، إن البأس الأزلي لواقع، و قادم بين السطور مسترسلا حتى نهاية النص المروَّض، لم يعد أصل المكان أصلا لاحتكار المستعمر المستبد، و لا الزمان مرتعا لرغباته العرقية، لقد تنهد العقل على مسامع الأغبياء و انشرح فرحه فوق الرؤوس النائمة، طاغية حاقدة، لا يعم الفرح في حضرة البكاء، و لا ينفع ندم بعد الاستسلام لأن الدم الأحمر أغلى الدماء و أرقاها، فإن أشد القتل اغتيال الأفكار و جعلها تدفن في غياهب النسيان، و استرقاقها في ليلة الشؤم و الحرمان. يقود كل معتوه قافلة من الذئاب المفترسة، و يوكل نفسه تقيّا عليها، فينبهر القطيع برأفة الأسد، و يدهش الأسد لوفاء الثعلب، و ينشرح الحمار لأن الأسد قال له يوما أن الذكاء خرافة....

لم يعد لهويتي سطورا أتذكرها كلما انشغلت بعيدا عن شباك الحقيقة، لن أرتوي بعد الآن من قطرات ماء اضمحل و انساب انسياب الماضي في حضرة الزمن، كل ما أتذكره عني أنني توليفة فريدة مفكرة وغامضة، إن معنى الأشياء غير حقيقتها، و الحقيقة بعيدة عنا بعد النجوم و بعضها. لا يزال منكم من يقدس الأرض لجمالها، لكن كثيركم يقدس القوة و جبروت الفراغ، فمنكم من يرى في النجوم حاجة في سر روعتها، وآخرون يرونها بعين الخوف، ليعلنوا تيه الإنسان وضياعه وسط عزلة قاتلة، أما من اغتنم فرصة الوجود، فقد أطلق أجنحته محلقا بين الحقول المتنوعة، و انتصرت فيه الأخلاق انتصارا ثمينا وفريدا، إذ أن أفكاره صارت أكثر وضوحا من ذي قبل، و احتدم صراعُ الجدل بدواخله فانتصر ما كان أقرب للحكمة و أرقاها.

تجمد الدم في شرايينكم و استبسل المطر في ليلة الجفاف، فانهمر غزيزا على الرؤوس النائمة، من أدرك سر الوجود فقد علا، و من فاتته لفحة النسيم على قمة الجبل الشامخ فقد دنى و تدحرج نحو الأسفل كأنه صخرة سيزيف، رمز القهر و العذاب الأبدي. إن إلهكم هذا لهو تكرار لهزيمة الإنسان و استمرار لسطوة زيوس،كبير الآلهة و أشدها، على عقولكم الوفية و الممجدة لخرافات البداية الأولى. أين حرية الإنسان في ظل وجود الإله ؟ لأن الحرية تنفي كل أشكال الوصاية و الخضوع، إنها مجد الإنسان و نوره المشع في ظلمة الكون القاتمة، قد مات منكم كثير تائها وسط الأدغال الكثيفة، فمن فر منها إلى روضة الحياة فقد فاز فوزا عظيما، و انشغل انشغالا عن مآسي الحياة و أحزانها، لأنها فرح الطبيعة و قمة غبطتها، إن عليكم الافتخار بكل نفس يخرج بين ثنايا أجوافكم، لا تستهينوا بالجسد الذي منحكم القدرة على تقديره كيفما شاءت مخيلتكم، فلولا الجسد لما كان لتقديركم معنى، ولما استطاع أي إله الغوص داخل بحور انشغالاتكم. فحبا أحبائي بأجسادكم ورأفةً برغباته و حاجاته، فسعادتكم ليست شيءً آخر سوى سعادة أجسادكم الجميلة.

صعد سيزيف حاملا صخرته نحو قمة الجبل، فإن هو اعتلى آخر ما تبقى منه، ترك صخرته جانبا و ارتاح، فإذا بها تتدحرج مسرعة نحو الأسفل. لو أن سيزيف وقف ندا أمام زيوس لما حمل تلك الصخرة اللعينة نحو قمة الجبل، لكنه و في لحظة انهزام، لحظة خداعه للإله ثاناتوس، أبى إلا أن يخضع لعقاب كبير الآلهة، فقد غمرته الخطيئة و تشبع بها. إن الشعور بالخطيئة يُضعِف الإنسان و يصلبه، ليجعل ذاته تحتقر جسده احتقارا ماكرا، فكثير منكم لازال يسكن أعماقه سيزيف الأسطوري و يحتكم بخضوعٍ لأوامر صنم زيوس! ألن تكفوا يوما أحبائي عن حمل تلك الصخرة اللعينة! و ترموها بعيدا عني و عنكم! ألن تكفوا عن البكاء في حضرة الحياة! إن الإنسان ما لم يتغلب على خوفه من المجهول لن يدرك معانى الوجود رغم وجوده، و لن يدرك جمال الموت و سره لأنه لم يقدِّر قط سر الحياة و غموضها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رحيل الممثل البريطاني برنارد هيل عن عمر 79 عاماً


.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع




.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو


.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05




.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر