الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أوجاع قريتي الفصل :1

عبد الغني سهاد

2013 / 5 / 12
الادب والفن



أوجاع قريتي

الفصل الاول
في قرية متا خمة لدير فسيح ,تصطف المنازل الترابية الحمرء لتغطي بظلالها الاعشاب الخضراء الوارفة ,فتعطي المجال رونقا في غاية الجمال ,,تحسب المكان هادئا مندمجا بسكونه الظاهري في صمت الطبيعة الفيحاء ,لكنه مفعوم بالحركة والحياة ,,تطل الجبال الشاهقة عليها من الاعلى وتغمرها اشعة الشمس واضواء القمر ,,وعلى الجنبات تمر الجداول والانهار متناغمة بمياهها الرقراقة المتفردة في عذوبتها ,وفي جانب منها تصادفك القطعان المثناترة يتنازع بياضها مع خضرة الحقول الواسعة ,في زاوية من المجال الاخضر تنتصب قامة راعي صبي يلوح بكلتا يديه لاطفال يركبون عربة السي عمر المجرورة ببغله الامين القوي ,,,ينشدون اناشيد الصباح التي تعلموها من المهدي المعلم ,,,نظرات الراعي الصبي تلازم العربة الى حين تواريها وراء ظلال اشجار الصفصاف الباسقة ,,منظر يتكرر في القرية كل صباح ...
العربة تحمل الصبيان الى القسم الوحيد بالقرية حيث ينتظرهم المهدي المعلم ,,,
القسم يوجد في قلب حياة القرية والعربة تخط اليه كل يوم بعجلاتها مع اثار حوافر البغل ما يشبه خريطة طريق تحت صمت مطبق لجمهور الفلاحين وتأملات الرعاة والبدو على الطريق المؤدية اليها , تتبع عجلات العربة سيمكنك لا محالة من ضبط ايقاع الحياة بكل تلاوينها الاجتماعية والنفسية تحت شمس هادئة تغمر القرية ,,لكنك ستجهد نفسك في هده المتابعة ولو لبعض الايام,,,هدا الامر اعرفه جيدا كما اعرف ان السي عمر صاحب العربة ورب البغل هو بمثابة الشمس هنا ,,,بينما المهدي المعلم هو قمر القرية يضويها بعلمه ويصنع لها الشموع التي ربما ستضيء دروبها في القادم من الزمن ....
السي عمر ابن القرية يعرف الكثير من عذابات سكانها والامهم وله في كل يوم حكاية سواء مع الناس في الازقة اوالسوق او مع بغله المثين ,,,,بينما حكايات المهدي المعلم القادم الى القرية من المدينة المجاورة لها غالبا ما تكون دات أبعاد روحية وفكرية في غاية الانسانية,,,يغلب عليه ا الصمت والتامل وحكاياته تكتمها جدران قاعة الدرس المترهلة ,,,والعشة البسيطة التي يقظنها فهو بارع في التحكم في مجاله الخاص ,,كثير التامل ولا ينطق الا بالحكم ...
عكس صاحبنا السي عمر الذي تطارده الحكايات وان لم يجدها تطارده فهو يطاردها مع بغله بعفويته واندفاعه المعروفين ...ساكون صريحا ان قلت ان الرواي يصمت كثيرا عن اعطاء المزيد التفسير حول السي عمر صاحب البغل..لاسبابه الخاصة و لكني متيقن انه بدون عمر والمهدي لاحياة قائمة في هده القرية اطلاقا ....
تصل العربة كعادتها في الميعاد تحمل الاطفال الى قاعة الدرس في جلبة ومرح فيخرج المهدي لتحية صديقه القديم السي عمر ,,من تللقاء انفسهم يصطف الاطفال امام القاعة في صمت ينظرون,,,
- كيف حالك السي عمر ؟
- كيف الويل...... يرد السي عمر وهو يهزا ......
- باين عليك حزين هدا اليوم ؟
- كيف دايما ؟؟؟؟؟
- الازلت تنتظر فضل الله عليك ؟
- كيف ديما ؟
- الله يجب ليك اخويا ما يرفع عنك هدا الحزن الدي طال ؟
- هههه ,,,,فلا زلت انتظر فضل الله علينا جميعا ؟؟؟؟
- الامل كبير ,,,, بغيت حتى انا نفرح معاك ؟؟؟
ينظر السي عمر مول البغل في الارض وهو يلود بصمت عميق تشاركه فيه الاشجار المطلة على قاعة الدرس ونظرات الاطفال البريئة اليه ,,,يستوعب المعلم بعيونه العربة والبغل ...فيجر السي عمر البغل من رسنه بقوة الى الخلف بعصبية كانه يكره التمادي في حديث المعلم لكن البغل يظل مسمرا بدون حراك في مكانه ,,ينظر يعين الى السي المهدي وبالاخرى الى صاحبه السي عمر كانه يريد متابعة تفاصيل الحوارالملغوم ,,,انصرف المهدي الى الاطفال يرتبهم قصد الدخول الى القسم لبداية درس جديد ....
غالبا ما يتحول السي عمر صاحب البغل الى شيطا ن مارد وعنيف عندما يعصى البغل اوامره ,,لكن يظطر في النهاية الى مهادنته ومسايسته ,,,فهو يعرف جيدا انه الجزء الوحيد الذ ي تبقى له من ورثة المرحوم والده الفقيه ,,,مع دلك المنزل القديم الذي غادره كل الاخوة وهو يشبه مغارة عتيقة لانسان قديم ,,يتالم السي عمر كثيرا لفقدان الذرية ...ويعمل جهده قصد التعويض عن الامه الدفينة بتقديم المساعدة والخدمات المجانية لاطفال القرية والتفاني في الاهتمام بالبغل لعل السماء تكرمه يوما بما يريد ويصبح له اطفال يفرح لهم وبهم......مسايرة البغل والاخد بخاطره من جملة اعمال الخير التي يراها السي عمر كفيلة بجلب السعد اليه في يوم ما ,,, لذلك نزل من العربة ...وارخى الرسن كثيرا ثم طبطب على عنق البغل هامسا في اذنه بكلمات سرية قد تضم مدحا او غزلا ...تم صعد بهدوء مرة ثانية فتحرك البغل بهدوء وهو يتمايل لشعوره بفراغها عند مغادرة الصبيان لها فهو يحب اناشيدهم وعبثهم فوق العربة لكنه يكره ثقل احجامهم الصغيرة ....
لكنه مع نفسه يعترف بان مغادرتهم العربة تتركه وحيدا مع صاحبه ومع الكد والنكد .....
تبدا الشمس في الصعود في سماء القرية وتتضح معالم الطريق الى السوق تدريجيا ...والكابة تعصر قلب البغل و وكدلك صاحبه ...وأزيز عجلات العربة تدوي كالحان حزينة طيلة الطريق الى سوق القرية و بينما العربة تسير يغرق السي عمر في تامل حالته البئيسة دون ذرية ,,,تعود اليه الذكرى القديمة بزواج محبوبته زينب وحلمه الطويل بابن او ابنة حسب المشيئة الربانية ....تقذف حوافر البغل الحجارة على الطريق بهدوء وتبدا قامات الناس تظهر على جنبات الطريق البشر بدا يدب في السعي لرزقه ... لقد بدا فجر يوم جديد ,,,,,,,








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاعلكم الحلقة كاملة | حملة هاريس: انتخبونا ولو في السر و فن


.. -أركسترا مزيكا-: احتفاء متجدد بالموسيقى العربية في أوروبا… •




.. هيفاء حسين لـ «الأيام»: فخورة بالتطور الكبير في مهرجان البحر


.. عوام في بحر الكلام | مع جمال بخيت - الشاعر حسن أبو عتمان | ا




.. الرئيس السيسي يشاهد فيلم قصير خلال الجلسة الافتتاحية للمنتدى