الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيناشت قصة: روبرت ڤالزر

خليل كلفت

2013 / 5 / 12
الادب والفن


كيناشت
قصة: روبرت ڤالزر
Robert Walser
ترجمها عن الإنجليزية: خليل كلفت
كان كيناشت اسم رجل لا يطيق صبرا على أىّ شيء. وحتى فى شبابه كان يبرز بوصفه شخصًا عنيدًا بصورة كريهة. وعندما كان طفلًا أورث أبويه حزنًا كثيرًا، وفيما بعد، كمواطن، زملاءه المواطنين. ومهما كان الوقت الذى تريد فيه أن تتحدث إليه، لم يكن بوسعك أن تحصل منه على كلمة دافئة أو ودودة. وكان سلوكه ناقمًا وحسودًا وكانت تصرفاته مثيرة للاشمئزاز. ومن الجائز أن الأشخاص الذين من قبيل هذا الكيناشت يعتقدون أنه سيكون نوعًا من انتهاك الحرمات أن يكونوا عطوفين مع الناس. لكنْ لا تخش مطلقًا: فهو لم يكن عطوفًا ولا ودودًا. كان يودّ ألّا يسمع شيئا عن ذلك. "هراء"، بهذا كان يدمدم فى وجه كلّ شيء يلتمس اهتمامه. "أنا آسف حقا، لكنْ ليس لدىّ وقت"، كان معتادًا على أن يغمغم بذلك بغضب بمجرّد أن يأتى إليه شخص بطلب. وأولئك الذين كانوا يذهبون بطلب إلى كيناشت لم يكونوا سوى أناس مغفّلين. لم يحصلوا منه على الكثير، لأنه لم يكن من الممكن العثور لديه على أىّ أثر لمراعاة الآخرين. كان يوّد ألّا يسمع شيئًا عن ذلك مطلقًا. وكان إذا فعل شيئًا مّا طيبًا من أجل شخص مّا، شيئًا مّا كان يتماشى، إنْ جاز القول، مع المصلحة العامة، أمكنه أن يقول بلا مبالاة "إلى اللقاء، أوروڤوار" وكان يقصد بذلك "من فضلك اتركنى بمفردى". وكان لا يهتم إلّا بالمكسب الشخصىّ، وكان لا يلتفت إلّا إلى ربحه الأعلى. وكان كلّ شئ آخر لا يهمه إلّا قليلًا أو بالأحرى لا يهمّه مطلقًا. وإنْ توقّع منه أىّ شخص استجابة أوْ حتى تضحية كان يقول من أنفه "إنّى أتساءل، ماذا بعد؟" قاصدًا بذلك أن يقول: "هل تتعطّف بألّا تزعجنى بمثل هذه الأمور"، أو كان يقول: "تذكّرْنى، من فضلك، سيسعدنى ذلك"، أو بكل بساطة "بونسوار". ولم يكن يبدو أن الأهالى والكنيسة والبلاد تهمه بحال من الأحوال. وفى رأيه، لا يُعْنَى بشؤون الأهالى غير المغفلين فحسب؛ وكلّ مَنْ يحتاج إلى الكنيسة بحال من الأحوال لم يكن فى نظر كيناشت سوى نعجة؛ أمّا بالنسبة لأولئك الذين أحبّوا بلادهم فلم يكن لديه أدنى تعاطف معهم. اخبرونى، أيها القرّاء، يا مَنْ تتَّقدون وطنيّة إزاء وطن الأب ووطن الأم، ماذا يجب أن نفعل، فى رأيكم، بالكيناشتات؟ ألنْ يكون شيئًا رائعًا، بل حتى مهمة جليلة، أن نضربهم ضربًا مبرّحًا بأقصى سرعة وبالعناية اللازمة؟ بكل لطف! لقد لوحظ أن أولئك السادة لن يظلّوا بلا إزعاج إلى الأبد. وذات يوم طرق شخص باب كيناشت، وكان من الجلىّ أنه شخص لا يدع نفسه يتمّ إبعاده بكلمة "بونچور" أو كلمة "بونسوار" أو بعبارة "وماذا بعد!" أو "آسف، إنى فى عجلة من أمرى حقا" أو "من فضلك اتركنى بمفردى". قال الزائر الغريب: "تعالَ، يمكننى أن استعملك". "أنت شخص متأنّق للغاية حقًا. لكن ماذا دهاك؟ هل تظن أن لدىّ وقتًا أبدّده؟ الزم حدودك! تذكَّرْنى، سيُسعدنى ذلك. آسف ليس لدىّ وقت، إلى اللقاء إذن، أوروڤوار." أراد كيناشت أن يجيب بهذه العبارات أو بأشياء مشابهة؛ غير أنه بمجرد أن فتح فمه ليقول ما كان يفكّر فيه، كان مريضًا للغاية، شاحبًا إلى أقصى حدّ، كان أوان أن يقول شيئًا آخر قد فات، ولم تمرّ على شفتيه كلمة واحدة أخرى. كان الموت هو الذى جاءه، ولم يعد هناك نفع لأىّ شيء. يقوم الموت بعمله بسرعة. ولم تعد كل "هُراءاته" تفيد، ووُضع حدّ لكل "بونچوراته" و"بونسواراته" الجميلة. انتهى كل ذلك بالازرداء والسخرية واللّامبالاة. أوه، يا إلهى، هل كانت تلك حياة تُعاش؟ هل تودّ أن تعيش بطريقة ميتة على هذا النحو؟ بطريقة كافرة على هذا النحو؟ أن تكون غير آدمىّ على هذا النحو بين الكائنات الآدمية؟ هل يكون بوسع أحد أن ينتحب من أجلك أو من أجلى لو أننا عشنا حياتنا على طريقة كيناشت؟ هل يمكن أن يأسف أحد لموتى؟ ألا يمكن أن يكون الواقع أنّ هذا الشخص أو ذاك يمكنه أن يبتهج تقريبًا بسبب رحيلى؟
(1917)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سلم ضميرك وما تهدي للناس
samir mahmoud ( 2013 / 5 / 15 - 15:48 )

أستاذ خليل المحترم

من أجمل ما قرأت ، أتابع ما تترجم وتكتب ، سلم ضميرك وما تهدي للناس


اخر الافلام

.. حلقة TheStage عن -مختار المخاتير- الممثل ايلي صنيفر الجمعة 8


.. الزعيم عادل إمام: لا يجب أن ينفصل الممثل عن مشاكل المجتمع و




.. الوحيد اللى مثل مع أم كلثوم وليلى مراد وأسمهان.. مفاجآت في ح


.. لقاء مع الناقد السينمائي الكويتي عبد الستار ناجي حول الدورة




.. هشام حداد يستفز وسام صباغ.. وهل يسبق السوري اللبناني في التم