الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نسماتُ دفءٍ

أسماء الرومي

2013 / 5 / 12
الادب والفن


أخيراً وصلتنا نسماتُ دفءٍ من الأحبابِ وابتعدتْ عنا رياحُ الجمودِ السيبيرية التي أتعبتنا
شهوراً ثقالاً مملة . شمسٌ وسماءٌ تكاد تكون صافيةً محافظةً على زرقتِها المحببة ،وتزيدها
جمالاً تلك الغيوم المنثورة برقةٍ ،بألوانِ البياضِ الصافي النقي والذي يزداد صفاءً حين
تقترب منها غيوماً محمولةً بخيوطٍ رمادية ،وما أجملها زرقة السماء التي أخذتْ تزداد حدةً
وهي تكتحل بحوافي الغيومِ .والأجمل هذا اليوم والمكانُ يزدانُ بالحركةِ وبالناسِ الذين يبدو
عليهم سعادةً أضفتها أيادي الشمسُ ودفؤها .
بدأتْ الألوانُ الشفافة والزاهية تزداد في الملابس،فالشتاءُ يفرضُ نفسَه بألوانهِ الثقيلة في
الملابسِ وفي كل ما يحيطنا ، ويضفي سكوناً في أكثرِ المناطق زحاماً وأحياناً وفي وسط
الزحامِ حين نغمض أعيننا نشعر بسكونٍ وكأننا وحدنا في المكان،ونضحك للمثلِ الذي يقول
الأذن تعشق قبل العينِ أحيانا .لكنني اليوم وحين أغمضتُ ، أبداً لم أشعر بعزلةٍ فالأصوات
تحيط بي وإن كانت لاتعلو كثيراً ولكنها تشعرني بسعادة ،حتى إنني لم أفتقد الطيور التي
أحبها ولازقزقاتها، فلم أرَ غير القليل من الحمائمِ تدور في المكان، أعتقد أن الشمسَ أتعبتها
فاختارت أن تكون في الأماكن الأكثر مظللةً .
كم أعطتْ حياةً هذه الشمسُ فقبل أيامٍ قلائلٍ كنتُ أنظر للأشجارِ كانت عارية إلاّ من براعمٍ
صغيرة تكاد لاترى ،واليوم تكتسي بهذا اللون الأخضر الذي أحبه فكم يزرع في قلبي من
آمالٍ،يُشعرني بحياةٍ جديدةٍ تدب وتنتعشُ في قلبي الذي أتعبته ثقل وكآبةُ الجو القاسي.ولكن
كم تتأثرُ مشاعر الأنسان بالجو، هذا المخلوق المسكين الذي تُسعده نسمةً وتشجيه أخرى
أعجبُ ممن يضايقوا الأنسانَ المسالم الطيب ويحرموه حتى من مشاعِره التي تقربه من
الطبيعة ومن المخلوقاتِ التي يعيش معها ومن الآخرين.
وها أنتِ أيتها النوارس ماهذا الصراخ أيها الطيرُ الذي دوماً يحب أن يظهرَ قوةَ جناحيه
ولكنك جميلٌ وأنتَ تحلق بهذه القوة،تدفع الريح وتبدو كسربِ طائراتٍ في هذا الفضاءِ من
حولي،ولا أعتقد بأنك توحي بسربِ طائراتٍ مسالمةٍ أيها الطائرُ المشاكس ولكني أحبك
فلا تحتج بهذا الصراخ ،وسأبقى أحبُ أكثر منك تلك الحمائم الوديعة المقتربة مني فهي
دوماً تشعرني بهدوءٍ وأمان ،فمذ كنتُ طفلةً كنتُ أساعدها في وضع حواجزَ في أماكنٍ
آمنةٍ لتبني أعشاشها وكم كنتُ أحب أن أقف بينها لأطعمها، لكني أتذكر كم كنتُ أتألم
حين يسقط أحد العصافير الصغيرة من أعشاشه بين سعفاتِ النخيل كنا نسمه إلحيمي،
أي لايزال لم يكتسي بالريش الذي يجعله بأمان وهذه التسمية دائماً أسمعها بين أناسنا
حين يتكلمون عن الأطفال والذين لايزالون بحاجةٍ إلى رعاية وحماية.
الأنسان الذي يبكيه عصفور صغيرٌ لم يجد حمايةً، كيف يؤذي ؟هذا يعيدني إلى المكان
الذي كنتُ أجلسُ فيه وحفيدتي قرب البيت والذي لايبعد إلاّ قليلاً عن المطار، كنا نرقب
الطائرات التي تبدأ بالأنطلاق ،بحجمها بأجنحتها المقتدرة، بجمالِ شكلها.كم تعطيني
شعوراً بالفخرِ باليدِ التي تصنع بمثلِ هذه القدرة الجبارة والتي نقلت الأنسان لمراحلَ
عالية من التطور.كنتُ أفرح مثل الصغيرة وهي تؤشر للطائرة وتضحك بمرحٍ،وكنتُ
أتساءل اليدُ التي تصنع مثل هذه الطائرة،كيف تصنع الأخرى والقاتلة .ويقولون اليد
التي خلقت الخير هي نفسها التي خلقت الشر .
والآن وخيرٌ من هذا الذي جعلني أسهو سأطعمُ هذه الحمائمُ والتي أخذت تدور
بقربي ،تذكرتُ بأن في حقيبتي كعكةً صغيرة .
لكن الحمائمَ لم تبقَ طويلاً فقد بدأت بالمغادرة لتلتقي الأسرابَ الطائرة والتي فجأةً
أخذتْ تملأ كل هذا الأفق الدائر حولي .حمائمٌ ونوارسٌ ،أسرابٌ عاليةٌ وأخرى بدأتْ
تعلو ،ما أجملَها وهي تتألق مع الجسرِ المعلقِ في وسط الساحةِ .هذه الطيور التي
تجمعتْ بشكلٍ مثيرٍ وسريعٍ . نظرتُ لساعتي لم تتعدَ الرابعةَ إلاّ قليلاً والطيور
تعود مبكرةً . وسأذهب لمكانٍ قريبٍ لأستريحَ وكوبٍ من قهوتي المفضلة،فهل ستأتي
معي أيها الثرثارُ الصغير فأنت لازلتَ معي ولم يبقَ بيدي غير القليل ،فماذا تقول
يا صاحبي .
10/5/2013
ستوكهولم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية - الشاعرة سنية مدوري- مع السيد التوي والشاذلي ف


.. يسعدنى إقامة حفلاتى فى مصر.. كاظم الساهر يتحدث عن العاصمة ال




.. كاظم الساهر: العاصمة الإدارية الجديدة مبهرة ويسعدنى إقامة حف


.. صعوبات واجهت الفنان أيمن عبد السلام في تجسيد أدواره




.. الفنان أيمن عبد السلام يتحدث لصباح العربية عن فن الدوبلاج