الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تفجيرات بوسطن... وتداعيات برامج «الاغتيال»

نعوم تشومسكي

2013 / 5 / 13
الارهاب, الحرب والسلام


يعتبر شهر أبريل عادةً شهراً فرحاً في "نيوإنجلاند" نظراً لتجلّي بوادر الربيع الأولى فيه وإلى فصل الشتاء القاسي الذي ينحسر أخيراً، إلّا أنّ هذه المعايير قد انقلبت هذا العام. قلائل هم الذين لم يتأثّروا بطريقة أو بأخرى بالتفجيرات، التي استهدفت سباق الماراثون في بوسطن في 15أبريل الماضي وبالأسبوع الحافل الذي تلا هذه التفجيرات. وعندما حصل التفجير كان عدد من أصدقائي متواجدين عند خط الوصول، وبعضهم يعيش بالقرب من المكان حيث ألقي القبض على "جوهر تسارنيف"، المشتبه به الثاني في تفجيرات بوسطن. كما أنّ ضابط الشرطة الشاب "شون كولير" قد قتل أمام المبنى الذي يقع فيه مكتبي.

غالباً ما يشهد سكّان الغرب المتميزون ما يشهده الكثيرون يومياً، ومثال على ذلك ما جرى في قرية بعيدة في اليمن في الأسبوع نفسه الذي استهدفت خلاله التفجيرات سباق الماراثون.



في 23 أبريل، شهد الصحافي والناشط اليمني "فارع المسلمي" الذي درس في مدرسة ثانوية أميركية، أمام لجنة مجلس الشيوخ الأميركي أنّه وبعد تفجيرات سباق الماراثون، شنّت طائرات من دون طيار هجوماً على قريته في اليمن، وتمكّنت من قتل الشخص المستهدف.

زرع هذا الهجوم الخوف في نفوس القرويين وجعل منهم أعداءً للولايات المتحدة، وهو أمر فشلت في تحقيقه الدعاءات الجهادية على مرّ السنوات.

أضاف "المسلمي" قائلاً إنّ جيرانه كانوا يحترمون الولايات المتحدة أمّا "الآن، وعندما يفكرون في أميركا، يفكرون في الخوف الناتج عن الطائرات المحلّقة فوق رؤوسهم، وقد استطاعت ضربة واحدة من هذه الطائرات في لحظة، إنجاز ما فشل فيه متشددون القرية".

لا يمكن تناسي انتصار آخر لبرنامج الاغتيال العالمي لأوباما، الذي يخلق الكراهية للولايات المتحدة، ويشكل تهديداً للسكّان أسرع ممّا يقتل الأشخاص المشتبه بأنّهم يشكّلون خطراً محتملاً علينا يوماً ما.

علاوة على ذلك، قال "المسلمي" إنّ الهدف من الاغتيال الذي حصل في القرية اليمنية، والذي زرع الذعر في قلوب السكان كان واضحاً ومن السهل إيجاده. إنها لسمة أخرى مألوفة من عمليات الإرهاب العالمي. لم يكن بالإمكان تفادي تفجيرات بوسطن، ولكن من الممكن اتّباع طرق بسيطة لتفادي تفجيرات مستقبلية محتملة، وأوّل هذه الطرق هو عدم التحريض عليها.

وكان لاغتيال بن لادن تداعيات أيضاً، فلتحديد مكانه، أطلقت وكالة الاستخبارات الأميركية حملة تلقيح مزوّرة في شارع فقير، وتوجّهت بها قبل إنهائها إلى منطقة أغنى حيث اعتُقد أنّ المشتبه به متواجد.

انتهكت عملية وكالة الاستخبارات الأميركية مبادئ أساسية قديمة بقدم حلف "أبقراط"، هذا كلّه قد هدد العمّال المرتبطين ببرنامج التلقيح ضد شلل الأطفال في باكستان، إذ أنّ بعضهم قد خُطف وقُتل، وذلك لإجبار الأمم المتحدة على سحب فريق التلقيح ضد شلل الأطفال. علاوة على ذلك، ستؤدّي حيلة وكالة الاستخبارات الأميركية هذه إلى مقتل عدد هائل من الباكستانيين الذين حرموا من اللقاح ضد شلل الأطفال، لأنهم يخشون من أن يكون للقاتلين الأجانب برامج تلقيح مزورة أخرى.

و"ليزلي روبرتس" خبير الصحة في جامعة كولومبيا أوضح في هذا الشأن أنّ أكثر من 100 ألف حالة شلل أطفال قد تلي هذه الواقعة، وقد أفاد إلى مجلّة "ساينتفيك أميركان" بالتالي: "سيقول الناس بأنّ السبب وراء هذا المرض وهذا الطفل المقعد هو أنّ الولايات المتحدة أرادت الوصول إلى بن لادن بأي ثمن كان". وقد يقررون الردّ مثلما يفعل المظلومون في بعض الأحيان وذلك بطرق ستخلق الذعر والغضب عند معذّبيهم. وبالكاد تمّ تفادي عواقب أكثر شدّة، إذ طلب من القوات البحرية الأميركية الخاصة المحاربة عند اللزوم. وتجدر الإشارة إلى أنّه في باكستان، الجيش مدرّب جيداً، وهو ملتزم بالدفاع عن وطنه. ولو تمّت مواجهة الغزاة، لم تكن واشنطن لترحمهم، بل على العكس، كان من الممكن اللجوء إلى القوة العسكرية الأميركية الكاملة للقضاء عليهم ما قد يؤدّي إلى حرب نووية.

إنّ التاريخ الطويل والمفيد يظهر استعداد سلطات الدولة للمخاطرة بمصير الشعوب وأحياناً إلى أقصى حد وذلك لتحقيق أهدافها السياسية، وليس أقلها الدولة الأكثر نفوذاً في العالم، ونحن نتجاهل ذلك ونعرّض أنفسنا إلى الخطر. ما من داعٍ لتجاهل ذلك الآن، إذ أنّ المحقق الصحفي "جيريمي سكاهيل"، قد نشر مقالاً معالجاً، وهو "الحروب القذرة: العالم هو ساحة معركة".

وصف "سكاهيل" بالتفصيل الآثار الميدانية لعمليات الولايات المتحدة العسكرية والغارات الجوية واستغلال الجيش السري من قبل الهيئة التنفيذية وقيادة العمليات الخاصة المشتركة التي توسّعت بسرعة تحت رئاسة بوش الابن، وأصبحت لاحقاً السلاح المختار من قبل أوباما.

لا يجب أن ننسى الملاحظة الذكية، التي أدلى بها المؤلّف والناشط "فريد برانفمان"، والذي كشف بمفرده تقريباً أهوال الولايات المتحدة "الحروب السرية" في لاوس في الستينات وأبعادها.

عندما ننظر اليوم إلى قيادة العمليات الخاصة المشتركة- وكالة الاستخبارات الأميركية- الغارات الجوية/آلات القتل، يذكّرنا "برانفمان" بشهادة "مونتيغال ستيرنز" أمام مجلس الشيوخ في عام 1969 وقد كان عندها نائب رئيس الولايات المتحدة في البعثة إلى لاوس من 1969 وحتى 1972.

وعندما سؤل "ستيرنز" عن السبب، الذي دفع بالأمم المتحدة إلى تصعيد القصف بعد أن أمر "جونسون" بإيقافه فوق شمال فيتنام في نوفمبر، قال: "في الواقع، كانت الطائرات في مكانها، ولم يكن باستطاعتنا تركها دون أن تفعل شيئاً"- وبالتالي يمكننا استعمالها لندفع الفلاحين الفقراء في القرى البعيدة في لاوس على اللجوء إلى الكهوف للاحتماء، وحتى أنه يمكننا الدخول إلى الكهوف بتقنياتنا المتطوّرة.

تعتبر قيادة العمليات الخاصة المشتركة والغارات الجوية بحدّ ذاتها آلة رعب تكبر وتتوسّع، في حين تخلق أهدافاً جديدة محتملة، بينما تكسح جزءاً كبيراً من العالم. والمنفّذون لا يريدون أن تبقى الطائرات "في مكانها دون أن تفعل شيئاً".

لا ضير من النظر إلى شقّ آخر من تاريخ القرن العشرين، ففي كتاب "عمل الشرطة في إمبراطورية أميركا: الولايات المتحدة والفلبين ونهوض الدولة المراقبة"، تعمّق المؤرّخ "ألفرد ماك كوي" في مسألة إحلال السلام في الفلبين من قبل الولايات المتحدة بعد الغزو الذي أسفر عن مقتل مئات الآلاف بسبب الوحشية والتعذيب.

أنشأ المحتلّون نظام مراقبة وتحكّم متطوّراً مستعملين أكثر التقنيات تطوراً آنذاك لتأكيد الطاعة ومنع العواقب التي نتجت في الفلبين، ولا تزال مستمرّة حتى يومنا هذا. فضلاً عن ذلك، يبيّن "ماك كوي" أنّه لم يمّر وقت طويل قبل أن بدأت النجاحات، إذ تمّ اتباع هذه الطرق للتحكّم بالسكان المحليين بطرق أكثر ليونة ولكن ليست جدّ جميلة.

يمكننا أن نتوقّع النتائج نفسها، إذ أنّ مخاطر القوة الاحتكارية غير المدروسة وغير المنظمة وخصوصاً في الدولة المنفذة ليست بجديدة، وبالتالي، فإنّ ردّة الفعل الصحيحة ليست قبولاً سلبياً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القضية الفلسطينية ليست منسية.. حركات طلابية في أمريكا وفرنسا


.. غزة: إسرائيل توافق على عبور شاحنات المساعدات من معبر إيريز




.. الشرطة الأمريكية تقتحم حرم جامعة كاليفورنيا لفض اعتصام مؤيد


.. الشرطة تقتحم.. وطلبة جامعة كاليفورنيا يرفضون فض الاعتصام الد




.. الملابس الذكية.. ماهي؟ وكيف تنقذ حياتنا؟| #الصباح