الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا خاطف ولا مخطوف في واقعة الجمل الجديدة

كريم كطافة

2005 / 4 / 22
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


قديماً وليس قديماً قديماً، قالت نكتة من إنتاج مخابراتي، أن نائب السيد الرئيس زار مدرسة ابتدائية وحضر درس اللغة العربية تحديداً. طلب المعلم من أحد الطلاب الشاطرين أن يكتب على اللوح جملة مفيدة. خط الطالب الصغير على اللوح جملة ( طار الفيل). إلى هنا الدرس عربي والجملة مفيدة، غير أن السيد نائب الرئيس وهو (عزة الدوري) ذاته الذي كانت تلاحقه نكات دائرة المخابرات من الباب إلى المحراب، لسبب يجهله أكثر العراقيين، لم تدخل دماغه كيف لفيل أن يطير.. سأل الطالب الشاطر: وليدي أنت شفت لو سمعت أحد قال لك أن الفيل يطير..؟ أجاب الطالب بسرعة بديهة: طبعاً سيدي.. أنا سمعت السيد الرئيس يقول يمكن للفيل أن يطير..!! عندها سحب النائب ريقه واعتراضه إلى الباطن وصلح للطالب: صحيح وليدي هو يطير لكن على ناصي..!!
في ذلك الزمن، كان شيوخ وفقهاء وزارة الأوقاف القديمة، في كل جمعة تصلهم خطبة الجمعة مكتوبة ومصححة لغوياً بيد مراسل من دائرة المخابرات، وكان عليهم قراءتها أو قولها على العباد دون كلمة اعتراض واحدة، حتى لو جاء في الخطبة أن الفيل يطير.
كل هذا كان قديماً، حين كان العباد عباد والفقهاء مطيعين لولي الأمر طاعة الشاة اللبيب. أما الآن، وبعد رفع سدادة بالوعة الوطن، وربما تعويضاً عن تلك الأيام التي كانت تمنع فيها المعارضة ولو لطيران الفيل، نبتت لهؤلاء الفقهاء الوقفيين عادة جديدة لم نألفها عنهم ولم يألفوها هم، هي عادة المعارضة والاعتراض على كل شيء، والتبرير المنطقي الذي يسوقونه لمعارضتهم الجديدة؛ بما أن كل شيء بعد رفع السدادة هو خاطئ ومردود ولا شيء فيه يشبه الشيء الذي كان وتعودت عليه عباد الله.. تصبح المعارضة فرض عين على الأمة. وهذا أحسبه منطق فقهي جديد.
شخصياً لم ولن أفكر بمعارضة الفقهاء إذ يتفيقهون ومن أي متراس ينطلقون.. لهم فقههم ولي فقهي. لكن أن يصل الفقه الجديد ليس إلى نفي طيران الفيل، بل إلى نفي وجود الفيل من الأصل.. هنا أتوقف وأعلن اعتراضي، على الأقل دفاعاً عن وجود أكثر من مائة ألف فيل ما زالت ترعى في المحميات الطبيعية وهي ما تبقى بعد حملات الإبادة الجماعية التي جرت لها بحثاً عن عاجها في أفريقيا وآسيا. لا يا سادتي.. الفيل موجود.
في الحلقة الأخيرة من مسلسل الجهاد، قيل عن خطف أكثر من مائة من البشر من قبل مجموعات جهادية ولدواعي طائفية هذه المرة. قالوا أننا نريد تنظيف (المدائن) من أتباع هذه الطائفة، وهذا حقنا، بل هو يدخل تحت بند الشؤون الداخلية التي ليس من حق حتى (كوفي عنان) أن يتدخل فيها. الأمر برمته ليس جديداً. كان الابتزاز بأخذ رهائن ثم قتلهم فيما بعد، سلاح طالما استخدمته حكومة ولي الأمر حين كان غطاء البالوعة على حاله، وبعد رفع الغطاء، وتسليم سر الحكومة البالوعية إلى الجماعات الجهادية التي تناسلت من رحمها، صارت هذه تمارسه بشكل روتيني. حتى أن الدولة التي يُخطف لها مواطن في العراق، لا تتصل بالحكومة العراقية القائمة والمعترف بها دولياً، بل تتصل مباشرة بالشيوخ الوقفيين إياهم، وعناوين هؤلاء باتت معروفة، لهم فروع في الأردن وسوريا، إضافة إلى مقرهم الرئيس في جامع (أم المعارك) ولا أدري أي إله أو ملاك يمكن أن يدخل هذا الجامع وهو بهذا الاسم..!! مثلما لهؤلاء الشيوخ آليات خاصة بإطلاق سراح الرهائن الأجانب وبتسعيرة معروفة. كل هذا معروف ومعروف كذلك لماذا لا يتوسطون ويتدخلون للمخطوفين العراقيين. رغم أن في هذا الأمر الأخير روايتان، الأولى تقول: أنهم لا يتدخلون لأن الأمر ينسجم مع فتوى فقهية أطلقتها الهيئة التي جمعت شتاتهم، تقول الفتوى أن كل عراقي هو متهم بالعمالة للأجنبي ما لم يثبت العكس.. وبما أن عملية إثبات العكس عملية طويلة ولها شروطها المستحيلة، لذلك غدت كل أرض العراق ساحة جهاد وكل عراقي هو هدف للمجاهدين. والرواية الأخرى تزعم: على العكس، أنهم يتدخلون لكن فقط للمخطوف الذي دخله السنوي أكثر من 100 مليون دينار عراقي من فئة طبعة (بريمر).
الآن، إذا كان كل هذا معروف، ما الجديد إذن..؟ الجديد هو رد فعل هؤلاء الفقهاء والشيوخ الوقفيين بمؤازرة وزير الداخلية هذه المرة والفريق الركن (عبد الهادي الدراجي) رئيس أركان جيش المهدي المحسوب على الطائفة المخطوفة. كل هؤلاء قالوا بصوت واحد كأنهم كورس: لا رهائن ولا خاطفون في المدائن.. أصلاً لا يوجد فيل لكي يطير..!! وما هذه الضجة المفتعلة إلا لغاية في نفس يعقوب. أما ما هي تلك الغاية اليعقوبية..؟ هنا تفرعت الروايات: إحداها قالها وزير الداخلية بعظمة لسانه: لا يوجد رهائن ولا خاطفين، كل ما في الأمر هناك جماعات إرهابية تعمل في المنطقة بشكل روتيني.. وهذا أمر ليس جديداً..!!! والرواية المهدوية، كررت المحفوظة إياها: هذه مؤامرة أمريكية لإحداث حرب طائفية.. أما الرواية الوقفية فجاءت على لسان عدد من الشيوخ تفاوتت بعض تفاصيلها إنما اتفقت في مضمون (لا خاطف ولا مخطوف)، كان أكثرها مدعاة للدهشة والحيرة هو ما صرح به شيخ جامع من أرض الحدث (المدائن)، قال ذلك الشيخ: هذه فبركة إيرانية قادها (المجرم) الشيخ (كريم ماهود المحمداوي)، الذي شرد عوائلنا وهو يردد أن لي ثأر معكم منذ معركة الجمل بين سيدنا علي والسيدة عائشة..!! طبعاً المحلل والمتابع الغربي غير العليم سيعتقد أن المتحدث يتحدث عن معركة بهذا الاسم حدثت قبل شهر على أرض المدائن بين شيخ يدعى (علي) وامرأة تدعى (عائشة)، والشيخ (ماهود) هو من عشيرة (علي) بينما الشيخ المتحدث وهو الضحية من عشيرة (عائشة)..!!
إلى هنا كل شيء طبيعي وهو منسجم مع منطق الحياة الجارية على أرض العراق المعاصر، منطق التخريف والسذاجة واستهبال عقول الناس، من المؤكد أن الشخص الذي يتحدث بهذا المنطق هو مسبقاً على قناعة تامة؛ أن السامع والمتابع من السذاجة والغباء بحيث حتى هذه المعلومات هي أعلى من مستواه. لكن المشكلة الجديدة لم تعد تعني البشر وهل هم مصدقون أم غير مصدقين، لقد انتقلت المشكلة الآن إلى النهر.. نعم.. ها هو دجلة يحتج ويرفع من وتيرة احتجاجه بوجه كل من يحاول تغيير وظيفته التي بدأها من الأزل إلى الأزل. النهر هو نهر.. وليس مقبرة جماعية.. لونه لون الماء وليس لون الدم.. وطينه الغريني موطن لحيواناته النهرية التي تعيش بوئام وسلام وليس لجثث بشرية مثقلة بالحديد والصخور.. النهر ليس مقبرة.. يا أولاد... لقد احتج النهر.. رفع الصوت عالياً.. أنقذوني من كل من يريد تشويه صورتي وتاريخي.. أنا النهر خلقت لشيء آخر غير كوني مقبرة.. لقد بدأ النهر يلفظ الجثث التي تكدست في قاعه في تلك المساحة المحيطة بـ(المدائن).. منها جثث قديمة وأخرى حديثة.. السؤال الآن؛ ماذا سيفعلون للنهر.. وكيف لهم أن يغلقوا فمه المفتوح إلى السماء محتجاً صارخاً..!!!؟؟؟
21/4/2005








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منظومة الصحة في غزة الأكثر تضررا جراء إقفال المعابر ومعارك


.. حزب الله يدخل صواريخ جديدة في تصعيده مع إسرائيل




.. ما تداعيات استخدام الاحتلال الإسرائيلي الطائرات في قصف مخيم


.. عائلات جنود إسرائيليين: نحذر من وقوع أبنائنا بمصيدة موت في غ




.. أصوات من غزة| ظروف النزوح تزيد سوءا مع طول مدة الحرب وتكرر ا