الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في البدء كانت الكلمة

مزن مرشد

2005 / 4 / 22
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


نشرت في مجلة اوغاريت الفرنسية العدد الاخير ربيع 2005

الصوت، ذلك الأثير الجميل، تلك الهوية التي ميزت البشر عندما اصبح لأصواتهم معانٍ، يتفاهمون، ينشدون ، يتحابون، يستشعرون،ويبدعون،
ويتحاورون.
في البدء كانت الكلمة ، هذه العظمة لمفردة غيرت وجه التاريخ.
وبعده كان اختراع الحرف هو النقلة الأولى باتجاه الحياة الراقية للإنسان الذي انبثقت منه حروف ولغات وعبره تواصل البشر متناسين حدود الزمان والمكان لتصبح البشرية بأكملها متواصلة بشكل أو بآخر منذ اختراع الحرف إلى الآن كانت الحضارة خيط متصل مثل سباق التتابع كل يكمل ما بدأه الآخرون، فالتاريخ بدأ مع الكلمة والحب بدأ مع الكلمة والشعر والفن بدأ مع الكلمة وبدأت السياسة والحرب والخلاف مع الكلمة أيضا .
لكننا مع تطور البشرية واختلاف الحضارات برز على السطح ، الطمع الإنساني الساذج الذي حول الحروف إلى إنذارات تشعل فتيل الخلافات و الحروب التي لو نظرنا إلى مسبباتها في العمق لصعقتنا درجة تفاهتها، فمنذ أول غزو بالتاريخ إلى أعظم الحروب كان الإنسان متخليا عن حكمة الكلمة ، ليبني قصورا من الوهم عن عظمة الانتصارات ورفع راياته على جماجم الأعداء، الأعداء الذين لم ينظر إليهم على أنهم بشر أبدا لم ينظر إليهم إلا من خلال الرغبة في إلغاء الآخر وتهميشه ومحوه عن وجه الأرض!.
حقنا أن نختلف لكن ليس من حقنا أن نتصارع ليس من حقنا أن نلغي بعضنا البعض ولا أن نتجاهل ما وصل إليه كل منا عبر ما اختبره في الحياة.
هذا الحوار الذي كان الأساس في وجود الحضارات فهل يصبح اليوم ترفا فكريا بين حضارات في الشرق والغرب أسقطت الحوار لتتبع طريق إلغاء الآخر،عبر غزو إعلامي وثقافي وحضاري .
هنا باعتقادي يأتي دورنا نحن جيل ما بعد الاستعمار والانتداب والحروب لنعمل جاهدين على ترسيخ لغة الحوار ضمن شروط تحرص على موضوعيته وعلى الفهم السليم لما يطرحه الآخر في محاولة للتعرف المنفتح والموضوعي على الحضارات، وذلك يتطلب التحرر من رؤى متحيزة تجاه أي حضارة كانت .فهذا التحيز مهما صغر حجمه داخلنا سيبقى يشكل انتفاء غير موضوعي للظواهر. ويمكن القول بأن ما يدفع الحوار الثقافي العربي الأوربي والحوار الأورو-متوسطي بالذات، خطوات إلى الأمام، هو المبادرة إلى البحث عن المشترك الجامع بين الحضارات المعاصرة ككل والحضارتين الغربية والعربية بشكل خاص ، ذلك أنه إذا كان الحرص الشديد على تثبيت الانتماء الثقافي، والدفاع عن الخصوصية الثقافية لكل مجتمع أمورا مفهومة ومشروعة تماما في عصر الغزوات والحروب ومحاولات الاستئصال الثقافي، فإن طبيعة المرحلة التي يجري فيها الحوار المعاصر بين الحضارات والتي يميزها وعي متزايد بالأخطار المشتركة التي تهدد مستقبل جميع الشعوب، ووعي مواكب له بالحاجة إلى إيجاد معايير تحتكم إليها تلك الشعوب عند الاختلاف.
كل ذلك قد يتطلب توجيه الجهد الأكبر نحو البحث عن القواسم المشتركة والمصالح المشتركة، سعيا إلى وضع برنامج عمل موحد يتحقق به الاعتماد المتبادل، والمشاركة المتساوية لأبناء الحضارات المختلفة.
وتبرز هنا ضرورة أن يقوم حوار الثقافات على الاتصال المباشر بين الثقافات كأفضل سبيل لتوفير الاحترام الشامل للعلاقات التي يجب أن تبنى على الحقائق وتفاهم الأفراد وليس على النوع أو العرق أو الدين أو الطائفة، ذلك أن المعتقدات والخبرات والقيم التي تشترك فيها الشعوب والتي لا يجمعها فكر واحد هي أكثر أهمية من الأفكار التي تسبب الانقسام والعداء بين أفراد الحضارات المتباعدة.
وهنا تماما تطفو على السطح المشكلة التي باتت أكثر خطرا على هذا الحوار وهي العقيدة التي سادت عند شعوب الغرب والتي تعتبر الإرهاب مرتبطا بالعرب عموما وبالإسلام خصوصا هذه الفكرة التي زرعتها أحداث الحادي عشر من أيلول في ساعة ونصف ، قد تحتاج إلى مئات آلاف الساعات لتبدأ ولو قليلا بتحويل تلك القناعات وإيصال فكرة غاية بالبساطة وهي أن العرب ينتمون إلى الإنسانية!!
وهنا يبرز الدور الكبير للإعلام العربي المتأخر أولا والذي أصبحت الحاجة إلى تطوير خطابه أولوية ملحة ، هذا الإعلام الذي ما يزال في عصره الحجري مقارنة بقرينه الأمريكي أو الأوروبي ولا تخفى أسباب هذا التأخر على احد فالخبز عندما يعطى للطبال لا نتوقع منه أن يكون خبزا أبدا...
أما النقطة الثانية والتي لا بد أن تعطى حقها من الأهمية لتفعيل هذا الحوار والسير به نحو الأمام بما يعطي نتائج ايجابية ملموسة هو إفساح المجال للمثقفين بأخذ دورهم الكامل بالتواصل مع المثقفين الأوروبيين عبر قنوات شبه رسمية من خلال بعثات حوارية واتفاقات ثقافية تضع الأمور في نصابها ولكن مع الحرص على انتقاء المبعوثين وفق أسس لا علاقة فيها للمحسوبيات ولا الانتماءات بل تعتمد على الكفاءات والقدرة الذاتية لدى المبعوث على الخطاب والحوار والإقناع إضافة إلى حصيلته الثقافية والأدبية .
والقضية الأخرى والتي يراها البعض هامشية إلا أنني أراها على درجة كبيرة من الأهمية وهي الترجمات،فأنا لم أزر أمريكا اللاتينية ولا اعرف ماهية البشر هناك إلا أنني عرفتهم في أدب مركيز وايزابيل الليندي ويوسا وغيرهم ولم أزر فرنسا لكنني استطعت أن أتخيل صورة لأدق تفاصيل حياتها اليومية وتفاصيلها حتى لتراني أتحدث عن الحي اللاتيني أو برجها الشهير أو دوائرها شوارعها لأصل إلى حدود الحنين، حنين الغائب لأماكن عايشها وعايشته من خلال الأدب الفرنسي المترجم فلماذا لا نجعل هدفنا الآن ترجمة أدبنا العربي المعاصر فالغرب لا يعرفون منا إلا ألف ليلة وليلة ولا يتخيلون العرب إلا في الخيام وعلى الجمال وما من غاية لهم في هذه الحياة إلا الغزو وما طاب لهم من النساء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نارين بيوتي تتحدى جلال عمارة والجاي?زة 30 ا?لف درهم! ??????


.. غزة : هل تبددت آمال الهدنة ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الحرس الثوري الإيراني يكشف لـCNN عن الأسلحة التي استخدمت لضر


.. بايدن و كابوس الاحتجاجات الطلابية.. | #شيفرة




.. الحرب النووية.. سيناريو الدمار الشامل في 72 دقيقة! | #منصات