الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في مقابل ثلاث رؤى مختلفة للحالة العربية، حشدْ: حركة شعبية ديمقراطية عربية موحدة.. هل هي أحلام ممكنة؟

هويدا طه

2005 / 4 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


في دورته السادسة عشر، عقد "المؤتمر القومي العربي" في العاصمة الجزائرية، لمدة أربعة أيام ابتداءً من السادس من أبريل/نيسان الحالي، وقبله بيوم واحد صدر في الأردن تقرير التنمية الإنسانية في العالم العربي، الذي يعده باحثون عرب متخصصون برعاية الأمم المتحدة، وقبلهما بأيام كانت هناك القمة العربية، التي عقدت في الجزائر أيضا.. في أواخر شهر مارس/آذار الماضي.
ثلاث رؤى مختلفة متباينة- شعبية وأكاديمية ورسمية- تناولت جميعها(الحالة العربية)الراهنة، بمختلف زواياها.. سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ودينياً.. وغير ذلك من نواحي التوصيف.. لحالة مائعة مبهمة معقدة.. تعيشها الشعوب العربية في مختلف أقطارها.. داخليا وخارجيا..
المقارنة بين تلك الرؤى الثلاث.. ربما تفيد في الخروج بشيءٍ ما.. يشير.. فقط يشير.. إلى طريق- وربما مصير- هذا(الكيان العربي)في المقبل القريب من الأيام..
المؤتمر القومي العربي
بصفة(مؤتمر مستقل عن الأنظمة الرسمية)، يعقد سنويا، ليجمع كثيرين من أفراد النخبة المثقفة من الأقطار العربية- من المحيط إلى الخليج- لمناقشة القضايا العربية الأكثر إلحاحا، من منظور الأطياف المختلفة لتلك النخبة.. وهي تتكون من كتاب ومثقفين وباحثين وحزبيين، ونشطاء في مجال حقوق الإنسان، ومنظمات المجتمع الأهلي والمنظمات غير الحكومية بمختلف ألوانها، وهذا التجمع المتنوع هو ما يعطي المؤتمر صفة المعبر- بدرجة أو بأخرى- عن(الرأي العام الشعبي العربي)، وتلك في الواقع ميزته، الجديرة بالحفاظ عليها والاستمرار بها، دون أن تنحرف(الاستقلالية عن الأنظمة)التي يطرح المؤتمر نفسه من خلالها وباسمها، لتصبح(مهادنة)مع أنظمة عربية رسمية.. شاخت وهرمت وأصبحت عبئا على أي مشروع حضاري عربي.. تحلم به تلك النخب المثقفة من مختلف الأقطار العربية، وذلك أمرٌ يطرح عدة تساؤلات.. منها على سبيل المثال.. ماذا حقق المؤتمر في خمسة عشر دورة عقدها في السنوات الماضية.. منذ أول دورة له عام 1990 التي عقدت في بيروت، مقر أمانته العامة الدائم؟ ومن كان يمثل الرأي العام في الدورة السادسة عشر للمؤتمر بالجزائر؟.. ماذا قالوا؟ وبم خرجوا؟.. وهل تحققت بالفعل تلك الاستقلالية عن الأنظمة؟
ربما يكون(مركز دراسات الوحدة العربية)هو أروع ما يتجلى في هذا المؤتمر، فهذا المركز يقدم بحوثاً ودراسات عميقة، وتتصف بدرجة كبيرة من الدقة العلمية، واتساع مجال التغطية التي تقدم فيها تلك الدراسات، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وغير ذلك، ومن الواضح أن جهودا مضنية تبذل وراء ذلك المركز، لإثراء المكتبة العربية بهذه الدراسات المعمقة، رغم صعوبة الحصول على التمويل، ومما يحسب للمؤتمر القومي العربي أيضا، أنه يعتمد على تبرعات الأعضاء المشاركين(كأفراد)، ولا يعتمد- كما هو معلن- على النظم الرسمية.. إلا في تمويل الدولة المضيفة(لإقامة)أعضاء المؤتمر أثناء انعقاده بها، لكن.... هذه اللاكن تشير إلى مشكلاتٍ خمس، يعاني منها المؤتمر القومي العربي:
أولا: ماذا كان(الخطاب)المستخدم في هذا النقاش، الذي دار بين الأعضاء حول القضايا العربية المختلفة؟ ولمن كان موجهاً؟ وبأي لغة؟.. مما يؤسف له أنه بدا حاملا في جوهره كل آفات(الخطاب العربي)، خطاب قاصر وعاجز عن(فهم حركة العالم المعاصر)، خطاب يعتمد(الاجترار)لمفاهيم.. عفا على معظمها الزمن، وهو كذلك خطاب أسير لعقلية(ثنائية)تركن إلى الاختيار بين مطلقين.. رفض مطلق أو قبول مطلق.. لأفكارٍ هي ليست بالضرورة شرا مطلقا أو خيرا مطلقا، فلا الاستجابة لحركة التغير العالمي(كلها إذعانا)، ولا العمل المسلح(كله مقاومة مشروعة)، لكن خطاب المؤتمر- كما الخطاب العربي عموما- جمد وتكلس عند هذين المطلقين.
ثانيا: اللغة المستخدمة في تكوين ذلك الخطاب، لم تكن إلا إنشاء وتكرارا خاويا من أي جديد، كان كل مشارك يبدأ(خطبته العصماء)الطويلة المملة.. بسرد مساوئ أمريكا وإسرائيل!..وكأن المشاركين الآخرين في حاجة إلى تنبيههم لتلك المساوئ! وكانت العبارات المستخدمة دالة بالفعل على ذلك التكلس، الذي بات يمد ظلاله على كل أوجه النشاط العربي، إن وجد شيء أصلا يمكن وصفه بأنه.. نشاط!.. فعباراتٌ مثل(إن الهجمة الإمبريالية الشرسة..)أو(إن تاريخنا المجيد.. )أو(العالم يتربص بنا..)وغير ذلك من عبارات.. تفضح عجز العرب(وهؤلاء هم من نخبة العرب!)عن التواصل مع حركة التغير الإنساني.
أما ثالث المشاكل: فيطرحها تساؤلٌ حول مدى جدية ما بنى المؤتمر نفسه على أساسه، أي ادعاء(الاستقلالية عن الأنظمة)، فحتى يعقد المؤتمر سنويا.. فإن دولة ً عربية يتوجب أن تستضيفه.. فلو تصورنا مثلا أن المؤتمر عقد في القاهرة.. فهل سيجرؤ على نقد نظام مبارك.. وهو النظام الذي يستضيفه؟! هل سيعلن تأييده لحركة كفاية مثلا؟! وإذا تصورنا عقده في دمشق، فهل يعلن المؤتمر تضامنه مع لجان المجتمع المدني، التي تطالب بتغيير يرحم سوريا من تكلس النظام السوري؟! هذا فقط مجرد مثال..
رابعا: المؤتمر وهو الذي يطرح نفسه معبرا عن(الرأي العام أو الضمير العام العربي)يقف موقفا مائعا من الحركات الجماهيرية الشعبية العربية، فبعض أعضاء حركة كفاية المصرية.. الذين شاركوا في المؤتمر حاولوا- دون جدوى- إقناع المؤتمر باعلان التضامن الصريح المباشر الذي لا يحتمل اللبس معهم.. ضد النظام الديكتاتوري في مصر، لكن المؤتمر على ما يبدو فضل الطريق الأكثر أمنا.. مهاجمة إسرائيل وأمريكا!.. والمقصود بالمؤتمر هنا هو هؤلاء الذين اعتبروه(ملكية خاصة)لهم، وليس موقفا شعبيا ديمقراطيا عاما من القضايا العربية، والملكية الخاصة تعني لهم بالطبع.. وضع سقف يمنع الفضح المباشر لديكتاتورية أنظمة يحتاجونها لاستمرار ملكيتهم الخاصة، وهو ما يفرغ المؤتمر تماما من أساس(الاستقلالية عن الأنظمة)ويجعل موقفه من الحركات الجماهيرية الصاعدة في البلدان العربية.. موقفا غائما أقل ما يقال عنه أنه.. موقف نخبة شاخت وتكلست أسوة بأنظمتها.. بينما تدعي بلا دليل أنها تنأى بنفسها عن التبعية لها.
المشكلة الخامسة: هي غياب(الجيل الوسيط)وبالطبع غياب الشباب عن دائرة النشاط الفعلي في ذلك المؤتمر، وهؤلاء الكهول.. الذين اعتبروه ملكية خاصة لهم.. يهمشون عمدا- إن لم يحاربوا أصلا- فاعلية الشباب ومحاولتهم طرح رؤية عصرية.. تختلف عن رؤية هؤلاء الذين ولدوا في أعقاب الحرب العالمية الأولى، ومازالوا يحتلون كل المواقع رسميا وشعبيا ونخبويا.. حتى بات العالم العربي مثلهم.. هرما كهلا.. يحبو في ذيل الحركة الإنسانية نحو مستقبل لا يفهموه.. ولا يقدرون على فهمه.. ولا يفسحون المجال لمن يمكنهم مواكبة حركته المتسارعة.
والنتيجة أن هذه(الرؤية)للحالة العربية وبسبب تلك المشكلات، لا تقدم طرحا مستقبليا يمكن النظر إليه بجد.. بشأن مستقبل الكيان العربي.
النظم العربية الرسمية
أما الرؤية الثانية للواقع العربي.. فهي رؤية النظم العربية الرسمية، والتي تبدت في أحدث تجلياتها في القمة العربية التي عقدت في الجزائر منذ أسابيع قليلة، ومن قبيل التكرار الحديث عن عجزها، ووصولها إلى طريق ٍ مسدود، تنتظرها في آخره انتفاضات شعوبٍ يتنبأ بها القاصي والداني، بل وظهر جنينها هنا وهناك في شوارع بعض العواصم العربية، ويكاد يكون من قبيل العبث.. البحث عن وجهٍ للمستقبل في الرؤية الرسمية للحالة العربية، وكلنا على اختلاف أقطارنا نعرف كيف تعاملت مع الماضي والحاضر، وليس جديدا يضاف للقارئ هنا أن يقال.. إنها رؤية تحكمها مصلحة أفراد يتشبثون بسلطة لم تأت لأغلبهم- إن لم يكن لجميعهم- بطرق شرعية، أو بطرق التعاقد مع شعوبهم بالرضا والتراضي، وإن ما تسيطر عليه تلك السلطة من قوى أمنية وإعلامية ومالية.. تجند لقمع تلك الشعوب، وكل علاقة تلك النظم بالمستقبل.. أن كل منها ينتظر دوره ليتهاوى.. أمام قرار القوى الكبرى التي دعمتها.. بالاستغناء عنها.
تقرير التنمية الإنسانية في العالم العربي
رؤية ثالثة للحالة العربية، اعتمدت خطابا مغايرا، جاءت في تقرير التنمية الإنسانية في العالم العربي، الذي صدر برعاية الأمم المتحدة، وقد سبق أن أصدرت نفس المنظمة الدولية تقريرين في الأعوام الماضية، لكن هذا التقرير صادف بعض مشاكل عرقلت صدوره في موعده قبل أشهر، منها اعتراض الولايات المتحدة على أجزاء فيه.. تتعرض لأثر الاحتلال الأمريكي والإسرائيلي على تعطيل التنمية في المنطقة العربية، على المستويات السياسية والاقتصادية، ومنها أن النظام الديكتاتوري في مصر أعطى نفسه حق الاعتراض على التقرير، لأنه تعرض لمشكلة توريث الحكم الجمهوري المتصاعدة في مصر، تقرير هذا العام اعتمد خطابا أكاديميا إلى درجة كبيرة، فالباحثون الذين أعدوه هم من نخبة مثقفي العرب، وجاءت فيه مقارنة مخيفة بين خطط التنمية في العالم العربي وباقي أنحاء العالم، ووضع العرب في ذيل القائمة الإنسانية فيما يتعلق بحقوق الإنسان وتمكين المرأة ونشر الثقافة.. وبالطبع الحكم الديمقراطي الرشيد، وكان الملفت للنظر في التقرير هو ما سُمي(الخراب الآتي)في العالم العربي.. حيث حذر التقرير من أن التداول القادم للسلطة في الدول العربية.. قد يأتي عن طريق(العنف المسلح)، وذلك في حال استمرار(العجز التنموي والقهر)داخل هذه الدول، واستمرار(الاستباحة الخارجية)لثروات الشعوب العربية، النص الكامل للتقرير يحتوي بالطبع الكثير من الشرح.. لأسباب عجز وتخلف وتدهور العالم العربي.. نسبة إلى باقي الأمم، لكنه قدم رؤية للمستقبل مفادها:( أنه يُمكن تفادي الكارثة المرتقبة.. بإطلاق عملية تاريخية، سلمية وعميقة، لتداول السلطة، وإعادة السيادة لأصحابها.. الأكثرية في العالم العربي).
ثلاث رؤى إذن للوضع العربي حاضرا ومستقبلا، إحداها لا تقدر على مسايرة حركة التغير الإنساني، مثلها مؤتمر النخبة المثقفة من خلال المؤتمر القومي العربي، والثانية رؤية أثبتت فشلها وتستعد للتهاوي الأخير، تمثلها قمة النظم العربية الرسمية، والثالثة أكاديمية علمية طرحها تقرير التنمية الإنسانية في العالم العربي، والتي خلصت إلى الحل الوحيد المتاح: حركة سلمية شعبية.. تعطي حق تقرير المصير للشعوب العربية، وهو ما قد يمثله الحلم التالي:
الحل:حركة حَشْْد:
حركة شعبية ديمقراطية عربية موحدة
لجانٌ للمجتمع المدني.. بدأت تنمو في سوريا، كاسرة ً حاجز الخوف الذي استمر عقودا يعقد ألسنة السوريين، حركةٌ مصرية للتغيير.. ولدت في شوارع القاهرة رافعة ً شعار(كفاية)للديكتاتور في مصر، معارضةٌ منظمة تتحسس طريق المواجهة مع حكومة.. لا تملك قرارها في لبنان.. ومثقفون إصلاحيون يتحدون أعتى ممالك القهر في التاريخ الإنساني الحديث في السعودية.. ونخبةٌ واعية تحاول أن تضيء الطريق لشعبها الصغير الواعي في البحرين.. وغيرهم هنا وهناك في بلدان عربية أخرى، يحاولون بدرجات متفاوتة تلمس طريق تلك الحركة.. التي وصفها تقرير التنمية الإنسانية بأنها(عملية تاريخية سلمية وعميقة)، لكنها كلها حركات متفرقة وحيدة في بلدانها، منفصلة عن أخواتها الأخريات في البلدان العربية الأخرى، رغم أن كل تلك الحركات.. تولد أصلا في اللحظة الراهنة بتأثير نفس العوامل تقريبا، ثبوت فشل الأنظمة في الداخل، وتصاعد الضغط الخارجي، وتسهيل إعلام الفضائيات وتكنولوجيا الاتصال لتناقل المعلومات، وأيضا تناقل(عدوى التحرك الشعبي)، ورؤية الدول الكبرى- الولايات المتحدة تحديدا- للمنطقة باعتبارها(كلا واحدا)حتى أنها تتعامل معه مرة باعتباره(الشرق الأوسط الكبير)ومرة باعتباره(الشرق الأوسط الموسع)وتارة باعتباره(كتلة الدول العربية التي تصدر الإرهاب للعالم)، أي أننا نتحرك فرادى، بينما يرانا العالم كتلة واحدة.
ورغم أن الُكتاب هم بطبيعتهم.. حالمون، فإن التاريخ الإنساني يثبت أن الحلم- مهما كان محلقا- هو شرارة إطلاق المشاريع الإنسانية الواقعية الكبرى، ورغم أنه لا يوجد ما يمنع أن نحلم، إلا أنه من الممكن أيضا.. أن نحلم(أحلاما ممكنة)، ومنها الحلم بحركة شعبية ديمقراطية عربية موحدة، ولتكن بالأحرف الأولى(حركة َحْشْد)، تنسق بين كل تلك الحركات الفرادى، وتمدد شعار(كفاية)ليرفع في كل العواصم العربية المقهورة، تنسق التظاهرات السلمية لتخرج في نفس الوقت.. في مختلف الشوارع العربية، تعلن أهدافا أساسية موحدة، لا يختلف اثنان على ضرورتها لكل من تلك البلدان، كفاية قمع، كفاية فساد، كفاية إفقار، كفاية إذعان!... ما هو البلد العربي الذي لا يتوق إلى تلك(الكفايات)؟!
إن من شأن توحيد الحركات الوليدة في البلدان العربية المختلفة- أو على الأقل في عددٍ منها- أن يفتح أفقا إقليميا جديدا، مغايرا للحالة العربية الحالية.. الساكنة في عالم ٍ متسارع الخطى، فإذا كان حلم(الوحدة العربية)قد تداعى، وقد كانت وحدة طوباوية خيالية.. ارتسمت في المخيال العربي في ستينات القرن الماضي، لأنها لم تجد سندا واقعيا تقوم عليه، فإن الظرف الحالي- بدرجة أو بأخرى- قد يساعد على تكوين(وحدة شعبية).. لن تضر محاولة التنسيق لها، لكنها حتما ستدعم تلك(العملية التاريخية).. التي وصفها تقرير التنمية الإنسانية بأنها(سلمية وعميقة).. وأنها ستعمل على(تفادي الكارثة)المرتقبة في العالم العربي، وأنها- كما وصفها واضعوا التقرير- قد تمنع عن العالم العربي.... الخراب الآتي!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بكاء رونالدو حديث المنصات العربية • فرانس 24 / FRANCE 24


.. التشكيلة المتوقعة للجمعية الوطنية الفرنسية بعد الجولة الثاني




.. كيف يمكن للديمقراطيين استبدال بايدن في حال قرر التنحي وما ال


.. حاكم ولاية مينيسوتا: نحن قلقون بسبب التهديد الذي ستشكله رئاس




.. أحزاب يشكلون الأغلبية في الحكومة والبرلمان الجزائري يطالبون