الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أين الثورة؟

داود روفائيل خشبة

2013 / 5 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


أين الثورة؟ الإجابة الفلسفية هى: الثورة فى لامكان. الثورة ليست كيانا له وجود موضوعى محدّد حتى تحدّها الأين. يقول قائل: هذه سفسطة. ليكن. لننزل من علياء الميتافيزيقا إلى أرض الواقع الموضوعى، على أن نعود إلى علياء الميتافيزيقا فى نهاية الموضوع، فبغير الميتافيزيقا لا يكون لشىء اكتمال ولا يكون لشىء عمق.
قبل 25 يناير 2011 مررنا بسنين بل بعقود تردّت فيها كل جوانب الحياة المدنية فى مصر، من تعليم وصحة واقتصاد وأمن، إلى حضيض لم نكن آنذاك نتصوّر أن يكون أدنى منه حضيض. وكنا كلنا نتساءل فى ألم وفى خزى: ما كل هذا الخنوع وهذا الهوان الذى اعترانا؟ كيف نسكت على كل هذا القهر والذل؟
ثم حدث فى 25 يناير والأيام التى تلته ما حدث. وفى إبّان ثمانية عشر يوما ولبعض الوقت بعدها امتلأنا حماسا وأشرقت نفوسنا بآمال وأحلام زاهرة. لكن الأمور مضت على غير ما كنا نرجو. وها نحن اليوم فى حال هو من كل الوجوه أسوأ كثيرا مما كنا فيه قبل 25 يناير 2011. وليس بمستغرب أن يرى كثيرون من المواطنين الطيبين أن من حملوا شعلة 25 يناير أوصلونا إلى ما نحن فيه، وليس بمستغرب أن يقولوا إنه كان خيرا لنا لو احتملنا ما كنا فيه وسكتنا عليه. هؤلاء المواطنون الطيبون مخطئون، لكن ليس غرضى اليوم أن أناقش هذا الخطأ، وقد أعود لهذا فى مقال آخر.
أما ما أريد الحديث فيه الآن فهو أن الكثيرين أخذوا يروّجون لنظرية أن كل ما حدث من 25 يناير 2011 حتى اليوم كان نتيجة تدبير مسبق أعدّت له وأشرفت على تنفيذه القوى العالمية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، ومعها بالطبع إسرائيل، وربما بالتوافق مع جماعة الإخوان المسلمين.
لا يمكن لعاقل أن ينكر أو أن يتجاهل أو يجهل أن كل القوى العالمية الكبرى التى تبنى استراتيچياتها على العلم والتخطيط العلمى، تتابع كل ما يجرى فى كل بقاع الأرض، وتضع الخطط، آخذة فى حسبانها كل الاحتمالات، كى تستغل ما يحدث هنا أو هناك لمصلحتها. ومن البديهى أن تلك القوى كانت تعرف أن الأوضاع المتردّية فى مصر تحمل بذور أحداث جسام، يمكن التكهّن ببعض ما قد تؤدّى إليه. ولا شك فى أنه كانت لها خطط وخطط بديلة لاستغلال كل ذلك، إذا ما حدث ووقتما يحدث، لمصلحتها ― مصلحة الولايات المتحدة وإسرائيل فى المكان الأول. ولا أعرف إلى أىّ حدّ كان لجماعة الإخوان المسلمين دور فى كل هذا ― هل كانوا شركاء؟ هل كانوا أداة وجدتها القوى العالمية فى متناولها فاستخدمتها؟ ليس لى رأى فى كل هذا، فأنا لست دارسا للأمور السياسية ولم أكن يوما عميق الاهتمام بمجريات وتفاصيل المعترك السياسى.
حدث إذن فى 25 يناير والأيام التى تلته ما كان كل المخلصين منا يتمنونه ويحلمون به. لكن من قاموا بذلك كانوا شبابا بريئا، تحرّكوا فى عفوية، ولم يجدوا من يساندهم أو يوجههم، مما سهّل للقوى المتربّصة أن تستغلّ الأمر لتحقيق أغراضها. لكن أن يقال إن ما حدث فى 25 يناير والأيام التى تلته كان بعضا من تدبير تلك القوى الخبيثة، فهذا تبسيط وتسطيح مُخِلّ يرتاح له الفكر الكسول الذى لا يحبّ أو لا يقوى على أن يحمل عبء التفكير الذى يلمّ بالأمور من كل جوانبها ويأخذ فى الاعتبار كل أبعادها. ومثل هذا التبسيط والتسطيح لا ينتج عنه إلا فكر مشوّش هو أكثر ضررا من الجهل التامّ.
إذا كان من الظلم أن يقال عن الشباب الذين حملوا شعلة 25 يناير 2011 إنهم كانوا مضلـَّلين، فإنها لجريمة نكراء فى حقهم أن يقال إنهم كانوا ضالعين فى مؤامرة تخدم بعض أغراض القوى الاستبدادية، خارجية أو داخلية، أو حتى أن يقال إنهم، عن وعى أو عن غير وعى، كانوا عاملا فى تنفيذ مثل هذه المؤامرة.
كان ما حدث فى تلك الأيام المجيدة انفجارا أحدثته معاناتنا وخزينا من خذلاننا وهواننا، وحمل شعلته فتيات وفتيان طاهرون أنقياء ― كان بذرة ثورة، فأين هى الآن الثورة؟
الثورة فعل يتولـّد من معنى. طالما بقى هناك عقل واحد يعى معنى العدل فيرفض الظلم والطغيان ويرفض تكبيل حريّة الإنسان، ستظل جذوة الثورة متـّقدة، لن يمحقها أبدا ماحق، وستظل تغذّى إنسانية الإنسان وتتوق لأن تـُعلى كرامة الإنسان فى وجه كل ظلم وكل طغيان.
داود روفائيل خشبة
12 مايو 2013
http://khashaba.blogspot.com








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لا استمرار للثورة بدون أيديولوجيا
رمضان عيسى ( 2013 / 5 / 15 - 17:47 )

لا استمرار للثورة بدون أيديولوجيا ثورية :
ليس كل تجمهر او هتاف ولوكان جماعيا ، ،أو اضراب ، ثورة ، ان هذه ارهاصات اجتماعية على طريق الثورة ،
فالثورة هي احساس جماهيري عام بالتناقض مع السلطة القائمة ، هي رؤى جديدة لمجتمع يختلف عما هو موجود ، هي شعور وتفاعل وحركة جماهيرية تقول : لا نريد ان نعيش كالسابق ، إننا نريد مجتمع ونظام سياسي جديد يكفل لنا العيش بحرية وكرامة انسانية 0
-- هذه الأهداف لها برامج سياسية واجتماعية ، وهذه البرمج يجب أن تتبناها بؤرة ثورية ، والبؤرة الثورية ، لا يمكن ان تكون يد واحدة بدون ايديولوجيا ، والأيديولوجيا اذا اقتنعت بها الجماهير تصبح قوة مادية يكون بمقدورها الاستمرار في التغيير الثوري الى النهاية ولصالح الجماهير ، وليس لصالح أفراد يتنافسون على مكاسب فردية 0
إن الثورة تغسل المجتمع من أدران الماضي والحكم السابق 0

اخر الافلام

.. سرايا القدس: أسقطنا طائرة إسرائيلية من نوع -سكاي لارك- وسيطر


.. بالخريطة التفاعلية.. جيش الاحتلال يعود لمخيم جباليا ويكثف غا




.. صرخات فتاة فلسطينية على وقع القصف الإسرائيلي على قطاع غزة


.. رسميا.. مبابي يغادر باريس سان جيرمان نهاية الموسم الحالي




.. نٌقلوا للمستشفى.. دبابير تلدغ جنودا إسرائيليين في غزة بعدما