الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
تمرُّد
خليل كلفت
2013 / 5 / 16اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
1: يواصل الإخوان المسلمون والإسلام السياسى هجومهم العنيف ضد حركة "تمرُّد" التى تهدف إلى جمع ملايين التوقيعات معلنةً سحب الثقة من الرئيس محمد مرسى لتصل إلى ما يزيد على الأصوات التى نجح بها مرسى فى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، لتنتهى إلى مسيرة كبرى تتجه إلى قصر الاتحادية فى 30 يونيو للمطالبة برحيل الرئيس، على أن يتم إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وأن تتمّ تحت إشراف المحكمة الدستورية العليا، وفى ظل حكومة ائتلاف وطنى. ويطلق الإخوان المسلمون والإسلام السياسى حملة مضادة لإثبات أن مؤيدى الرئيس مرسى يفوقون معارضيه عددا، فيما يستولى عليهم غضب عارم ضد "تمرُّد".
2: وبالطبع فإن هذا الهجوم الإسلامى الإخوانى السلفى ضد "تمرُّد" مفهومٌ تماما لأن نجاح "تمرُّد" فى الحصول على ملايين التوقيعات، وناهيك بكل العدد الكبير المستهدف، من شأنه أن يسهم بقوة دون شك فى إضعاف مركز ومكانة "مسؤول ملف رئاسة الجمهورية فى مكتب الإرشاد"، وأن يدقّ مسمارا فى نعش ما تبقَّى من ثقة فى محمد مرسى، ويشكل وسيلة وأداة من وسائل وأدوات الإطاحة به وبالحكم الدينى الإخوانى السلفى. وقد انضمَّتْ إلى الإسلام السياسى أصوات أخرى ترى فى حركة "تمرُّد" والحركة المضادة "تجرُّد" عبثا لا طائل تحته (أيمن نور الجاهز دائما إلى الوقوف إلى جانب الإخوان المسلمين بتوظيف حجج واهية شتَّى)!
3: ولحركة "تمرُّد" مؤيدون بالطبع من المعسكر الآخر الذى يجمع ليبراليِّين وقوميِّين ويسارًا وقوى سياسية متنوعة تتراوح بين الأقسام "المدنية" من الثورة المضادة والأقسام الأكثر إخلاصا لثورتنا السياسية الشعبية؛ وهذا مفهوم تماما أيضا. وهو مفهوم لأن هؤلاء جميعا ينظرون إلى "تمرُّد" على أنها حركة تسير فى نفس الاتجاه؛ فى سياق حرب وشيكة بل مشتعلة من الآن بين الثورة المضادة "القومية" والثورة المضادة "الإسلامية".
4: كل هذا مفهوم تماما. فكلُّ معسكر من معسكرىْ الثورة المضادة ينظر إلى "تمرُّد" وفقا لمصلحته فى الصراع على السلطة. ومن هنا يبدو غريبا أن ترتفع أصوات ثورية واعية ومخلصة بالهجوم الحاد على حركة "تمرُّد"؛ باعتبارها تضلل الجماهير حيث تزرع الأوهام حول الانتخابات الرئاسية المبكرة، أو حول قدرة التوقيعات على الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين؛ إلخ.. وبالطبع فإن لهذا الموقف الرافض لحركة "تمرُّد" منطقه المتمثل فى عدم توظيف الجماهير الشعبية بعيدا عن النضال الثورى عن طريق إلحاقهم كمجرد ذيل بأحد المعسكرين اللذين يحتدم الصراع بينهما الآن على السلطة، مع أن كلًّا منهما يمثل هذا القطاع أو ذاك من الرأسمالية التابعة للإمپريالية وكلاهما ثورة مضادة.
5: ويطرح كل هذا للنقاش مسألتين: كيف نفهم التناقضات والصراعات داخل طبقتنا الرأسمالية الكبيرة التابعة للإمپريالية؟ وكيف نتعامل مع هذه التناقضات والصراعات وفقا لمصلحة الشعب والثورة؟ ولا شك بالطبع فى أن هذه التناقضات والصراعات تحتدم بين قطاعين كبيرين من هذه الطبقة الرأسمالية الكبيرة التابعة للإمپريالية على خلفية الثورة وتحت ضغطها الكبير المتعاظم. وبالطبع فإن التناقضات والصراعات داخل الطبقة الرأسمالية الكبيرة واردة وأكثر من واردة سواء تبلورت فى شكل حزبين كبيرين راسخين متنافسين فى ظل التعددية أو جاءت فى سياق خاص بتطورات بعينها كما هو الحال عندنا على خلفية الثورة ومواجهتها وتصفيتها حيث لا يُلغى هذا التحالفُ فى سبيل التصفية التنافس والصراع المرير على سلطة الدولة بين القطاع "القومى" والقطاع "الإسلامى" من الثورة المضادة. وإذا كان هذا التحالف قد بدأ واستمرّ اضطراريا بهدف مواجهة وتصفية الثورة ولا يعنى زواجا كاثوليكيا بين "القومية" و "الإسلام السياسى"؛ بل يشتد التنافس والصراع بينهما ويغدو قابلا للانفجار عندما يتصوَّر أو يتوهَّم هذا الفريق أو ذاك أن الموجة المرتفعة للثورة توشك على النهاية. كما أن اتجاه الإخوان والسلفيِّين إلى الاحتكار الفورى لكل مفاصل السلطة وقطاعات الاقتصاد لا يترك للرأسمالية الكبيرة "القومية" وممثليها العسكريِّين والسياسيِّين مجالا للصبر. وبعد أن عانت هذه الرأسمالية "القومية" طويلا من الاختناق داخل "قفص" حكم الشخص والأسرة والعصابة فإنها ليست مستعدة بطبيعة الحال من الاختناق داخل "قفص" الحكم الدينى الإخوانى الذى يشكل خطرا أكبر عليها. ومن هنا توشك الحرب بينهما على الانفجار.
6: وإذا فهمنا التناقضات فى صفوف الرأسمالية الكبيرة وبالتالى فى صفوف الثورة المضادة، وأدركنا أن هذه التناقضات من طبيعة الأمور وأننا لسنا إزاء كتلة رأسمالية جرانيتية غير قابلة للتفتُّت أو التفتيت، وقدَّرنا أن هذه التناقضات يمكن أن تصل إلى حدّ الحرب الأهلية بين قطاعين كبيرين من الرأسمالية الكبيرة (الحرب الأهلية الأمريكية)، يصير السؤال المنطقى هو كيف نتعامل مع هذه التناقضات: بتجاهلها واتخاذ موقف اللامبالاة إزاءها؟ بالانضمام إلى أحد المعسكرين المتصارعين للثورة المضادة؟ على أن الاستفادة من التناقضات فى صفوف الثورة المضادة لا يمكن أن تكون باللامبالاة إزاءها، ولا يمكن على وجه الخصوص بالتحالف مع أحدهما؛ هذا التحالف الذى يحوِّلنا نحن أنفسَنا إلى ثورة مضادة.
7: والحقيقة أن الثورة المضادة القومية، العسكرية والمدنية، قد شمَّرت عن ساعديها لوضع حدّ للحكم الإخوانى السلفى. ولسنا بطبيعة الحال إزاء تكافؤ بين الفريقين المتصارعين فالقطاع "القومى" أقوى بما لا يقاس من القطاع الإخوانى السلفى وقادر على سحقه بسرعة عندما يتفجر صدام حاسم، وبالتالى فإننا لسنا إزاء حرب أهلية مثل تلك التى تدور فى سوريا. ففى سوريا حرب أهلية شاملة وممتدة بين النظام والشعب أما هنا فإنها ستكون حربا خاطفة ومحصورة بين النظام القومى والإسلام السياسى. وهنا تأتى تحرُّكات وحركات وأحزاب ومجموعات ومبادرات فردية وجماعية ضد الحكم الإخوانى السلفى من الصعب إدراجها فى قطاع الثورة المضادة القومية، وإنْ كان من غير الصعب وربما كان من السهل، كما شهدنا فى الفترة السابقة منذ الثورة، أن تسير قوى الثورة وراء العسكر تارة ووراء الإسلام السياسى تارة أخرى؛ رغم استمرار ممارسة إستراتچية الثورة جنبا إلى جنب مع الوقوع فى مصيدة إستراتيچية الثورة المضادة: المشاركة فى الاستفتاءات والانتخابات الپرلمانية والرئاسية ووضْع الإعلانات الدستورية والدستور.
8: وإذا كنا هنا إزاء التقاء "موضوعى" بين قوى الثورة وقوى الثورة المضادة "القومية" على هدف الإطاحة بالحكم الدينى الإخوانى السلفى، وصار من المتوقع أن تعمل كلٌّ منهما فى اتجاه إسقاط هذا الحكم، على أساس أن إسقاط هذا الحكم هدف أصيل للثورة حتى فى غياب صراع وصدام بين قطاعىْ الثورة المضادة، فإنه لا أساس للاعتقاد أن الثورة ينبغى أن تتخلّى عن هدف إسقاط الحكم الإخوانى السلفى لمجرد أن قوى الثورة المضادة القومية بدورها تعمل على تحقيق نفس الهدف. وهنا لا مناص من تداخُل هذا السير "منفردين" والضرب "منفردين" بين قوى الثورة وقوى الثورة المضادة القومية، فالضربات التى توجِّهها هذه القوى أو تلك إلى الحكم الدينى تصبُّ من هذه الناحية فى صالح كلٍّ منهما، فالثورة المضادة القومية سوف تستفيد من ضربات الثورة الموجَّهة إلى الحكم الدينى والعكس صحيح؛ ولا سبيل إلى تفادى هذا التناقض إلا بتخلِّى أحد الفريقين عن هدف الإطاحة بالحكم الدينى.
9: وهكذا فإنه لا مناص من أن يستفيد كل طرف من التناقضات بين الأطراف الأخرى. وهنا جاءت المبادرة المعروفة باسم "تمرُّد"، وهى حركة واسعة تعبِّر عن رغبة جماهيرية، عن إرادة شعبية، نحو التخلُّص من الحكم الدينى، الإخوانى السلفى، ليس انتصارا لقوى الثورة المضادة القومية بل انتصارا للثورة الشعبية التى تتمثل إحدى مهامها الكبرى فى تحرير مستقبل مصر والمنطقة العربية والعالم من سيطرة الحكم الدينى فى القرن الحادى والعشرين. ومن المنطقى أن تضم مثل هذه الحركة الواسعة قوى وعناصر متنوعة وكذلك شعارات متنوعة صحيحة وخاطئة، غارقة فى الأوهام أو واعية بمهامها المحددة، وهناك بالأخص حقيقة أن مثل هذه الحركة الكبيرة الواسعة تضم عناصر متنوعة منها عناصر ثورية مستقلة ومنها عناصر تنسِّق مع الثورة المضادة القومية، العسكرية والمدنية. ولا يمكن لشيء من كل هذا أن يدفع العناصر الثورية إلى التخلى عن النضال فى سبيل إسقاط الحكم الدينى، ولا يمكن تبرير مثل هذا التخلى بحقيقة أن قوى للثورة المضادة أو قوى تابعة لها أو تنسِّق معها تناضل بدورها فى سبيل إسقاط الحكم الدينى.
10: وأعتقد أن الموقف السليم إزاء حركة "تمرُّد" لا يتمثل فى رفضها بل يتمثل على العكس فى الانخراط فيها إلى جانب القوى الثورية المخلصة البعيدة عن كل تنسيق مع قوى ومؤسسات وأجهزة الثورة المضادة القومية. وبالطبع فإن هذا الانخراط لا يستبعد ترشيد الحركة، وإذا كانت الحركة ترمى إلى جمع التوقيعات وتصعيد الاحتجاجات وصولا إلى مسيرة كبرى إلى قصر الاتحادية فى 30 يونيو للمطالبة برحيل رئيس الحكم الدينى فلا يمكن أن تتناقض القوى الثورية الواعية مع مثل هذه الغاية ولا مع مثل هذه الوسيلة. أما شعار إجراء انتخابات رئاسية مبكرة فإنه تكرار للوقوع فى مصيدة إستراتيچية الثورة المضادة أثناء تحالف العسكر والإخوان المسلمين وبعد تولِّى الرئيس مرسى، إستراتيچية الاستفتاءات والانتخابات الپرلمانية والرئاسية ووضع الدستور، إستراتيچية دفع قوى الثورة إلى السير فى الطريق الپرلمانى بعيدا عن الطريق الثورى، وإلى السير فى طريق الشرعية الدستورية بعيدا عن طريق الشرعية الثورية. وبدلا من حكومة مؤقتة من القوى الحقيقية للثورة رفضها المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية منذ البداية يُراد لنا أن يكون إنهاء حكم الإخوان المسلمين لصالح الدفع بقوى الثورة من جديد فى متاهات إستراتيچية الاستفتاءات والانتخابات والدساتير، هذه الإستراتيچية التى تمثل الأداة الكبرى للتصفية التدريجية للثورة من خلال المشاركة بعيدا عن الفعل الثورى الإضرابى للجماهير العاملة والشعبية وهى إستراتيچية الحكم القادم بدون الإخوان المسلمين على رأس قوى الإسلام السياسى.
11: وبالطبع فإن الوضع السياسى الراهن لا يُبشِّر بحكم "ديمقراطى" تنعقد عليه أوهام مطلقة العنان بلا حدود. ذلك أننا سوف نبقى محكومين بالسيطرة الفعلية لنفس المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية بالاستعانة بغطاء مدنى يمكن أن توفِّره القوى والأحزاب والتيارات "المدنية" الليبرالية والقومية وأقسام من اليسار. والحقيقة أن التحرُّر من الحكم العسكرى المباشر لا يعنى التحرُّر من الحكم العسكرى غير المباشر فى إطار السيطرة الفعلية للجيش، وهذا من الناحية الجوهرية هو واقع الحكم فى كل مكان فى العالم شماله وجنوبه وغربه وشرقه. ولا سبيل إلى التحرُّر من حكم الجيوش إلا بالتحرُّر من الدول وهذه قضية المجتمع اللاطبقى البعيد.
12: وعلى قوى الثورة هنا والآن أن تركِّز على بناء مؤسسات الديمقراطية من أسفل، وعلى العمل على حمايتها وصوْنها وتوسيعها وتطويرها. ومع النجاح فى التحقيق المتواصل لهذا الهدف التاريخى الكبير، رغم صعوبات وتحديات ذلك فى عالمنا الثالث، يمكن أن تنفتح آفاق أرحب من التصنيع والتحديث والاستقلال الوطنى الحقيقى فى الطريق الطويل إلى مستقبل أفضل لا سبيل إلى تحقيقه إلا فى إطار ثورى أممىّ، بعيدا عن الأوهام القومية الضيقة.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
التعليقات
1 - الديمقراطيه (من اسفل)هي الحل
عاصم الرفاعي
(
2013 / 5 / 16 - 22:33
)
شكرا للاستاذ كلفت مخترع فكره الديمقراطيه من اسفل التي سوف تقتلع نظام الراسماليه التابعه القوميه اوالاسلاميه من اسفل جذوره
وسوف يتحقق نظام جديد من بعد ذلك مختلف نوعيا عن الراسماليه والاشتراكيه
بعد اختفاء الطبقه الراسماليه وديمقرطيتها من اعلي
.. ما مدى أهمية تأثير أصوات أصحاب البشرة السمراء في نتائج الانت
.. سعيد زياد: إسرائيل خلقت نمطا جديدا في علم الحروب والمجازر وا
.. ماذا لو تعادلت الأصوات في المجمع الانتخابي بين دونالد ترمب و
.. الدفاعات الجوية الإسرائيلية تعترض 3 مسيّرات في سماء إيلات جن
.. فوضى عارمة وسيارات مكدسة بعد فيضانات كارثية في منطقة فالنسيا